كان الحفل الباذخ يبدو مهيبًا لكل من رآه. ثلاثة من أفراد عائلة موليه، ومعهم أسرة الكونتيسة التي تحتفل بعيد ميلادها اليوم، اجتمعوا لتبادل التحايا، فيما غصّت الأرجاء بتنسيقات الزهور الطازجة التي أفرغ البستانيون فيها جهدهم وأرواحهم.
كانت مونيكا تحاول قدر استطاعتها ألّا تتجول كثيرًا في قاعة الحفل. فهذا أول حفل فخم تراه في حياتها.
«بل… في الحقيقة، هذه أول مرة أحضر فيها حفلًا على الإطلاق…»
«ماذا عن اللورد موليه…»
«إنه في العاصمة لانشغاله الشديد. وأود أن أنقل أسفه لعدم تمكنه من حضور الحفل اليوم…»
كان الناس يتجاذبون أطراف الحديث ويتبادلون الرقص. رجال ونساء بأبهى حللهم يسيرون في القاعة المضيئة كما لو كانت نهارًا.
وتقدّم إليها عدة شبّان نبلاء لم يلتقوها من قبل. وفي كل مرة، كانت مونيكا تبادر بالتصريح بأنها ليست من النبلاء، بل مُدرّسة لمارتينيل.
كان الشبان يبتسمون لها بود، لكنهم ما يلبثون أن يديروا وجوههم ويغادروا.
مفارقةً، أحزنها هذا الموقف، إذ رغم سماح السيدة موليه لها بالحضور، كان واضحًا لها أن هذا المكان ليس لها.
ولذا، حين سمعت مارتينيل يقول إنه سيغادر، غمرتها سعادة كادت تبكيها.
«أظن الآنسة فيوليت ذهبت إلى النافورة، سيدي.»
يبدو أنّ الفتيات اللواتي أتممن حفل ظهورهن الأول للتو قد تجمعن معًا لرؤية نافورة عائلة موليه الجميلة.
«ألن تذهب لتكون مع عائلتك؟»
«لا بأس. ثم إن هناك بعض الأشخاص لا أرتاح إليهم.»
همس مارتينيل لمونيكا. لا يعجبك أحد؟ وحين نظرت مونيكا إلى عائلته، قال مارتينيل: «آه، بحق السماء»، وأمسك بذراعها يقودها معه.
تبعته مونيكا بخطوات سريعة. المنطقة أمام النافورة كانت مضيئة هي الأخرى، تحيط بها الشموع الكثيرة.
كانت الفتيات يتبادلن اطراف الحديث بمرح أمام النافورة، يتشاركن قطع كعك صغيرة. أشار مارتينيل إلى إحداهن وقال بصوت منخفض:
«تلك الشابة هناك هي الآنسة فيوليت.»
كانت مونيكا قد تخيلت هيئة هادئة حين سمعت اسم فيوليت، لكن الفتاة التي أشار إليها كانت ذات مظهر مرح، بشَعر أحمر نحاسي مضفور*.
*و أنا اللي تخيلت شعرها بنفسجي عشان اسمها فايوليت 🥲🥲*
وفي تلك اللحظة، التقت أعينهما. حَيّتها فيوليت بنظرة سريعة، ثم أقبلت نحوهما بخفة، ومونيكا شعرت بتوتر مارتينيل.
«مرحبًا، مارتينيل. وهذه…؟»
«آه، هذه معلمتي.»
كادت مونيكا تضحك حين سمعت مارتينيل يجيب بنبرة أكثر وقارًا من المعتاد.
استحضرت مونيكا مشاهد ساحة المعركة لتهدّئ ذهنها، وألقت التحية على فيوليت بأدب.
ولحسن الحظ، كانت الفتاة مرحة الطبع كما يوحي مظهرها.
«مارتينيل، ألا تعمل هذه النافورة؟»
«يمكنني تشغيلها، لكن أظن أن السيدة أوقفتها اليوم عمدًا بسبب الحفل.»
ابتسم مارتينيل وأضاف:
«لا أريد أن يحجب هدير الماء عني صوت الآنسة فيوليت العذب.»
*يا سلااام!! لما كنت بعمره كان اقصى همي ان امي تخليني اتفرج على سبيستون بعد العشاء، و الولد قاعد يتغزل و يصيد البنات*
أدركت مونيكا فورًا أنّ هذه جملة كان مارتينيل يحتفظ بها خصيصًا، لكن، لسوء الحظ، ارتسمت على وجه فيوليت ملامح غريبة. وهذا طبيعي، إذ لم يتجاوز مارتينيل العاشرة من عمره.
«عذرًا، لكن هل جرت العادة في عائلة موليه أن ينادي المرء والدته هكذا؟»
«ها؟»
«السيدة…»
لو كانت السيدة موليه موجودة في تلك اللحظة، لكانت امتنّت لفيوليت غاية الامتنان. لقد حاولت لأشهر أن تجعل ابنها يتوقف عن هذا النداء، لكنه لم يذعن لها.
لكن مارتينيل أنكر على الفور أنه قال ذلك.
«أظنكِ سمعتِ خطأ.»
«حقًا؟»
«على كل حال، قريبًا سيبدأ عرض الألعاب النارية، وهو من تقاليد عائلتنا ومصدر فخرها…»
سارع مارتينيل لتغيير الموضوع، وقد نجح في ذلك إلى حد بعيد، إذ صفّقت فيوليت وقالت: «آه!»
وبدأت تتحدث بحماس عن الألعاب النارية، فيما اعتدل مارتينيل في وقفته وشرع يشرح بتفصيل.
«كانت عائلتنا تعمل بالبارود في بلد محايد. والدي…»
لم تكن تلك كلمات طفل، بل رواية لقّنه إياها أحد الكبار في العائلة مرارًا. كان الشرح بسيطًا ومباشرًا بما يكفي ليدركه الأطفال. وبفضله، عرفت مونيكا أن عائلة موليه توسعت ثروتها كثيرًا من تجارة العتاد الحربي.
وسرى البرد في معدتها؛ فالخلاصة أنهم ازدهروا بفضل الحرب.
لقد زادت ثروة هذه العائلة الثرية أصلاً بفضل المدافع والبارود. بل تفاخر مارتينيل بأن المملكة خاضت الحرب بفضل قوة البارود الجديد الذي صنعته عائلته.
لكن المملكة خسرت الحرب.
تجمّد ذهن مونيكا. لقد عرفت شخصًا أُصيب في عينه بالبارود. فجأةً، خيّم في أنفها عبير البارود، وأحسّت بالغثيان.
«أوه، آنسة مونيكا. يمكنك الذهاب.»
قالها مارتينيل بتعالٍ كما لو كان راشدًا، مقلّدًا الكبار من حوله. في العادة، كانت ستضحك أو ترد مازحة: «عمّ تتحدث، يا سيدي الصغير؟ لقد أوصتني والدتك بمراقبتك.»
لكن مونيكا كانت منزعجة بحق. ترددت قليلًا ثم انحنت:
غادرت مونيكا مسرعة، لكنها لم تنس أن توصي الخادمة القريبة من النافورة أن تعتني بالصبي.
فأومأت الخادمة لها وطلبت منها أن تذهب بسرعة.
سارت بخطى حثيثة عبر الحديقة، تتجنب الأماكن المضيئة بحثًا عن بقعة مظلمة بعيدة عن الناس.
في ظرف آخر، لما كانت لتقترب من الظلام، لكن كثرة الحضور اليوم جعلت الأمر آمنًا.
«ها…»
بعد مسير طويل، وصلت إلى حديقة أزهار برية يمكن رؤيتها من نافذة غرفتها. على خلاف حديقة الورود، كانت الحديقة خلف القصر هادئة مظلمة. جلست على مقعد في ركن الحديقة وأخذت نفسًا عميقًا، راغبة في الابتعاد عن الحفل ولو لبرهة.
ابتسمت قليلًا وهي تهمس: لم تكن تعلم أن عائلة موليه على هذا النحو. لطالما ظنّتهم تجارًا ناجحين فحسب.
لم تكن تنوي إلقاء اللوم الأخلاقي عليهم، لكن كلمات مارتينيل أطلقت سيلًا من ذكرياتها المؤلمة.
كان مستشفى آرفيد داخل القلعة، بعيدًا نسبيًا عن خطوط القتال، لكنه لم يكن بمنأى عن قصف الطائرات في أواخر الحرب. وقد هُزمت المملكة أيضًا بسبب تلك الطائرات.
اختلطت أفكارها. حدّقت في قصر موليه من بعيد، بعد أن كان يثير إعجابها، صار يبعث في نفسها الكراهية. أن ترى سيدة المنزل، الذي راكم ثروته من البارود، مبتسمة على الدوام…
«رييلا…»
خطر لها سؤال: هل كانت رييلا ستفخر بعائلة كهذه؟ لكنها سرعان ما هزّت رأسها.
لقد انتهت الحرب، ومهما كانت قوة بارود عائلة موليه، فالملك هو من أشعلها، لا هم. ومع ذلك، شعرت بوخز من ازدراء الذات.
«كأنني أبحث عن ذريعة لأكره رييلا…»
تذكرت إحساس النقص الذي اجتاحها بالأمس، حين قارنت نفسها برييلا. كرهت حتى أوقات فراغها البسيطة. غسلت وجهها بحدة وهمست:
«توقفي.»
لكن مهما حاولت، عادت لتلك الدائرة من المشاعر. كان طبيعيًا أن تشعر بذلك، إذ إن كل ما تملكه رييلا كان يمكن أن يكون لها هي.
والآن، بينما رييلا في قلب الحفل، هي منكمشة في ركن الحديقة.
«أنا المشكلة…»
شعرت أن شعور النقص سيبتلعها، خانقًا إياها كما تفعل شمس تموز الحارقة. سيلازمها حتى لو غادرت رييلا القصر.
سمعت في الحفل أن رجلًا من عائلة سوليفان، التي تخطّط رييلا للزواج منها، سيأتي اليوم.
سوليفان… اسم مألوف، إحدى أعرق عائلات المملكة. قُتل ابنهم الأكبر في الحرب، لكنها عائلة تولّت الشؤون العسكرية لجيـل بعد جيل. والخطيب المنتظر لرييلا هو الابن الثاني.
رييلا، سيدة المستقبل لبيت مرموق كهذا… كانت مونيكا تعرف ما سيحدث: بعد رحيل رييلا، ستغار من زوجها المثالي، تتحسر على مكانتها، وتسمع أخبارها وأبنائها وجواهرها، وتفكر أنها كان يمكن أن تكون لها.
لكنها لم ترد أن تأكل نفسها بالغيرة. كانت متأكدة من ذلك.
«يجب أن أتوقف.»
كان هذا العمل عظيمًا: راتب يتجاوز عشرين ألفًا سنويًا، مدينة جميلة غنية، سيّدة طيبة وصبي ذكي يتظاهر بالنضج. كل شيء مثالي… ومع ذلك، عقدت مونيكا العزم على الرحيل.
ليس من طبعها أن تظل أسيرة أفكار سوداوية، وهي التي كانت مبتهجة حتى في الميدان.
ابتسمت وهي تتخيل زملاءها يرونها الآن. لا بأس. ما زلت شابة. سأجد عملًا آخر.
«فيو…»
زفرت برفق، ونهضت، وهزّت تنورتها.
«لننهِ ما يجب إنهاؤه اليوم أولًا.»
لقد تركت مارتينيل مع الفتيات أمام النافورة، وحتى وإن عهدت به للخادمة، فهذه وظيفتها.
سأنهي ما عليّ فعله… ثم أرحل. كررت ذلك وهي تغادر الحديقة.
لكنها توقفت فجأة.
«أعلم، سيدي، أنك لن تسعد بما أفعله…»
اتسعت عينا مونيكا وهي تحاول السير ببطء، فقد كان هناك شخص قريب.
وفي تلك اللحظة، رأت شخصًا تعرفه.
«لكن… قلبي ملك لك وحدك.»
آه… كادت مونيكا تئن وهي تخفض رأسها.
اللعنة!
حبست في فمها الكلمة التي لم تقلها إلا في ساحة الحرب. وفي هذا التوقيت بالذات…
لقد كانت رييلا.
᯽᯽᯽᯽᯽᯽᯽᯽
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا جاءني رجل وسيم للغاية بوجه غاضب ، وأعطاني أوراق الطلاق؟’ “ما الذي تتحدث عنه أيها الرجل الوسيم؟ لم ألتقِ بك من قبل ، ناهيك عن الزواج بك ، لماذا تعطيني...مواصلة القراءة →
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا...
التعليقات لهذا الفصل " 19"