لم تكن مونيكا، التي لم تنشأ في عائلة ثرية ولم تتوقع الكثير من الفتى، تتصور أن تشعر بشيء من الحرج.
كان الفتى يسير في الظل لأجلها ويمد لها مروحة.
“معلمتي، يبدو أنك تشعرين بالحر.”
وكما كانت هي تنادي السيدة موليه دائمًا بـ “سيدتي”، كان مارتينيل ينادي والدته بـ “سيدتي” أيضًا، رغم علمه أنها ليست ربة عمله.
كان ذكيًا بما يكفي ليتعلم ويطبّق فكرة أن احترام الآخرين أكثر نضجًا من تجاهلهم.
قال متذمرًا وهو يريها السروال القصير الذي يرتديه:
“هذه السراويل تبدو طفولية جدًا، ألا ترين؟”
“لا أظن أن الخادمة أعطتك هذه السراويل لأنك طفل، بل لأن الجو حار اليوم. هل ذهبت إلى الميناء؟”
“الميناء؟”
“البحّارة هناك يعملون وهم يرتدون سراويل قصيرة مثلك، يا سيدي الصغير.”
أضاءت عيناه حماسًا. قال إنه لم يزر الميناء إلا مرات قليلة منذ مجيئه إلى لا سبيتسيا، فأخبرته مونيكا بما رأته هناك في زيارتها الوحيدة.
“أود أن أذهب.”
“من الافضل ان تذهب حين تصبح أكبر قليلًا يا سيدي، فهو مكان خطِر بعض الشيء.”
“وما الخطر فيه؟”
بدلًا من الإجابة، ربّتت مونيكا على ركبتها. تذكر مارتينيل إصابتها قبل أيام، فقال:
“آه.”
“حتى أنا، راشدة، أصبت إصابة شديدة مزّقت ملابسي.”
لم يكن ذلك خطأ مونيكا طبعًا، لكن الفتى أومأ على أي حال.
“لهذا تواصلين ارتداء الملابس نفسها، أليس كذلك يا معلمتي؟”
“نعم.”
لم يكن الأمر محرجًا حقًا بالنسبة لها، فمعظم الناس يعيشون هكذا، لكن أمام فتى يغيّر ملابسه ثلاث أو أربع مرات يوميًا*، أحست ببعض الحرج وأضافت ما لم يكن لازمًا:
“سأشتري بعض الملابس الجديدة قريبًا.”
*كذب، من متى الاوروبيين يغيرون ملابسهم اكثر من مرة باليوم؟ اصلا كانوا يعتقدون ان الاستحمام من الكفر و الزندقة*
سأل مندهشا:
“أأنتِ تحبين اقتناء الملابس أيضًا، معلمتي؟”
“أمي وأختي تحبان شراء الملابس. أمي تحب ذلك أكثر من أختي، وأختي تتظاهر بالعكس، لكنها في الحقيقة تحب.”
ابتسمت مونيكا، فمن الطبيعي أن يكون الأمر كذلك عند معظم الناس.
لم تكن تعرف مكان هذا المتجر، لكنها ابتسمت مفكرة: “على الأرجح ليس مكانًا أستطيع دخوله.”
“هذه أول مرة لي في لا سبيتسيا، لذلك لا أعرف الكثير. سأنتظر وأرى.”
“إذًا يجب أن تذهبي بالتأكيد إلى متجر الطوب الأصفر. لا أعرف الكثير عنه، لكن الآنسة فيوليت قالت إنه رائع أيضًا.”
“الآنسة فيوليت؟”
حين سألتها عن الاسم الذي طفا فجأة، احمرّت وجنتا الفتى.
سرعان ما عرفت مونيكا أن الآنسة فيوليت فتاة جميلة تقترب من الرابعة عشرة، وأن الفتى واقع في حب فتاة تكبره سنًا. عندها انكشف سبب نضجه الغريب.
حتى مناداته للسيدة موليه بـ “سيدتي” كان قد تعلمه من الآنسة فيوليت.
قال هامسًا:
“إنه سر بيننا، معلمتي.”
فأجابته بخفة:
“بالطبع، يا سيدي الصغير.”
“أظنكَ قريبة من الآنسة رييلا.”
“نعم، لكنها ستتزوج قريبًا.”
“سمعت ذلك أيضًا. إذا تزوجت الآنسة رييلا، ستشعر بالوحدة.”
“لا بأس، سأتزوج أنا أيضًا وأكوّن أسرة.”
كادت تضحك، فمهما كان ناضجًا، يبقى من الطريف سماع فتى في العاشرة يتحدث عن تكوين أسرة. لكنها تماسكت، فالأولاد في هذا العمر يكرهون أن يداعبهم أحد.
وبينما كان يشرح لها خططه بعيون لامعة، ازداد إعجابها به، وضحكت حين حدثها عن رغبته في إنجاب طفلين وزرع الكثير من الأزهار الزرقاء التي تحبها الآنسة فيوليت في الحديقة.
لكن جملة:
“عائلة غولدفيلد من الطبقة الوسطى، وقد لا تفيدنا كثيرًا، لكني سأكون زوجًا مناسبًا الآنسة فيوليت، أليس كذلك؟”
كانت أقل وقعًا في أذنها، خصوصًا حين أضاف:
“إذا أصبحت أختي سيدة عائلة سوليفان، فلن تقول أمي شيئًا سيئًا عن حبي لابنة عائلة غولدفيلد!”
كان هذا الاسم مألوفًا لديها. وتذكرت أن رييلا ذكرته وهي تمسك بذراع السيدة موليه.
ابتسمت له مونيكا قبل أن تتعمق أفكاره، وقالت:
“الجميع سيكون سعيدًا.”
كانت هذه الحكاية تشملها هي أيضًا. فإذا تزوجت رييلا سريعًا وغادرت هذا البيت، فلن تكون مونيكا مثقلة بالعمل بعد ذلك.
سار الاثنان بجوار القصر حتى دخلا الحديقة. كان التوقيت مناسبًا؛ تحت شمس الصباح، كانت سيدة شابة بثوب أبيض تعتني بالحديقة، تقطع الورود بمقص صغير، فيما يساعدها البستاني بانحناءة مفرطة وهو يحمل السلة.
إنها رييلا موليه.
“أختي!”
لوّح مارتينيل، فرفعت رأسها وهي تمسك وردة وردية اللون، ثم حيّته بتحية صغيرة.
توقفت مونيكا قليلًا وخفضت رأسها حين التقت عيناها بعيني رييلا، ولما رفعت نظرها مجددًا، كانت رييلا قد عادت لانشغالها بالورود.
“أختي لا تبدو سعيدة جدًا.”
أخفت مونيكا رغبتها في الرد بلا مبالاة. كانت تعلم أن عائلة موليه جاءت إلى لا سبيتسيا حين كان الفتى في السابعة، هربًا من الحرب، وأن رييلا كانت معهم.
التفتت نحوها، وتذكرت رييلا وهي تقطع ضمادات جرحى المستشفى في أرڤيد، فشعرت بضيق وهي تراها اليوم تقطع الزهور بثوب أبيض في منتجع هادئ.
“هل الأمر بسبب خطبة أختي؟”
“خطبة؟”
عندما التفتت مونيكا نحوه، بدت على وجهه علامة تذكّر وقال:
“هذا سر.”
طمأنته:
“لا تقلق، لن أخبر أحدًا بما قلت.”
ثم اعترف مترددًا:
“لقد فسخت أختي خطوبة سابقة، وتتوتر كلما جاء الحديث عن الزواج، منذ كنت صغيرًا جدًا…”
ربما كان السبب الحرب؟ لكن قبل أن تكمل مونيكا أفكارها، أضاف:
“لا يمكنك إخبار أي أحد، اتفقنا؟”
ضحكت وهي ترى الفتى يمسك بطرف ثوبها متوسلًا، فعاد في نظرها إلى سنه الحقيقية.
أمسكت بيده وأقسمت، فاطمأن أخيرًا.
أظنني كنت مثله حين كنت في العاشرة…
لكن سرعان ما تجمّد وجهها وهي تتذكر أنها في ذاك العمر بالذات كانت قد تخلت عن “ليزي” للتبنّي.
—
في صباح السبت، استيقظت مونيكا مبكرًا على غير العادة. ذهبت إلى غرفة مارتينيل، وغسلت وجهه، ثم خرجا للمشي. كان الفتى يتثاءب حتى رأى التوت الصيفي الذي وجدته، فأضاء وجهه.
في نهاية الجولة، كان قد جمع ستّ حبات من التوت العليق الناضج، حملها بعناية حتى لا تنهرس، وما إن وصلا القصر حتى ركض نحو السيدة موليه ليعرضها عليها.
“أنت رائع يا صغيري.”
كان القصر يعج بالحركة استعدادًا لحفل كبير في المساء التالي، عيد ميلاد كونتيسة، صديقة مقربة للسيدة موليه، التي قررت إقامة الحفل في حديقة القصر بسبب ترميم قصرها.
وبينما انحنى البستانيون الخمسة أمامها، تناولت السيدة موليه التوت الذي جمعه ابنها وقالت:
“لذيذ!”
ثم أتبعت بابتسامة نصفها عبوس:
“ربما طعمه لذيذ لابني، لكنه حامض جدًا بالنسبة لي.”
ثم التفتت إلى مونيكا مبتسمة:
“آسفة، ابني أتعبك معه.”
“أبدًا.”
لكن الأمر لم يكن عناءً لها، إذ أن الحفل كان سيجمع مارتينيل بفتاته المفضلة الآنسة فيوليت.
لكنه كان يخشى أن يبقى طوال الوقت بجوار السيدة موليه، فلا يظفر إلا بنظرة عابرة منها، إذ ستكون السيدة منشغلة بالكونتيسة.
ولأن لقاءه بها وحده غير لائق، توسّل إلى مونيكا أن ترافقه ليقترب منها.
“مارت، لماذا لا تطلب من رييلا مساعدتك؟”
“لا أريد! ستسخر مني!”
رفض بشدة، فأثارت ردة فعله ضحكات خافتة من البستانيين وحتى مونيكا.
حاولت السيدة موليه أن تثنيه، لكنها استسلمت في النهاية أمام إصراره واحمرار وجهه.
“دعيه يفعل ما يريد.”
ثم استدعت السيدة أورانج وقالت:
“اختاري واحدة من فساتين رييلا للآنسة مونيكا.”
حاولت مونيكا الاعتراض، لكن السيدة موليه رفعت إصبعها وقالت بهدوء حازم:
“أه-أه.”
كانت النبرة لطيفة، لكن المعنى واضح: لا مجال للرفض. فأطبقت مونيكا شفتيها وخفضت رأسها مستسلمة.
᯽᯽᯽᯽᯽᯽᯽᯽
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا جاءني رجل وسيم للغاية بوجه غاضب ، وأعطاني أوراق الطلاق؟’ “ما الذي تتحدث عنه أيها الرجل الوسيم؟ لم ألتقِ بك من قبل ، ناهيك عن الزواج بك ، لماذا تعطيني...مواصلة القراءة →
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا...
التعليقات لهذا الفصل " 14"