على أي حال، بما أننا وصلنا إلى هذه المرحلة، لم يكن بإمكاننا العودة أدراجنا. سحبت مونيكا قبضتها من يد غارسيا ومدّت كفّها أمامه.
طلبت منه أن يعيد إليها كل ملابسها وأشرطتها.
قالت:
“لقد أنفقت هناك كل ما أملك.”
رفع غارسيا حاجبيه الذهبيين الداكنين متعجبًا:
“أي نوع من الفتيات الحمقاوات تهدر كل ثروتها على شريط شعر؟”
“… لأنني كنت أدخر المال لأجله منذ زمن!”
قبضت مونيكا يديها من جديد، فأطلق غارسيا ضحكة ساخرة.
“كلمة واحدة فقط…”
حينها فقط أدركت مونيكا أنها تتحدث مثل طفلة صغيرة متدللة. كان الأمر مختلفًا تمامًا عن لقائها الأول بغارسيا، حين كانت مؤدبة معتقدة أنه لويس.
لكن ذلك لم يدفعها لتغيير نبرتها، بل رفعت ذقنها بتعجرف:
“لا أريد أن ينتقد أسلوبي عصفور شارد.”
نعم، هل يحق لرجل يلقبها بـ”ذيل الحصان” ويتشاجر في الشوارع أن ينتقد طريقة حديثها؟
لحسن الحظ، بدا أن غارسيا لا ينوي تصعيد الأمر، فاكتفى بالنظر إليها من أعلى وهو يمضغ طرف سجارته بصمت.
قال ببرود:
“ماذا؟”
“أوه يا إلهي.”
لم يرمش الرجل حتى وهو يراها تحدّق فيه بغضب، بل أمسك معصمها من جديد، ثم مسح بكفّه راحة يدها.
“آخ…”
تأوهت مونيكا من الألم حين شعرَت بحرقة في كفيها المكدومتين والمتسختين جراء سقوطها.
ارتسمت على شفتي غارسيا ابتسامة ساخرة وهو ينفث دخان السيجار.
“يبدو أن لا شيء أهم لديك من هذا.”
ثم أخذ بيدها واتجه نحو النافورة في الساحة. كانت نافورة القرميد التي تعكس ثراء مدينة لا سبيتسيا متوقفة عن العمل.
من دون تردد، غرف غارسيا بعض الماء من النافورة وبدأ يفرك راحتي يديها به.
“آه! إنه يؤلمني!”
لم تكن متألمة حقًا بقدر ما كانت محرجة من أن رجلاً غريبًا يفرك يديها بهذه الطريقة. لكن غارسيا تجاهل صراخها وغسل يديها كلتيهما.
قال باستهزاء:
“تبدعين اهدار المال بهاتين اليدين القذرتين.”
“إيييه.”
رفعت مونيكا رأسها نحوه بانزعاج، فضحك قليلًا وربت على حافة النافورة مشيرًا لها بالجلوس.
كان أسلوبه الفوقي بعيدًا عن النبل، لكنه بطريقة ما كان يصعب رفضه. أدارت عينيها وجلست على الطوب المحيط بالنافورة، فجلس هو أمامها وهو ينقر بلسانه بضيق.
“تسك.”
ومن خلال طرف فستانها الممزق، ظهرت ركبتاها المليئتان بالخدوش والقشور. أخرج الرجل طرف قميصه المدسوس في بنطاله ومزّقه.
تفاجأت مونيكا من تصرفه، لكنه، وكأن الأمر عادي، بلّل القماش بالماء وبدأ يمسح ركبتيها، وكأنه قميص شخص آخر.
“آنسة، ما قصة ركبتيك هذه؟”
“… “
“لن تتمكني من الزواج إذا بقي أثر هذه الندوب.”
كانت على وشك أن تصرخ: “هذا بسببك!” لكنها أطبقت فمها. فهي تعلم أن الأمر ليس خطأه بالكامل .
وفوق ذلك، كان بإمكانه أن يفر ويتركها… لكنه عاد بسببها، أليس كذلك؟
كان لمسه مفاجئًا في رقّته، وكأنه يحاول ألّا يسبب لها ألمًا إضافيًا. ثم قال فجأة:
“الحمد لله أننا لسنا في ساحة معركة.”
“هاه؟”
“لو كنتِ جندية مصابة، لما عاملوك بهذه الرقة.”
رمشت مونيكا بدهشة. كان محقًا، ففي الحروب تكثر الإصابات إلى درجة يستحيل معها الاعتناء بكل جريح برفق. لكن… من أين له أن يعرف هذا؟ هل هو أيضًا محارب قديم؟
راقبته بصمت وهو يمضغ سيجاره ثم يبصق عقبَه جانبًا بينما يواصل لفّ القماش حول ركبتيها.
وحين لاحظ صمتها، رفع رأسه بابتسامة:
“لماذا؟ هل تأثرتِ؟”
“… أنت حقًا لا تعرف لويس؟”
بدل أن تقول “ما هذه السخافة؟”، اكتفت بسؤاله، فاتسعت عيناه.
“لا أعرف ذلك الفتى الباهت.”
“إذن أنت تعرفه.”
“لا أعرف.”
“أي أحد سيكتشف من ردك هذا أنك تعرفه.”
“لا داعي لتكرار الأمر. فهمتِ؟”
ثم شد قبضته على ركبتها عمدًا، فصرخت مونيكا منزعجة:
“آه!”
“لا تذكري اسمه، سيجلب لكِ نحسًا ثلاثة أيام.”
“ماذا تقول؟ لويس، لويس، لويس…”
ما إن أنهى كلامه حتى أخذت تكرر اسم لويس.
“آه بحقك!”
كانت على وشك أن تقول “أنتم متشابهان تمامًا”، لكنها لمحَت عينه اليمنى وهي تضيق، وهناك أسفلها، تحت أشعة الشمس، بدا جرح قديم لا يُرى إلا بالتدقيق.
أرادت أن تسأله عنه، لكنه سبقها بالكلام:
“إن نطقتِ اسمه مرة أخرى، لن أعيد لكِ نقودك.”
“هاه!”
اتسعت عينا مونيكا بدهشة. لقد كانت تطالبه بالمال الذي أنفقته على الفستان والشريط، لكنها لم تتوقع أن يعيده حقًا.
“أأنت ستعيد لي المال؟”
“اللعنة… أنتِ قلتِ إنك لن تتمكني العمل بسببي، ولم يبق لديك سوى ثلاث أطقم ملابس، أحدها بيجاما.”
وهذا بالضبط ما كانت تشكو منه قبل قليل.
“حظي سيئ لأنني تورطت مع فتاة مثلك…”
تمتم غارسيا وهو يعبث بشعره الأشقر. للوهلة الأولى، كان يبدو كشخص يسرق المال لا يدفعه، لكن مونيكا اكتفت بزم شفتيها.
“حتى لو كان سعر الشريط 60 سينغا، فهذه الملابس قديمة بوضوح. ربما بيعت بأكثر من قيمتها الحقيقية. بدل أن أدفع ثمنًا لملابس لا تساوي حتى عشر سنتات، من الأفضل أن أشتري شيئًا جديدًا بثمن معقول.”
لكن رغم وضوح أنه سيشتري لها، شعرت مونيكا بشيء غير مريح…
“لكن هذه السوق لا تحتوي سوى على القمامة. وفوق ذلك، بسبب أولئك الحمقى قبل قليل، لن أقترب منها لفترة.”
وأشار برأسه نحو الاتجاه الذي جاؤوا منه. كانوا سيذهبون إلى المنطقة التجارية على أي حال.
لكن حين لمحت مونيكا برج الساعة في ساحة أرجنت، صُدمت، فقد اقترب وقت الغداء.
“آه، لا يمكن!”
تذكرت أن الطبيب سيأتي للغداء، وما قالته السيدة موليه عن العناية بمارْتِنيل، فضلًا عن كونها معلمة وممرضة تحتاج للتشاور مع الطبيب. فقفزت مذعورة:
“لدي أمر عاجل! يجب أن أذهب!”
سألها غارسيا بجدية:
“ومتى سيكون لديك وقت؟”
حسبت المسافة من الساحة إلى قصر موليه، ثم تمتمت بكلمات مبهمة، وأخيرًا قالت: “السبت.”
“سنلتقي هنا وقت الغداء يوم السبت.”
كانت قد سمعت من الخادمات أن السيدة موليه تعطي الخدم يوم إجازة في الأسبوع. لم تناقش الأمر معها بعد، لكنها ظنت أنها ستوافق.
“عند نافورة الساحة.”
كانت دعوة أحادية الجانب. فأجاب غارسيا وهو يميل رأسه بكسل:
“أتظنين أنني سأحضر حقًا؟”
فردّت بوجه متجهم:
“إن لم تحضر، سأقتلك.”
ثم أسرعت بالركض مبتعدة.
رآها تجري بخفة رغم ركبتها المصابة، فضحك بدهشة:
“أنتِ حتى لا تعرفين مكان عيشي…”
ثم نظر إلى طرف قميصه الممزق. ربما سيلومه أحدهم، لكن ما أهمية ذلك؟ فهذا القميص لم يعد يُعتبر ملابس أصلًا.
وظل بصره متجهًا نحو المرأة التي ابتعدت شعرها الأسود منسابًا…
“أدركت الآن أنني لم أسأل حتى عن اسمك.”
ثم نقر بلسانه:
“لا خيار لدي… سأضطر للحضور يوم السبت… إن أمكن.”
—
اضطرت مونيكا لارتداء فستان أخضر باهت. لم يكن من الممكن ارتداء البيجاما، والجميع رأى بالفعل فستان التفتا. كان الجو حارًا قليلًا، لكنها لم تجد بديلًا.
بعد أن تحصل على راتبها هذا الأسبوع، ستشتري ملابس بسيطة أو تسأل الخادمات إن كان لديهن ما يبعن.
بالطبع، لم يخلُ الأمر من موقف كوميدي حين صرخت ماريا وهي تراها تدخل القصر بملابس ممزقة:
“هانس ذلك اللعين!”
كيف يجرؤ على ترك فتاة لا تعرف الطريق وحدها حتى تصاب وتتشوه هكذا؟ لن أتركه يفلت بفعلته!
كادت مونيكا أن تمنعها من شمر أكمامها بعصبية. كانت ماريا سريعة الغضب، لكنها حنونة القلب.
قالت مونيكا:
“أنا بخير، فقط لم أكن منتبهة.”
ثم سألتها:
“لكن أريد إصلاح بعض الملابس، هل يمكنني استعارة إبرة وخيط؟”
فمدّت ماريا يدها قائلة:
“أنا سأصلحها.”
“لديك الكثير من العمل المتراكم بالفعل…”
“علينا أن نفعل شيئًا حتى يحين العشاء، ثم إنك لا تملكين الكثير من الملابس.”
لم يكن أمام مونيكا إلا أن تتركها تأخذ الفستان، لكنها حذرتها قليلًا وهي تمشي:
“قد تبدو لا سبيتسيا مدينة هادئة، لكنها لم تتأثر بالحرب.”
فقد بقيت مدن قليلة في المملكة تستطيع إدارة المال بشكل طبيعي، وفي الجنوب، لم يبق سوى لا سبيتسيا.
“إنها مدينة يتجمع فيها كل الحمقى من الجنوب، من غرباء وقطاع طرق ومجرمين، لذا كوني حذرة دائمًا، فهمتِ؟”
“نعم…”
ابتسمت مونيكا ابتسامة باهتة وهي تجيب. هل أنا واحدة من هؤلاء الحمقى؟ بالطبع، لم تقل ذلك بصوت عالٍ.
᯽᯽᯽᯽᯽᯽᯽᯽
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 12"