قصر فخم تحفُّ به حديقة عامرة، قد أجهد خمسة من البستانيين أنفسهم أيّامًا وليالي متواصلة حتى تفتّحت فيه ورود نديّة كأنّها صُنع الخيال. وفي ضوء مصابيح الغاز المتلألئة تحت سماء الصيف، كانت الأزهار تتمايل في غمرة من السحر لا يُحدّ.
لو أنّ الغِنى كُتب في صورة، لكانت تلك المشهدة أصدق رسم له.
وكان المشهد جديرًا بأن يُسلب له اللبّ، غير أنّ “مونيكا” لم تملك أن تستسلم لذلك البهاء؛ إذ كان أمامها رجل شغلها عن كل ما حولها.
قالت، وعلى وجهها أثر الدهشة:
“أأنت تقول أنك لستَ غارسيا…؟”
ارتبكت وهي تنطق بذلك. وربما تساءل متسائل: أهي مسحورة بوجه الرجل أكثر من سحر المكان؟ أجل، فقد كان وسيمًا غاية الوسامة؛ طويل القامة طولًا يلفت الأبصار، وشعره الذهبي كخيوط الشمس، وعيناه غائرتان يفيض منهما العمق.
قال ببرود لا يلين:
“كم مرة ينبغي أن أقول؟ ذلك ليس اسمي.”
تأمّلته مونيكا مرة أخرى، فوجدته على خلاف الصورة التي تحفظها في ذاكرتها؛ فهو اليوم مرتدٍ حُلّة فاخرة أنيقة، لا شبه لها في الرجل الذي كانت تعرفه.
‘أترى يكون غيره حقًا؟’ هكذا حدّثت نفسها.
وليس من النادر أن يخطئ المرء في معرفة الناس، بل لقد وقع لمونيكا نفسها أمر مشابه مرتين في الآونة الأخيرة. بل إنّ الرجلين الذين التقت بهما كانا على شَبَهٍ كبير بهذا الرجل…
وفجأة تكدّرت أساريرها، إذ أحسّت أنّ هذا الموقف مألوف لها أشد الألفة. أليست قد ظنّت “غارسيا” أول الأمر هو “لويس”؟ ارتبك ذهنها حتى نطقت بغير روية:
“لا تقل لي الآن إن اسمك لويس!”
هنا ارتسمت على شفتي الرجل المتيبّستين ابتسامة باردة. كانت بعيدة عن دفء ابتسامة “لويس” التي تشرق كالشمس، وإن كان الوجه نفسه يكاد يتطابق.
لكن الرجل نفى قولها بذكر اسم جديد:
“اسمي إنريكي سوليفن.”
“…ماذا؟”
كأنّها لا تصدّق سمعها؛ فقد لقيت في المدة الأخيرة رجلين بملامح هذا الرجل: شعر ذهبي، عينان زرقاوان، طول فارع… وها هي الآن أمام ثالثهم!
أتراها تصدّق أنّ ثلاثة رجال يتشابهون كأنهم صورة واحدة، وهم جميعًا أناس مختلفون؟ هذا محال!
“كذب… هذا كذب!”
اتسعت عيناها دهشة، إذ رأت شفته ترتجف كمن يختنق بابتسامة مكتومة، وفي تلك اللحظة أسقط ضوء القاعة ظلًّا على وجهه، فأبان لها عن غائرة داكنة عند طرف عينه، كأنها أثر جرح قديم.
قال ببرود وهو يدير ظهره:
“لقد أضعنا الوقت عبثًا.”
ومضى بخطى واثقة لا تلتفت. شعرت مونيكا بالعجلة؛ فقد أدركت أنّ تلك العلامة ليست غريبة عنها، وأنها الجرح نفسه الذي تعرفه.
“تمهّل!”
مدّت يدها فأمسكت بطرف ثوبه، فالتفت إليها عابسًا، وقالت وقد اقتربت منه:
“أ… ألعلّكم ثلاثة توائم؟”
كان العرق يبلّل شعره، فظهر الجرح عند طرف عينه أوضح ما يكون، ومعه أثر آخر صغير عند زاوية شفتيه، وهي تعرف هذين الأثرين حق المعرفة.
قالت بلهجة جازمة:
“لكنني لم أرَ توائمًا تتطابق جراحهم أيضًا!”
هنا أيقنت أنّه الرجل نفسه الذي تعرفه، لكنه يتعمّد الكذب، أو لعله مصاب بتعدد الشخصيات!
—
ولسرد قصة مونيكا مع هذا الرجل ـ الذي كان في أقل أحواله كاذبًا، وفي أكثرها مصابًا باضطراب غريب ـ لا بد من الرجوع بضع ليالٍ إلى الوراء، ومعرفة شيء عن ماضيها.
كانت مونيكا تكره أن يسألها أحد عن اسمها.
“اسمك؟”
“مونيكا.”
لم تكن تبغض اسمها ذاته، فقد أطلقه عليها مدير الميتم الذي نشأت فيه، مقتبسًا إيّاه من اسم أميرة عظيمة في مملكة ما. ولما عرفت تلك القصة أحبت اسمها.
لكن البغض كان من نصيب السؤال الذي يليه دومًا:
“وماذا بعد مونيكا؟”
“آه…”
فإذا تلكأت، أعاد السائل استفساره:
“ما لقبك؟”
فتضطر أن تبتسم ابتسامة باهتة، أو تزيغ بعينيها وهي تقول:
“ليس لي لقب… فأنا يتيمة.”
وهنا يجيء الجواب المرتبك:
“آه، فهمت.” أو: “يا للأسف…”
ثم يشيحون عن النظر إليها مسرعين إلى تغيير الحديث. أفلا يحق لها أن تكره هذا السؤال؟
والحق أنّ لها لقبًا، لكن مدير الميتم كان قد دوّن كل الأيتام بلقب واحد في سجلات المملكة، طلبًا لزيادة المعونة الحكومية. وقد رأت مونيكا ذلك اللقب مكتوبًا بجانب عشرات الأسماء، فآلت على نفسها ألا تنطق به ما حيت، بل تزعم أنّها بلا لقب.
وكان للمدير عذرٌ واهٍ:
“سوف تغيّرون ألقابكم إذا تبنّاكم أحد، فلماذا العناء؟”
يا للعجب! وهل من المعقول أن يُمنح كل طفل اللقب نفسه، ومن لم يُتبنَّ يعيش به عمره كله؟!
وكان لقبها ذاك “أوفن”، يشبه في اللفظ كلمة “أورفن” التي تعني اليتيم*! أفلا يكون التصريح باليُتم خيرًا من هذا الاسم المشين؟
*كلمة يتيم بالإنجليزية هي اورفن و تكتب ‘orphan ‘*
لكن هذه المرة لم يكن أمامها مناص من الإفصاح، فقد كانت في مجلس طلب وظيفة. والجلوس أمام سيّدة نصف متقدمة في السن، شعرها مرفوع بإتقان، واسمها السيدة “أورانغ”، وهي رئيسة خدم في بيت من بيوت النبلاء الثريّة.
᯽᯽᯽᯽᯽᯽᯽᯽
تمت ترجمة الفصل من طرف الجميلة موروها
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 1"