استمتعوا
***
الصباح الباكر في ورشة النجارة في الطابق الأرضي من القصر
الفجر لم يشرق بعد والسماء كانت ما زالت عائمة بين الظلال والضوء الخافت، لكن إيريك كان مستيقظاً منذ ساعة يده اليسرى التي كانت يومًا تمسك صولجان جليدي تقود صيادي فولكفانغ، كانت الآن تحمل مطرقة.
كل ضربة على المسمار كانت همسة اعتذار لم تُقل، كانت موسيقى تكفير، إيقاعًا لطيفًا يملأ الورشة بصمت صادق.
اليوم، كان يصنع نافذة ليست عادية بل نافذة للمدرسة الجديدة التي تبنيها سويون.
الخشب جاء من شجرة كرز قديمة سقطت في عاصفة الشتاء الماضي، وكل عقدة وفرع فيها يحكي قصة، وكل سنبلة خشب تتنفس حياة أخرى.
طق….. طق….. طق…….
الصوت المنتظم كان كقلب يدق اعتذارًا عن كل السنين الماضية.
***
في الساعة السادسة صباحًا دخلت لونا الورشة، تحمل فطورًا بسيطًا خبز محمص وزبدية من توت بري جمعته بنفسها، كانت صورة الحياة بعد الظلام.
“العم إيريك، إنه الأكل.”
قالت بابتسامة تلمع كفجر جديد.
نظر إليها الرجل الكبير الذي شهد السجون والجليد، وقال بهدوء:
“شكراً لك لونا.”
“ما الذي تصنعه؟”
“نافذة لكي ينظر الأطفال إلى الخارج ويروا إمكانيات لم يعرفوها من قبل.”
جلس بجانبهما، رجلاها تتأرجحان والصمت ممتلئ بالدفء.
“لماذا تبدأ باكرًا دائمًا؟”
سألت.
“لأن النور يغفر أولاً قبل أن نتمكن نحن من التعلم.”
لم تفهم تمامًا لكنها أومأت برقة وقالت:
“أمي تقول أنك أفضل نجار.”
“أمي كانت تقول إنني سأصبح أقوى قائد والآن أنا أقوى نجار.”
ضحك بصوت نادر لا يزال يتعلمه:
“وهذا أفضل.”
***.
في الساعة الثامنة صباحًا، في ورشة الجسور الصغيرة
بدأ الطلاب بالوصول، ليسوا صغارًا، بل بالغون يحملون قصصًا مريرة جندي سابق فقد ساقه في الحروب ضد الوحوش.
امرأة فقدت زوجها على يد صياد من الفئة B مشكوك في تأثره بالنور.
شاب نادم كان جزءًا من الاندماج.
لم يعلمهم إيريك النجارة فحسب بل كيف يبنون جسورًا من الخشب:
“انظروا لهذا القوس”
أشار إلى أحد التصميم.
“لا يحتاج مسامير كثيرة يحتاج فقط أن تفهموا الخشب، كل خشبة لها روحها، وكل انحناء يحكي قصة.”
سأل الجندي:
“ولكن إذا كان الخشب مقاوماً؟”
ابتسم إيريك واجابه :
“استمعوا إليه كل شجرة عاشت مئة عام، شهدت حروبنا، وضحك أطفالنا، تستحق أن نعرف ما تريد أن تصبح.”
نظرت إليه المرأة:
“تتحدث عن الخشب، لكنك تتحدث عنا ايضا.”
“هل هناك فرق؟”
همس والابتسامة خافتة على شفتيه.
***.
في منتصف النهار دخلت هيوناي، تحمل سلة غداء، عيناها تحملان ضوءًا هادئًا:
“لاحظت أنك لا تأكل بما يكفي.”
“أنا مشغول.”
“بالعمل أم بالندم؟”
“كلاهما.”
جلست بجانبه تحت شجرة ضخمة، الظلال تتماوج على وجهيهما.
“ابني مين سوك يقول إنك أكثر الناس تغيرًا.”
أجاب بهدوء:
“التغيير سهل عندما تهدم كل شيء تعرفه أما البناء فهو الأصعب.”
إبتسمت ثم قالت:
“لكنك الآن تبني.”
“أعرف، كل يوم أتذكر برجي، سجنائي تحت الجليد، ابتساماتهم عند تحريرهم وهذا يجعل كل شيء يستحق.”
“هل تغفرين لي؟”
سأل.
“لست أنا من يجب أن يغفر لك.”
“أردت فقط أن أعرف.”
وضعت يدها على يده:
“أرى فيك ابنًا محتملًا الرجل الذي يمكن أن يكون، وهذا يكفي.”
***.
بعد الظهر بعد انتهاء الدروس بدأ إيريك مشروعه السري…… نعم انه كرسي لمين سوك.
المشكلة؟ مين سوك شبه مادي والكراسي العادية تمر من خلاله.
“خشب البلوط هذا نمى عند حافة البوابة”
قال لنفسه.
“تعرض للطاقة و أصبح صالحًا في كلا العالمين.”
صنع المقعد من خشب البلوط.
المساند من عروق نور متجسدة جمعت من بقايا البوابة.
زخارف صغيرة تمثل كل عضو من العائلة.
دخلت لونا متأخرة وسألت :
“لمن هذا؟”
“لأخيك لكل من يحتاج أن يجلس ويأخذ نفسًا.”
“ولكنه لا يحتاج للجلوس!”
“الجميع يحتاج مكانًا حتى الأبطال.”
***.
المساء – التسليم
ذهب إلى غرفة مين سوك وسويون و قدّم الكرسي:
“هذا لك.”
جلس مين سوك والكراسي احتضنته.
“إنه…… رائع”
قال بدهشة.
لمست سويون الكرسي:
“إنه جميل.”
مين سوك نظر إلى إيريك وقال:
“شكراً.”
“لا، أنا من يجب ان يشكرك لأنك أعطيتني شيئًا لأصلحه.”
ابتسم إيريك لأول مرة منذ سنوات، ليس ابتسامة ندم إنما بل هدوء رجل وجد في المطرقة حياة، لا تدمير.
***.
في الليل نظر إيريك إلى جدار الورشة صورة قديمة له وعائلته أمام برج فولكفانغ المتجمد، الجميع يبتسمون يظنون أنهم أبطال.
أزال الصورة، ووضع مكانها رسمًا ملونا له وهو يبني نافذة، والضوء يتسرب منها، يملأ المكان بالدفء.
“الأبطال لا يبنون سجونًا…… الأبطال……. يبنون نوافذ.”
وأطفأ الأنوار، ونام لأول مرة منذ سنوات دون أن يحلم بالجليد، بل بحب الخشب وضحك الأطفال خلف نوافذ من صنعه.
-_____________________________________________-
من الطف الفصول 724 كلمة.
شكرا لقراءة هذا الفصل وهو اول فصل جانبي.
وكانت معكم ✨ ℛ𝑜𝓈𝑒.
اي استفسارات، أخطاء املائية، أشياء لم تعجبكم نصائح يرجى ابلاغي بها وشكرا.
يوما سعيدا وشكرا (。•ᴗ•。)♡.
التعليقات لهذا الفصل " 34"