بعد أشهر من الاحتفال الكبير، بدأت الحياة تستقر على إيقاع جديد ليس استقرارا جامدا وإنما نموا مختلفا هادئا ومتأملا.
القصر القديم لعائلة بارك ذلك الصرح الذي حمل قروناً من الأسرار والأحزان بدأ يتحول.
لم يعد مجرد حصن أو مخبأ بل صار معهد الذاكرة المشتركة؛ مكاناً يدرس فيه البشر والنور معاً تاريخهم ليس كما كتبوه في الصفحات بل كما عايشوه، كما شعروا، كما تغيّروا.
في جناح القصر الذي تم تجديده، عاش مين سوك وسويون.
الغرف كانت مزيجاً غريباً من شخصياتهم: رفوف سويون تمتلئ بكتب الرعب القديمة، وسيف ظل تقليدي لمين سوك معلق على الحائط، وبينهما سرير كبير كان سبباً لا نهائياً للمزايدة والضحك.
“هذا السرير كبير جداً!”
صرخت سويون وهي تقفز عليه.
“يمكن لعشرة أشخاص النوم فيه!”
“كان هذا القصد.”
قال مين سوك ببرودته المعتادة وهو يرتب الوسائد.
“لكي يكون لدينا مساحة.”
“مساحة لماذا؟”
“للتقلب وللهرب منك عندما تشخرين.”
“أنا لا أشخر!”
“صرختك في فيلم الرعب الليلة الماضية كانت أعلى من صوت المحرك النفاث.”
ضحكت سويون وألقت وسادة عليه:
“على الأقل أنا لا أتكلم أثناء النوم عن ظلال يجب ترتيبها أبجدياً!”
في تلك اللحظة دخلت هيوناي دون طرق الباب…. نعم انها عادة جديدة كانت تتعلمها.
“أمي…”
قال مين سوك وهو يحاول إخفاء الوسادة.
“لا تتوقفوا.”
ابتسمت.
“هذا جميل فالقصر يحتاج الضحك.”
جلست معهم وقالت:
“جاء زوار.”
“من؟”
“ممثلون من العائلات المتبقية يريدون الحديث عن مستقبل الأبراج.”
في قاعة العرش السابقة اجتمعت مجموعة صغيرة لكنها متنوعة وهم
وو لونغ من الصين الذي قبل التغيير بعد أن رأى ثماره.
كيوكو إيناري من اليابان الصوت الجديد للتعاون.
مارسيلو سيلفا من البرازيل حاملا النباتات الهجينة كهدية سلام.
خالد حورس من مصر ما زال متردداً لكنه جاء.
“الأبراج العملاقة”
بدأ وو لونغ.
“ما زالت قائمة لكنّ وظيفتها تغيرت.”
سأل مين سوك:
“ماذا تقترحون؟”
تقدمت كيوكو وقالت:
“أن تتحول إلى مراكز تبادل ليس للطاقة بل للمعرفة، البشر يعلموننا عن المادة ونحن نعلمهم عن الروح.”
مارسيلو أخرج نبتة صغيرة: نصفها الأول طبيعي و نصفها الثاني من نور.
“هذه نبتت عند انفجار برجنا هي تنتج ثماراً تشفي الأمراض الخفيفة.”
كل العيون كانت مشدودة للنبتة الساحرة.
خالد همس أخيراً:
“التعاون يعطي نتائج أفضل من السطو.”
بعد الاجتماع، حدثت كارثة صغيرة كوميدية.
لونا الطفلة التي كانت تلعب مع الأطفال من القرية، حاولت استخدام قدرة نورها لإضاءة غرفة مظلمة لكنها ببراءة الطفولة أخطأت والنتيجة ان الغرفة بدأت تطفو في الهواء.
ساعدت ميا لونا على إنزال الغرفة لكن الفكرة بقيت في الأذهان.
في العشاء و بين أضواء الشموع، طرحت سويون فكرة مجنونة:
“ماذا لو حولنا الأبراج إلى مدارس طيران؟”
صمت ثم ضحك مارسيلو:
“مدارس طيران؟”
“نعم! لنعلم الناس كيف يستخدمون نورهم للطيران سيكون رائعاً!”
إبتسمت هيوناي لابنها:
“خفيفة الظل.”
“وهذا ما أحبه فيها.”
قال مين سوك.
كيوكو قالت:
“الترفيه يعلم التعاون، والطيران ملموس جداً.”
بدأت الفكرة تنمو والنقاش تحوّل إلى مشروع حقيقي.
***.
و في تلك الليلة، بينما كان مين سوك يعد تقريره للمجلس الجديد، دخلت سويون ومعها صندوق:
“ما هذا؟”
“هدية.”
عند فتحه ظهرت دمى صغيرة لهم، مين سوك بملابس رسمية مع تاج مقلوب، سويون مع وعاء رامن يطير، لونا مع غرفة تطفو، هيوناي تبتسم.
“صنعتها لونا وميا مع الأطفال.”
ابتسم مين سوك:
“أنتِ تجعلينني أبتسم كل يوم.”
“كان هذا الهدف.”
أخرج مفتاحين:
“واحد لشقتنا في البرج الكوري، وآخر لبيت على الشاطئ، صغير و بعيد، مع مطبخ يمكن تدميره بطهو الرامن.”
سويون:
“أي واحد نختار؟”
“كلاهما سننتقل بينهما.”
وفي تلك اللحظة، دخلت جيسكا دون طرق.
“آه، أنتما في لحظة آسفة.”
“لا بأس.”
قالت سويون.
“ما الأخبار؟”
“والدي وصل، ويطلب إذناً بالدخول.”
ابتسم مين سوك
“ليأتي.”
دخل بارك مين-تشول القصر حاملا حقيبة بسيطة، وملابسه عادية….. لم يكن الرجل المتعجرف السابق.
قال:
“أنا”
لكنه توقف، كأن الكلمات ثقيلة.
تقدمت هيوناي وقالت :
“أنت والد جيسكا وهذا يكفي.”
“الماضي مات والمستقبل يبدأ الآن.”
أكملت.
في العشاء، جلس الجميع عائلة بارك الأصلية، عائلة بارك التجارية، وأصدقاؤهم، صورة غريبة، لكنها جميلة لنبلاء سابقون، صيادون، نور محرر، ورجل أعمال على طاولة واحدة.
نظر مين-تشول إلى مين سوك وقال :
“أريد أن أتعلم من البداية.”
“لماذا؟”
“لأبني شيئاً حقيقياً لا على حساب أحد.”
***.
و قبل النوم بقليل قامت سويون بوضع الدمى على رف خاص.
“اليوم كان غريباً.”
قالت.
“غريب جيد.”
أجاب مين سوك.
“هل تعتقد أننا سننجح في هذا السلام الهش؟”
“لا أعلم، لكننا سنحاول وسنفشل أحياناً وسنتعلم.”
“أحب عندما تكون حكيماً.”
“وأنا أحب عندما تكونين مجنونة.”
ضحكا سوياً وكان الضحك شيئاً جديداً للقصر القديم، لكنه أصبح مألوفاً.
في الفناء كان الأطفال يطيرون بين نجوم صغيرة يصنعها النور ولونا تعلمهم كيف تجعلها تطفو.
القصر الذي شهد دموعاً وموتاً وخيانة، أصبح الآن ضحكاً، ولعبة، ومستقبلاً.
فالبيوت ليست جدراناً، بل القلوب التي تملأها بالذكريات الجديدة، حتى على أنقاض الذكريات القديمة المؤلمة.
-_____________________________________________-
فصل قصير كيوت 811 كلمة.
شكرا لقراءة الفصل.
وكانت معكم ✨ ℛ𝑜𝓈𝑒.
اي استفسارات، أخطاء املائية، أشياء لم تعجبكم نصائح يرجى ابلاغي بها وشكرا.
التعليقات لهذا الفصل " 32"