لم تكن الليلة التي تلت قرار مين سوك ليلة راحة أو نوم بل كانت اشبه بصفحة من ليلٍ يكتب نفسه بأنفاس القلق. انسحب الجيش…. نعم لكنه لم يبتعد كثيرًا؛ ظلّ قريبًا كظلّ خوفٍ قديمٍ يأبى أن يختفي.
كان المخيم كله مفتوح العينين، لا أحد ينام، البشر يتهامسون تحت الأضواء الخافتة مع النور الذين تحرروا من سجونهم.
جلست ميا تحيط بها مجموعة من البشر، عيونهم اللامعة تبتلع كلماتها كانت تحكي عن الحياة قبل السجن، وكأنها تستدعي زمنًا من الضوء نُسي في العتمة. قالت بصوت يحمل ذاكرة بعيدة:
“كنا نغني أغاني تجعل النجوم تقترب ونزرع حدائق من نور تنمو فيها ذكريات الأجيال.”
سكتت قليلاً فرفع رجل عجوز رأسه وسألها بصوت متردد :
“وماذا حدث بعد ذلك؟”
تنهدت ميا ومرّ ظلّ حزن على عينيها:
“خاف منّا أجدادنا لأن نورنا لم يشبه نورهم ولأن اختلافنا أيقظ فيهم رهبة المجهول.”
وعلى بُعد خطوات تقدمت طفلة صغيرة نحو لونا و نظرت إليها بخجل وبدهشة:
“هل تؤلمك؟”
ابتسمت لونا كمن يضع يده على جرح قديم:
“أحيانا عندما أتذكر السجن ولكن الآن لا.”
وفي زاوية أخرى من المخيم، جلس إيريك فولكفانغ وحده، يحدق في يديه كأنهما تحملان خطاياه كلها.
اقتربت منه جيسكا و جلست بقربه ثم همست:
“ماذا ستفعل الآن؟”
رفع رأسه إليها وعيناه كسيرتان:
“لا أدري، برجي دُمِّر وعائلتي….. معظمهم ماتوا في الانفجار، الآن أنا بلا شيء.”
وضعت يدها على كتفه بثقة:
“لديك التجربة ولديك فرصة لتبني شيئًا جديدًا.”
أجاب بصوت متردد:
“شيء غير مبني على سرقة.”
“نعم.”
ساد صمت طويل قبل أن ينطق بثقل عمر كامل:
“أعتذر……. عن كل شيء.”
نظرت إليه جيسكا بعين صادقة وقالت:
“أنا لست الشخص الذي يجب أن تعتذر له.”
“أعلم، لكن البداية يجب أن تبدأ من مكان ما.”
في خيمة القيادة المؤقتة جلس مين سوك وسويون وبجوارهما الطفل الذي سمّى نفسه بكايو، ينظرون إلى الخرائط وإلى شاشة تقطر أخبارًا من العالم كله.
“عشرة أبراج باقية.”
قال كايو.
“لكن الأخبار تتغير بعضها أمل وبعضها كارثة.”
ظهرت التقارير أمامهم حيث في إفريقيا حرر برجان نفسيهما حين ثار الحراس على قادتهم، وفي أوروبا انفجر برج ألماني عندما حاولت الحكومة إسكات نوره بالقوة، وفي الهند أصبح أحد الأبراج مكانًا للحج حيث يأتي الناس للتعلم من النور، أما في أمريكا فبرجان ما زالا تحت قبضة جيش لا يؤمن إلا بالقوة.
همست سويون:
“الانقسام عالمي.”
رد مين سوك بعين مفكرة:
“أما النمط فهو أن الأماكن التي تقبل التغيير هي التي عانت أكثر من النظام القديم.”
وفجأة، دوّى إنذار ليس إعلان حرب بل نداء من نظام الاتصال العالمي للأبراج.
ظهرت صورة مرعبة للبرج الأمريكي في واشنطن وهو مغطى بشبكة سوداء من الظل، كأن المدينة تختنق، كان الظل يتحرك ككائن حي يلتهم الهواء.
همست جيسكا:
“ما هذا؟”
تجمد كايو مكانه وصوته يرتجف ورغم ذلك اجاب قائلا :
“هذا الظل الأول الظل الذي صنع يوم سجن أول ضوء، الخوف نفسه تجسد.”
و بعد كلامه بقليل اجتمع النور والبشر كعائلة واحدة أمام خطر أكبر من الجميع.
قال مين سوك بحزم:
“يجب أن نذهب إلى هناك.”
أحد البشر صرخ بخوف:
“لماذا نتدخل؟ دَع الأمريكيين يحلون مشكلتهم!”
ظهرت هيوناي كصورة نورانية:
“الظل الأول يتغذى على الانقسام و إذا ابتلع برجًا واحدًا سينتشر كليل لا فجر له.”
سأل أحدهم:
“كيف نوقفه؟”
ردت هيوناي:
“بالنور الحقيقي والنور الحقيقي فَهْمٌ، لا قوة.”
لكن كايو قال بصوت خافت:
“الظل الأول لا يفهم بالكلمات يفهم بالضوء والظلام، وقد يرى فينا أعداء.”
نعم رحلة بلا يقين بدأت إلى أمريكا.
انطلقت المركبة، صامتة كقلب يتهيأ لاعترافٍ ثقيل.
قال إيريك كاسرا الصمت داخلها :
“البرج الأمريكي كان أكثر الأبراج اعتمادًا على الطاقة المسروقة الظل هناك سيكون أقوى.”
فهمت ميا:
“وإذا حررناه سيكون ذلك إعلانًا للبشرية كلها.”
نظرت سويون لمين سوك:
“هل أنت مستعد؟”
“لا، لكن الاستعداد ليس مهمًا الفرق الوحيد هو القرار.”
انقطع الاتصال مع البرج الأمريكي كأن الظلام ابتلع كل صوت.
وصلوا إلى محطتهم و التي كانت في واشنطن.
المدينة لم تكن مدينة أشباح بل مدينة أحلام محبوسة داخل أجساد واقفة، عيون مغلقة، والظل يتسرب من وجوههم كأنه يحتل أرواحهم.
همس كايو:
“إنه يضخّم الخوف حتى يصبح حقيقة.”
فتح رجل عينيه، عينانه سوداوتان بالكامل، وصوتان يتحدثان في فمه:
“تراجعوا لا أحد هنا يريد مساعدتكم.”
قالت ميا:
“نحن نريد الحرية.”
ضحك الظل:
“الحرية؟ مجرد قفص آخر.”
تقدم إيريك وقال بهدوء موجوع:
“أنا أعرف السجن وأعرف كيف يبدو التحرر.”
رد الصوت المزدوج:
“أنت الخائف الذي صار فراغا.”
ومن بين أجساد الناس خرج الظل الأول، كتلة لا شكل لها تموج كالليل حين يحترق.
حاول نور ميا ولونا أن يشق الظلام لكنه ابتلعه كأن الضوء مجرد وهم.
“نوركم ضعيف لأنكم تخافون.”
وقف مين سوك أمامه:
“ماذا تريد؟”
“أريد الخوف فقد خلقت منه وسأكبر به.”
قال مين سوك:
“ولكن هناك ما هو أعمق من الخوف… الأمل، الحب و التسامح.”
ضحك الظل ضحكة كسقوط جبل.
ثم تقدم إيريك… وحده.
“خذ خوفي كله.”
دخل الظل جسده فصرخ لكنه لم يقاوم بل احتضن خوفه بدل أن يهرب منه.
وعندما احتضن خوفه انكسر الظل.
صار نورًا رماديًا، وترك خلفه مدينة تستيقظ ببطء من كابوس طويل.
وبهذا تنتهي المعركة التي لا تستحق أن تسمى معركة
عاد الفريق إلى كوريا والعالم كان قد بدأ يتغير، فالناس يتحدثون عن تحرير البرج الأمريكي وكأنه ولادة جديدة.
استقبلتهم هيوناي:
“لقد فعلتموها.”
رد إيريك بهدوء:
“لا الظل فعلها كان يريد فقط أن يُفهم.”
إبتسمت سويون وقالت :
“حتى أحلك شيء يحتاج أن يسمع صوته.”
سأل كايو:
“ما التالي؟”
نظر مين سوك نحو السماء والنجوم تولد حول وجه الليل:
“الآن تبدأ الحقيقة، الحرب انتهت ويبقى أصعب ما في الحياة الا وهو السلام.”
وفي تلك الليلة التي حملت أسماء الخوف والظل والنور والأمل ولدت كلمة جديدة وهي البداية.
-_____________________________________________-
فصل قصير لطيف 946 كلمة.
لاحظتوا شي غريب صح الا وهو تغير السرد احم احم غيرت السرد فقط من أجل الأحداث القادمة لأنها مجرد أحداث سعيدة غير مفيدة فحبيت افاجئكم بسرد جديد (الصراحة كل ذا بسبب كلام صديقتي لأنها قالت إن السرد مو جميل وغير مناسب ومدري خليتها على الله يلا سلام) شكرا لقراءة الفصل.
وكانت معكم ✨ ℛ𝑜𝓈𝑒.
اي استفسارات، أخطاء املائية، أشياء لم تعجبكم نصائح يرجى ابلاغي بها وشكرا.
التعليقات لهذا الفصل " 30"