كانت يد مين سوك دافئة بشكل غير متوقع عندما أمسك بيد سويون.
ران الظلام حولهما للحظة، ثم وجدوا أنفسهم في داخل الفقاعة.
لم تكن زنزانة عادية، بل كانت أشبه بقاعة عرض مهجورة للمشاعر.
علقت مشاهد شفافة في الهواء حولهم.
صياد ياباني شاب يبكي وهو يحمل خوذة محطمة.
امرأة أوروبية تحاول سحب ساقها من شيء غير مرئي. طفل لا يتجاوز الرابعة عشرة يلوح بيده نحو بوابة تبتعد عنه.
كل مشهد يعيد نفسه في حلقة لا تنتهي.
“بقايا الوعي.”
قال مين سوك بصوته الهادئ، لكن سويون سمعت فيه رنة حزن غريبة.
“كل من مات هنا ترك جزءاً من ألمه.”
سويون شعرت بغصة في حلقها. كانت قد رأت الموت كثيراً لكن رؤيته بهذه الطريقة المجردة جعلت جلدها يقشعر.
“ماذا نعطيهم؟”
سألت محاولة إخفاء ارتعاشة في صوتها.
“الاعتراف.”
أجاب مين سوك وهو يمد يده نحو مشهد المرأة.
لم يلمسها، لكن ظله التف حول المشهد بلطف.
توقف المشهد المؤلم للحظة واستراحت ملامح المرأة قليلاً.
“رأيت ألمها وقبِلته.”
نظر إلى سويون.
“ظلك يستطيع فعل المثل.”
ترددت سويون.
ورغم ترددها الا انَّها تقدمت نحو مشهد الصياد الياباني. نظرة اليأس في عينيه اخترقتها.
ماذا لديها لتقدمه؟
حياتها كانت سلسلة من المعارك من أجل المال، ضحكات مصطنعة، إثارة تخفي فراغاً…..
و بعد عدة ثوان، تذكرت صباحاً مشمساً قبل سنوات.
في مقهى صغير في سيول.
كانت قد أنهت مهمة صغيرة.
المكافأة كانت بالكاد تكفي لوجبة فاخرة.
لكن الجو كان جميلاً والقهوة مثالية، وكانت لحظة سلام حقيقية بين كل الفوضى.
أغمضت عينيها واستحضرت تلك الذكرى البسيطة: دفء الشمس على وجهها، رائحة القهوة، طعم كعكة الشوكولاتة التي اشترتها لنفسها.
من صدرها، بدأ ضوء ذهبي دافئ ينساب ليلفَّ المشهد.
رأت عيني الصياد تلتقيان بنظراتها ثم ابتسم.
ابتسامة صغيرة متعبة لكنها كانت مليئة بالسلام.
واختفى بعدها المشهد.
“تحرر.”
قال مين سوك.
نظرت سويون حولها.
مئات المشاهد المعلقة.
“لا يمكننا تحريرهم جميعاً.”
“لكن يمكننا علاج الجرح نفسه.”
أشار إلى مركز القاعة.
هناك وفي أبعد نقطة.
كان هناك ثقب في الفراغ، حوافه تتمزق وتلتئم باستمرار، ومنه يتدفق ذلك الضوء متغير الألوان.
“قلب الجرح.”
قال.
“المكان الذي تمزق فيه الواقع أول مرة.”
مشيا معاً نحو مكان الثقب.
ومع كل خطوة كان الضغط العاطفي يزداد.
موجات من اليأس والحنين والغضب تضربها كرياح عاصفة. ذكريات سويون الشخصية التي تحاول الخروج: ليلة موت صديقتها اليوم الذي أدركت فيه أنها ستكون وحيدة للأبد…
“لا.”
قالت بصوت عال.
“لن أعطيكم هذه.”
من حولها.
تجمع الظلام كأيدي شبحية تحاول الإمساك بها.
لكن مين سوك تقدم أمامها.
“إنه يختبرك.”
قال.
“يرى إذا كنت قوية بما يكفي.”
“وأنا؟ هل أنا قوية بما في الكفاية؟”
نظر إليها،
وفي عينيه الزرقاوين رأت شيئاً يشبه الفخر.
“لقد أتيت حتى هنا، هذا أكثر مما فعله معظم صيادي الفئة L.”
رفع يديه، كلماته عندما نطق بها اهتزت بتردد غريب:
“أنا أرى جرحك، أعترف بألمك، لكنني لن أطعمك بالمزيد من المعاناة.”
توقفت الأيدي الشبحية ليوقَْف الثقب عن النبض للحظة.
ثم خرج صوت من داخل الثقب.
لم يكن بشريا بل كان كتكسر الزجاج وانسحاب المد معاً.
“مَن يجرؤ؟”
مين سوك لم يتراجع.
“نحن صيادان، جئنا لنغلق هذا الجرح.”
ضحكة مريرة خرجت من الثقب.
“تغلقونني؟ أنا ما يبقى عندما يغلق الجميع أعينهم!”
سويون تقدمت بجانبه.
“أنت لست فراغاً، أنت ذكرى، والذاكرات يمكن أن تلتئم.”
ساد صمت ثقيل، ثم بدأ الثقب يتغير.
من المركز.
بدأت صورة تظهر: برج قديم من حجر أسود.
حوله عشرون شخصاً تغطي أجسادهم أردية.
واحد منهم يبكي، ودموعه السوداء تنقط على الأرض، وفي كل نقطة تنفتح ثقب صغير.
قبل أن تختفي الصورة، سمعوا صوتاً يائساً:
“أخطأت… ولم أستطع إصلاحه…”
اهتزت الفقاعة كلها، المشاهد المعلقة بدأت تذوب واحدة تلو الأخرى.
أمسك مين سوك بيد سويون وقال :
“حان وقت الخروج، الجرح سيلتئم من تلقاء نفسه الآن.”
الانتقال هذه المرة كان مختلفاً.
الضوء الذهبي من الذكريات المحررة حملهما خارج الفقاعة.
عندما وصلا إلى السطح فوق الماء مرة أخرى.
نظرا إلى الوراء، الفقاعة الظلامية كانت تتقلص، ثم اختفت تماماً بصوت يشبه تنهد عميق.
سويون جلست على الماء، تتنفس بصعوبة.
“ماذا كان ذلك؟”
مين سوك كان ينظر إلى المكان حيث كانت الفقاعة.
“كان بداية……بداية كل شيء.”
“البرج القديم؟ هؤلاء الأشخاص؟”
“أول صيادي الظل.”
قال بهدوء.
“أول الـفئة L. والذي يبكي… كان الأول على الإطلاق…. المخطأ…..”
سويون نظرت إليه سويون.
“وأنت تعرف كل هذا، كيف؟”
لأول مرة، رأته يتردد في الإجابة.
“لأنني قرأت سجلات عائلتي، عائلة بارك… كانت واحدة من تلك العشرين عائلة.”
شعرت سويون كما لو أن الماء تحت قدميها قد تحرك.
كل فضولها تجاهه اكتسب معنى جديداً.
“وأنت… وريث؟”
“أحد الورثة.”
صححها.
“هناك تسعة عشر ورثاء آخرين.”
صمتت لحظة، ثم ضحكت ضحكة حقيقية.
“يا إلهي، لقد كنا نطارد بعضنا البعض بينما كنا من نفس القطيع.”
نظر إليها مين سوك، في ضوء القمر، رأت في عينيه اعترافاً.
قال ببساطة.
“نعم.”
قال ببساطة.
“وكما يبدو… القطيع يحتاج أن يتجمع مرة أخرى.”
من بعيد، سمعا صوت مروحيات تقترب.
فريق الاستخلاص كان قادماً.
قبل أن يصلوا، نظر مين سوك إلى سويون
. “ما رأيك؟ هل أنت مستعدة لمعرفة بقية القصة؟”
سويون نظرت إلى يديها، حيث بقايا الضوء الذهبي لا تزال تلمع خفية.
“طالما أن المكافأة جيدة.”
قالت.
لكن عينيها الرماديتان كانتا جادتين هذه المرة.
“المكافأة ستكون الحقيقة.”
قال.
“وهذا أغلى من أي مال.”
وبينما كانت المروحيات تقترب، والأضواء الكاشفة تسقط عليهما، كانا قد اتخذا قراراً.
الرحلة إلى قلب الظلم قد بدأت للتو.
-___________________________________________-
فصل قصير لطيف 856 كلمة.
أتمنى يكون عجبكم.
وكانت معكم ✨ ℛ𝑜𝓈𝑒.
اي استفسارات، أخطاء، أشياء لم تعجبكم، نصائح يرجى ابلاغي بها وشكرا.
التعليقات لهذا الفصل " 3"
اجاني فضول ل شو هي الحقيقة كمان