العالم كان يتحول بسرعة تفوق قدرتهم على المتابعة، مع كل برج يُحرر كانت الفجوة بين البشر تتسع، لكن لم تكن فجوة بين أصحاب واللاّ أصحاب بل بين من يريدون أن يعرفوا و من يخافون من المعرفة.
في المركبة المتجهة إلى البوابة البلورية، كان عددهم الآن ستين كائناً من النور المحرر، بالإضافة إلى الفريق الأصلي.
الغريب أن الأجساد المحررة رغم كونهم من نور كانوا يتجسدون بشكل مادي مؤقت فقد اختاروا أشكالاً بشرية لتسهيل التفاعل.
الأخت الصغرى، التي سمّت نفسها لونا كانت تجلس بجانب مين سوك.
“أخي كيف كانت طفولتك مع أمنا؟”
“قصيرة.”
أجاب بصدق.
“لكنها كانت مليئة بالحب.”
“أبي أخبرني عنها.،قال إنها كانت الأكثر جرأة بين الحراس، وأنها وقعت في حب أبينا الحقيقي رغم المحظورات.”
“وهذا سبب سجنها.”
وضعت لونا يدها الصغيرة على يده.
“لكنها أنقذتني عندما جاءوا لأخذي، دفعتني إلى البوابة، وقالت: ‘ابحثي عن أخيك عندما تكبرين’.”
في تلك اللحظة اهتزت المركبة.
“ما هذا؟”
صاحت جيسكا.
على الشاشات ظهر مصدر الاهتزاز: أسطول من الطائرات الحربية كانت تتبعهم.
“الجيش الدولي.”
فهم مين سوك.
“بعض الحكومات قررت اعتبارنا تهديداً.”
“لكننا نحاول منع دمار!”
قالت سويون.
“للخائفين أي تغيير هو دمار.”
بعدها مباشرة قامت الطائرات الحربية بإطلاق صواريخ، لكن النُّور المحررين شكلوا درعاً واقياً حول المركبة، الصور كانت تنفجر على بعد أمتار، تاركة أمواج صدمة لكن بدون ضرر.
“لا نريد أن نؤذيكم!”
نادى مين سوك عبر قناة الاتصال العامة.
الرد كان:
“استسلموا أو سندمركم.”
“لماذا؟”
صاحت جيسكا.
“ما الذي فعلناه؟”
“أنتم تهددون النظام العالمي و تهددون الاقتصاد، التكنولوجيا، كل شيء بنيناه.”
لونا نظرت إلى ميا.
“ألا يفهمون؟”
“يفهمون.”
قالت ميا بحزن.
“ولهذا يخافون.”
فجأة، أحد النور المحررين رجل اختار شكل عجوز حكيم تقدم.
“اسمحوا لي.”
فتح نافذة في المركبة رغم أنها كانت تسير بسرعة عالية وخرج ليس بسقوط، بل بطيران.
وقف في الهواء أمام الطائرات ثم ظهر لهم.
ليس بتهديد بل بعرض، فمن جسده انبعثت صور لـ عالم حيث البشر والنور يعيشون معاً، تكنولوجيا مختلفة، ليست مسروقة، بل متعاونة.
أطفال من النور والبشر يلعبون معاً.
طبيعة تزهر بطريقة لم يروها من قبل.
لحظة، توقفت الطائرات و الصواريخ لم تُطلق.
ثم أطلقوا عليه النار.
العجوز سقط.ليس لأنه لم يستطع الدفاع عن نفسه، بل لأنه اختار عدم القتال.
“لا!”
صرخت لونا.
ميا أمسكت بها.
“هذا كان اختياره.أن يموت ليظهر لهم أننا لسنا أعداء.”
العجوق سقط في البحر وبينما كان يسقط ابتسم لأن رسالته وصلت: بعض الطيارين توقفوا عن إطلاق النار.
“انقسموا.”
لاحظت سويون.
“بعضهم يتراجع.”
نصف الأسطول انسحب اما النصف الباقي فهاجم بعنف أكبر.
“يجب أن نهرب!”
صاح إيريك الذي كان قد انضم إليهم بعد تدمير برجه.
“إلى البوابة.”
قال مين سوك.
“هناك سنكون بأمان.”
***.
عند بوابة الجبل:
البلورة الزرقاء العملاقة كانت لا تزال هناك تنبض بسلام، لكن حولها، كان هناك مخيم حيث آلاف البشر اجتمعوا هناك لكن ليس لمهاجمتها.
“انظروا.”
همست جيسكا.
البشر كانوا يصلون ليس صلاة دينية، بل صلاة امتنان، لأن البلورة كانت تُطلق طاقة شافية نباتات ميتة تعود للحياة، مياه ملوثة تتطهر و مرضى يشفون.
“هم يقبلونها.”
قال مين سوك مذهولاً.
“البعض يقبل.”
صحح الطفل.
“ولكن انظروا إلى التلال.”
على التلال المحيطة، كانت هناك دبابات وجنود ينتظرون.
“الانقسام هنا أيضاً.”
هبطت المركبة وعندما خرجوا، ركض البشر نحوهماً ليس بغضب بل بفرح.
“أنتم الذين حرروهم!”
صاح رجل عجوز.
“ابني كان مريضاً منذ سنوات والبلورة شفته!”
امرأة شابة أمسكت بيد سويون.
“شكراً شكراً لكم.”
لكن الفرح كان قصيراً فمن التلال، أتت إنذارات عبر مكبرات الصوت:
“هذا موقع عسكري مغلق. انسحبوا فوراً.”
البشر في المخيم رفضوا المغادرة و شكلوا سلسلة بشرية حول البلورة.
“لن نسمح لكم بتدميرها!”
صاح أحدهم.
“أنتم لا تفهمون الخطر!”
رد الجيش.
صعد مين سوك على صخرة وقال :
“اسمعوني! البلورة ليست سلاحاً! إنها فرصة! فرصة لعالم أفضل!”
“عالم يدمر حضارتنا!”
صاح قائد عسكري.
“أية حضارة تُبنى على سرقة ومعاناة الآخرين تستحق أن تتدمر!”
ردت سويون.
المواجهة كانت على وشك التحول لمجزرة.
فجأة فتحت البوابة البلورية فتحت ومنها خرجت هيوناي.
لكنها لم تكن كما تذكرها مين سوك كانت شبه شفافة، مزيج من نور وظل وعيناها كانتا تحملان حزناً عميقاً.
“أمي…”
همس مين سوك.
“ابني….. لونا……”
نظرت إليهما وابتسمت ابتسامة حزينة.
“لقد كبرتما.”
لونا ركضت إليها.
“ماما!”
احتضنتها لكن يديها مرت من خلالها.
“أنا لم أعد كاملة، جزء مني يبقى في البوابة للحفاظ على التوازن.”
ثم التفتت إلى الجميع البشر، الجيش، النور المحررين.
“لقد خضت هذه المعركة من قبل، بين الخوف والأمل واخترت الأمل ودفعت الثمن.”
صعدت إلى مكان مرتفع.
“ولكن اليوم أعطيكم خياراً.”
رفعت يديها و من البلورة، و خرجت صورتان:
الصورة الأولى لعالم تتحرر فيه كل البوابات النور يعود و البشر يفقدون تكنولوجيتهم المسروقة، فوضى، معاناة ثم بداية جديدة تعاون، عالم مختلف ولكن أصيل.
الصورة الثانية: إغلاق البوابات للأبد، النور يُقمع، البشر يحافظون على حضارتهم لكن السرقة تستمر والأجيال القادمة ترث كذبة والروح تموت.
“اختاروا.”
قالت هيوناي.
“ولكن اعلموا كلا الخيارين له ثمن.”
تردد الجيش و المخيم صاح:
“نريد الحرية! نريد الحقيقة!”
القائد العسكري نظر إلى جنوده، ثم إلى البشر، ثم إلى هيوناي.
“كم…….كم من الوقت لدينا للتفكير؟”
“لا وقت.” قالت هيوناي. “لأن البوابة… تختار.”
البلورة بدأت تتغير لم تعد زرقاء فقط بل أصبحت قوس مطر كامل.
“إنها تتفاعل مع اختياراتكم كل لون يمثل خياراً اتخذتموه.”
الألوان تتغير: الأحمر يعني الغضب، الأزرق يعني السلام، الأخضر يعني الأمل و الأسود يعني الخوف..
وأخيراً الذهبي.
“الاختيار الذهبي…”
همست ميا.
“هو التسامح التسامح مع الماضي وقبول المستقبل.”
نظرت هيوناي إلى ابنها.
“الآن، مين سوك أنت حارس البوابة الأخير ماذا تختار؟”
الكل نظر إليه.
تقدم و نظر إلى البشر في المخيم الذين اختاروا الحقيقة رغم المخاطرة.،ثم نظر إلى الجيش الذين يحاولون حماية ما يعرفونه، ثم اخيرا نظر إلى النور المحررين الذين عانوا آلاف السنين.
ثم نظر إلى سويون.
“ماذا تختارين أنت؟”
“أختارك.”
أجابت ببساطة.
“وأي عالم تكون فيه.”
ابتسم ثم أعلن:
“أختار الحرية ولكن حرية مسؤولة لا نغلق البوابات ولا نحررهم كلهم مرة واحدة، نحررهم تدريجياً ونعلم البشر كيف يعيشون بدون سرقة ونعلم النور كيف يغفر.”
“وهذا قد يفشل.”
قال القائد العسكري.
“وقد ينجح.”
رد مين سوك.
“ولكن على الأقل نحاول.”
أومأت هيوناي.
“هذا هو الاختيار الذي لم أجربه، لأننا كنا خائفين من الفشل.”
“أنا لست خائفاً من الفشل أخاف فقط من عدم المحاولة.”
البلورة الذهبية انفجرت في نور لكن ليس انفجار تدمير بل انفجار فهم.
كل إنسان هناك، كل جندي، شعر بـشيئين في نفس الوقت اولهم معاناة النور خلال السنين وثانيهم خوف البشر من فقدان عالمهم.
والفهم ولد تعاطفاً.
الجندي الذي كان يوجه سلاحه، بكى والقائد الذي كان يصدر الأوامر سكت.
لونا مشت نحو جندي شاب كان يرتجف و وضعت يدها الصغيرة على سلاحه.
“لا تخف أنا لا أخاف منك.”
والجندي أسقط السلاح.
أعلن القائد العسكري قراره وقال :
“سننسحب، ولكن سنعود لمناقشة كيف يمكن أن نتعاون.”
البشر في المخيم تذكروا سلسلتهم البشرية.
“نريد أن نتعلم و أن نعرف الحقيقة كاملة.”
نظرت هيوناي إلى ولديها.
“سأعود إلى البوابة لأن توازني مهم ولكن الآن لدي سبب للبقاء.”
لونا أمسكت بيدها حيث استطاعت لمسها هذه المرة بعض الشيء.
“ابق معنا.”
“سأكون، بطريقة مختلفة.”
ومع غروب الشمس، بدأ الفصل الجديد ليس نهاية الحرب، بل بداية محادثة طويلة ومؤلمة وصادقة.
وفي الليل، بينما كان الجميع ينامون أو بالأحرى يحاولون النوم، وقف مين سوك وسويون على حافة الجبل.
“هل كنا على حق؟”
سأل.
“سنعرف بعد سنوات.”
أجابت.
“ولكن اليوم أنقذنا أرواحاً بدلاً أن نأخذها.”
“هذا تقدم.”
“نعم.”
أمسكت بيده.
“وهذا يكفي ليوم واحد.”
والبلورة خلفهما كانت تلمع بلون ذهبي ناعم و كأنها توافق.
-_____________________________________________-
فصل غريب عجيب كالعادة 1206كلمة.
احم احم كيف الحياة عندكم حلوة و لا لا، المهم ايش رايكم بالرومانسية المعطوب الي حطيتها كيوت صح، وشي اخر في روايتي مافي أشرار غيري طبعا لاني قتلت نصف الشخصيات هيهيه.
وكانت معكم ✨ ℛ𝑜𝓈𝑒.
اي استفسارات، أخطاء املائية، أشياء لم تعجبكم نصائح يرجى ابلاغي بها وشكرا.
التعليقات لهذا الفصل " 29"