لم يكن الانقسام مجرد خلافاً بل كان شرخاً في نسيج الواقع نفسه، فبعد تحرير البرج الياباني بدأت الأخبار تتوارد من كل أنحاء العالم:
في أوروبا تم إغلاق البرج البريطاني تم بقوة عسكرية لمنع التلوث الذهني.
في أمريكا سولاريس كان قد أرسل أوامر لتفجير البرج الأمريكي إذا بدأ التحرر قبل موته.
في أفريقيا بعض الدول رحبت بالتغيير بينما قاومت أخرى بعنف.
في القطب الشمالي اممم……. كان الموقع الأكثر خطورة.
“إيريك فولكفانغ عاد إلى برج فولكفانغ.”
قالت ميا.
“وهو لن يستسلم بسهولة.”
“لماذا؟”
سألت جيسكا.
“لأن عائلة فولكفانغ كانت الأقسى في حراسة السجناء، وأكثرهم استفادة من طاقتهم.”
نظر مين سوك إلى خريطة ظهرت على جدار الغرفة.
“القطب الشمالي ليس مجرد برج إنه مخزن.”
“ماذا يعني ذلك؟”
سألت سويون.
“هناك يحتفظون بـأجساد السجناء الأصلية ليس فقط طاقاتهم.”
اومأ الطفل وقال :
“أجسادنا المادية التي سلبت منا في حالة تجميد، كرهائن إضافيين.”
القرار كان واضحاً يجب الذهاب إلى القطب الشمالي.
المركبة المائية-النورانية كانت تتكيف مع البرد القارس، جدرانها تتصلب كالبلور الثلجي.
خارجاً، كان المشهد خياليا: أنوار قزحية ترقص في سماء الليل، والجليد يتوهج بلون أرجواني خفيف.
“الأرض هنا تتذكر أكثر.”
لاحظت ميا.
“لأن الجليد يحفظ الذاكرة.”
عند اقترابهم من برج فولكفانغ، رأوا أنه لم يكن برجاً عادياً، كان قلعة جليدية تنبعث منها أضواء زرقاء باردة.
وحولها جيوش من صيادي فئة A وS جميعهم يرتدون ملابس تمويه قطبية.
“لقد استعدوا.”
همس مين سوك.
“ليس فقط استعداداً.”
قال صوت خلفهم.
إيريك فولكفانغ ظهر في مدخل المركبة، كيف؟ لم يعرفوا، لكنه كان هناك و يده على مقبض بابهم.
“توقعت قدومكم.”
“إيريك…”
بدأت سويون.
“لا تتحدثي، أنتم لا تفهمون.”
دخل، وجلوسه كان يحمل ثقلاً من قرون.
“العالم لا يريد حريتكم العالم يريد النظام.”
“النظام المبني على سِجن؟”
سأل مين سوك.
“مبني على بقائنا لو تحرر جميع السجناء، ستتغير قوانين الفيزياء، ستختفي التكنولوجيا التي بنيناها على طاقتهم. سيعود البشر إلى العصر الحجري.”
“كذب.”
قالت ميا بهدوء.
“نورنا لا يدمر بل يبني، لكنه يبني بالحقيقة لا بالسرقة.”
نظر إيريك إليها، وعيناه الزرقاوان الباردتان تلمعان.
“أجدادي أخبروني عنكم، جمالكم وعن خطركم، الحقيقة لا تبني حضارات الأكاذيب المريحة تفعل.”
وقف الطفل قال :
“لذا تُفضل أن تبقي أختي مجمدة في قبوك؟”
“أفضل ذلك على رؤية حضارتنا تنهار.”
انه الحوار انتهى ما يليه كان الصراع.
لم تكن معركة تقليدية فالجدران الجليدية كانت تنبض بحياة خاصة، تحاول مساعدة ميا والطفل.
وصيادو فولكفانغ كانوا يستخدمون أسلحة تجميد الزمن تقنية كانت سرقت من الأصول المنسية.
أما عن مين سوك كان يقاتل، لكن دمه الأزرق جعله يتجمد أسرع في البرد القارس، وكانت سويون تحميه، بتحويل ظلها إلى نار سوداء غير حارقة مذيبة للجليد.
“المخزن في الطابق السفلي السابع!”
صاحت ميا وهي تتفادى أشعة تجميد.
لكن إيريك كان أسرع.
اختفى، ثم ظهر أمام باب معدني ضخم عليه أقفال متعددة.
“لن أدعكم تمرون.”
“لماذا تقاتل من أجل سِجن؟”
صاحت جيسكا التي كانت تحاول اختراق الأقفال إلكترونياً.
“لأني… خائف.”
اعترف إيريك، ولأول مرة، سمعوا ضعفاً في صوته.
“خائف من عالم لا أعرفه خائف من أن أكون عديم الفائدة في عالم النور.”
ميا توقفت.
“الخوف نفهمه فنحن كنا خائفين في السجن.”
“لكنكم كنتم الأقوياء! كنتم اساطير!”
“وكنا وحيدين.”
اقتربت منه.
“القوة بدون حرية سجن، والعظمة بدون رحمة قسوة.”
في تلك اللحظة، انفجر الباب ليس بفعلهم، بل بفعل من كان بداخله.
فدخلوا اليها و كانت الغرفة عبارة عن متحف كابوسي، عشرات الأجساد المضيئة محنطة في كتل من جليد أزرق، بعضهم كانوا أطفالاً، بعضهم كانوا يصلون، بعضهم كانوا يبكون والدموع متجمدة على وجوههم.
“يا إلهي.”
غطت سويون فمها.
الطفل ركض نحو أحد الأجساد.
“أختي الصغرى.”
كانت فتاة صغيرة، لا تتجاوز الثماني سنوات في المظهر، مجمدة في وضع الالتفاف حول نفسها.
سقط ايريك على ركبتيه.
“لم أعلم أنهم أطفال.”
“لم تخبرك عائلتك؟”
سأل مين سوك.
“قالوا……..قالوا أنهم شياطين، كائنات خطيرة.”
ميا وضعت يدها على الجليد و بدأ يذوب ولكن ليس بسرعة فقد كان يحتاج إلى حرارة خاصة.
“دمك، مين سوك ودم أخيك معاً.”
قاما بجرح يديهما لتنزل قطرات من دمائهم الزرقاء والفضية على الجليد.
و الطفلة استيقظت.
لكنها لم تكن سعيدة كانت مرعوبة.
نظرت حولها، رأت الجثث المجمدة، ورأت إيريك وصرخت.
صرخة حطمت الزجاج في الغرفة، صرخة جعلت الجليد يتحول إلى زجاج ثم يتكسر.
والأجساد الأخرى… بدأت تتحرك.
كانت القلعة تتداعى، الأجساد المحررة كانت تغضب، غضب آلاف السنين من السجن.
“يجب أن نوقفهم!”
صاح إيريك.
“سيقضون على كل شيء!”
“لا!”
صرخت ميا.
“دعوهم يشعرون! الغضب جزء من الشفاء!”
لكن كان هناك خطر حقيقي وهو أن غضبهم كان يسبب زلالاً جليدياً هائلاً خارج القلعة.
أمسكت سويون بيد مين سوك.
“يجب أن نجد طريقة لتهدئتهم!”
الطفلة المحررة التي كانت قد توقفت عن الصراخ نظرت إليهم وعيناها الذهبيتان كانتا تتذكران.
“أنت أخي.”
قالت لمين سوك.
“نعم.”
“وهذا الرجل.”
نظرت إلى إيريك.
“هو حفيد الرجل الذي سجنني.”
أنحنى رأس إيريك وقال :
“سامحيني.”
“لا أستطيع.”
قالت بهدوء مخيف.
“لكنني أستطيع اختيار عدم أن أصبح مثله.” (فقط للمعلومة ذا كلام حبيبنا ايريك اك)
خرجوا من القلعة المنهارة إلى عاصفة ثلجية هادئة، الأجساد المحررة الآن حوالي خمسين كائناً من النور وقفوا معهم في دائرة.
إيريك كان لا يزال على ركبتيه.
“ماذا الآن؟”
الطفلة نظرت إليه.
“الآن نتعلم العيش معاً، أو ننفصل بسلام.”
“وأنا ماذا أفعل؟”
“تعيش وتحمل ذنب أسلافك وتصلح ما تستطيع.”
ثم التفتت إلى مين سوك.
“أريد رؤية أمي.”
“أمنا محبوسة في البوابة البلورية.”
“لنذهب إليها.”
لكن قبل أن يتحركوا انفجر برج فولكفانغ.
ليس بفعلهم بل بفعل من بقي داخله من الصيادين الذين رفضوا الاستسلام.
إيريك صرخ:
“لا! كان هناك أناس!”
ركض لكن مين سوك أمسكه.
“مستحيل.”
شاهدوا البرج وهو ينهار في انفجار من الجليد والنار، والذين اختاروا النسيان ماتوا مع نسخهم من العالم.
كان عددهم الآن أكبر لكن الثمن كان فادحاً.
ميا احتضنت أختها الصغرى.
“كم برجاً بقي؟”
فتحت جيسكا الشاشة.
“عشرة حول العالم، لكن الأخبار تقول أن البشر ينقسمون بسرعة، ثورات و حروب أهلية.”
“لأن الحقيقة مؤلمة.”
قال الطفل.
“ولكن الألم يمر والنسيان يدوم.”
جلست سويون بجانب مين سوك وقالت :
“ماذا سنفعل؟”
“سنكمل، برجاً تلو الآخر ونعطي البشر خياراً الحقيقة مع الألم، أو الأكاذيب مع السلام الزائف.”
“وهل سيختارون جيداً؟”
“البعض سيفعل، وهذا يكفي لبداية جديدة.”
والمركبة انطلقت في سماء القطب الشمالي، تاركة خلفها دماراً، وأملاً، وكائنات محررة تتعلم كيف تعيش من جديد، ورجالاً مثل إيريك يحملون ثقلاً من الذنب لكنهم ما زالوا يتنفسون.
لأن الحرب الحقيقية لم تكن بين النور والظل، بل بين الشجاعة لمواجهة الحقيقة، والراحة المريحة للكذب.
-_____________________________________________-
فصل غريب صح 1038 كلمة.
شكرا لقراءة الفصل.
وكانت معكم ✨ ℛ𝑜𝓈𝑒.
اي استفسارات، أخطاء املائية، أشياء لم تعجبكم نصائح يرجى ابلاغي بها وشكرا.
التعليقات لهذا الفصل " 28"