استمتعوا
***
كان الباب أمامهم بسيطاً بشكل مخادع.
خشب أبيض باهت، مقبض فضي، لا نقوش ولا زخارف، لكن الطاقة التي تخرج من تحته كانت تجعل الهواء يتراقص كالشيء فوق اللهب غير المرئي.
وقف الطفل جانباً و عيناه الأرجوانيتان تحدقان بهم بفضول حزين.
“من يدخل أولاً؟”
نظروا إلى بعضهم ثم تقدم مين سوك.
“دعيني.”
“لا.”
أمسكت سويون يده.
“دعنا ندخل معاً.”
“القواعد تقول واحداً فقط في كل مرة.”
قال الطفل.
“فليكن.”
نظر مين سوك إلى سويون ثم قال :
“إذا لم أخرج لا تتبعيني.”
“لا تعدني بأشياء لا أستطيع الوفاء بها.”
فتح الباب لينبثق ضوء ابيض ناصع لم يكن مؤذيا للعين بل كان كضةء ذكرى جميلة تم نسيانها منذ زمن بعيد.
دخل وقام بإغلاق الباب.
وفي داخل الغرفة البيضاء اممم… لم تكن غرفة بالمعنى الحرفي بل كانت فراغا ابيض لا نهاية له، لا ارض ولا سق ولا جدران فقط بياض لتبدأ بعدها الأصوات :
“ماما، لماذا يجب أن نحرس الباب؟”
صوت مين سوك وهو طفل.
“لأن أجدادنا وعدوا، يا حبيبي والوعد أثمن من الحياة.”
صوت هيوناي.
مشاهد تظهر:
هيوناي الشابة تقف مع رجل وسيم يشبه مين سوك وهم يضعون أيديهم على البوابة البلورية لأول مرة.
يمسون ووعد يخرج من أفواههم:
“نحرس حتى ينسى العالم ما سجن هنا.”
لكن هيوناي تنظر إلى شيء داخل البوابة وتتبسم و كأنها ترى صديقاً.
ثم تظهر مشاهد أخرى.
لأفراد من العائلات العشرين عبر التاريخ،وهم يتعاطفون مع السجناء، بعضهم يفتحون الأبواب قليلاً ليتحدثوا معهم.
صداقات تنشأ، حب وحتى اىعلاقات المحرمة.
وغَضَبٌ من أولئك الذين يريدون الحفاظ على النظام.
عاد الصوت لكنه مختلف هذه المرة فقد كان صوت هيوناي لكنه من مكان بعيد جداً:
“ابني الحقيقة التي أخفيتها ليست أننا سجّانون بل أن كثيراً منا لم يرد أن نكون.”
سقط مين سوك على ركبتيه في الفراغ الأبيض.
“أمي…”
“لقد وقعت في حب احد منهم، وأنت ولدت من ذلك الحب.”
كانت الصدمة كالعاصفة.
“أنت……. نصف…….”
“نصف إنسان و نصف من الأصول المنسية ولهذا دمي أزرق و أستطيع فهمهم.”
الصور تغيرت مرة أخرى وأصبحت لهيوناي وهي حامل تتحدث إلى ظل ضوئي داخل البوابة.
انه والده الحقيقي ليس بارك جونغ-هو بل كائن من النور.
وجونغ-هو يعلم ورغم ذلك يَقبلها لأنه…. لأنه يحبها.
“ولكنَّ الخوف انتصر و أولئك الذين أرادوا الحفاظ على ‘النقاء’ اكتشفوا السر وقتلوا والدك الحقيقي، وجونغ-هو مات وهو يحميني.”
“ومن قتله؟”
“أعضاء من عائلاتنا الذين اعتبرونا خونة.”
الغرفة البيضاء بدأت تمتلئ بـأشباح لوجوه من عائلات مختلفة، بعضهم ما زال أحياء لليوم و بعضهم في القاعة خارج هذه الغرفة الآن.
“سولاريس جده كان من القتلة، وو لونغ عمته أبلغت عنا، و حتى يامي عائلته كانت تعرف.”
شعر مين سوك بأن العالم ينقلب.
كل تحالف، كل صداقة، كل ثقة كانت مبنية على أكاذيب متوارثة.
“لماذا أخبرتني الآن؟”
“لأن الطفل هو أخوك غير الشقيق.”
مشهد آخر ظهر وكان لـهيوناي وهي تلد طفلين: مين سوك أزرق الدم، وصبي صغير بشعر فضي.
لكن الخاطفون يأتون لتأخذ هيوناي الطفل الفضي وتخفيه في البوابة و تضحي بنفسها لحمايته.
-ليكبر الطفل الصغير هناك و يصبح ذاكرة البوابة نفسها .
“هو يريد الانتقام لكنه أيضاً يريد عائلته.”
فتح الباب ليخرج منه مين سوك ووجهه كان ابيض كالغرفة التي تركها.
رأته سويون وعرفت أن شيئاً مروعاً قد حدث هناك .
“مين سوك…”
“دوري.”
قالت كيوكو إيناري اليابانية وتقدمت نحو الباب.
“لا.”
أوقفها مين سوك.
“ما بداخله لا يمكن للجميع تحمله .”
“لماذا؟”
“لأنه يظهر لك خيانات عائلتك والبعض لا يستطيع تحملها.”
لكن كيوكو أصرت ودخلت.
بخرجت بعد دقائق وهي تبكي ولكن بابتسامة غريبة.
“أجدادي كانوا يتعاطفون معهم لقد كانوا أبطالاً.”
واحداً تلو الآخر:
خالد حورس خرج غاضباً:
“كنا نحرس سجناً! كل مجدنا باطل!”
– *مارسيلو سيلفا خرج مستنيراً:
“النباتات كانت تعرف والأرض كانت تتألم معهم.”
إيريك فولكفانغ خرج هادئاً بشكل مرعب:
“في ثلوجنا دفنوا الكثير من الجثث.”
لكن سولاريس لم يخرج.
بعد عشر دقائق، فُتح الباب وخرج منه سولاريس حاملا سكيناً ملطخاً بدم أزرق.
“ما الذي فعلته؟!”
صاح وو لونغ.
“قضيت على كذبة.”
قال سولاريس بهدوء مريب.
“في ذاكرتي رأيت جدي يقتل طفلاً، طفلاً مثل الطفل الذي هنا وكان سعيداً.”
نظر إلى الطفل وقال :
“أنت تريد أن تجعلنا نشعر بالذنب، لكن الذنب يورث وأنا رفضت أن أرثه.”
نظر الطفل إليه ثم إلى السكين وقال :
“الدم على سكينك هو دم أخي.”
“ما الذي يتحدث عنه؟”
سألت جيسكا.
مين سوك أجاب بصوت أجش:
“الطفل هو أخي غير الشقيق وهذه الغرفة هي ذاكرتنا المشتركة.”
الصمت كان كالصاعقة.
سولاريس أدرك ما فعله.
“لا هذا.”
“نعم.”
قال الطفل.
“وأنت للتو قتلت آخر فرصة للسلام.”
فجأة اهتزت الأرض، و الدوامة التي في الخارج زادت سرعتها.
“الآن، سيخرجون وكلهم غاضبين، مجانين لأنكم أثبتتم أنكم لا تتعلمون.”
بدأ الممر يهتز و المياه المتماسكة تحولت إلى أمواج غاضبة.
“يجب أن نخرج!”
صاح وو لونغ.
ركضوا بسرعة لكن سولاريس بقي مكانه، يحدق في السكين.
“ماذا فعلت.”
“تعال!”
جذبه مارسيلو.
لكنه كان متأخراً فأيدي من المياه أمسكت بسولاريس وسحبته إلى العمق.
إختفى……
وصل الباقون إلى السطح و المنصة العائمة كانت تتصدع.
“الطائرة!”
صاحت جيسكا.
ركضوا نحوها لكنَّ شيئاً كبيراً كان يخرج من الدوامة، ليس وحشاً بل مدينة…. مدينة من نور مكسور، أبراجها ملتوية كالتيجان المحطمة.
“عاصمتهم.”
همس الطفل الذي ظهر فجأة بجانبهم.
“التي دمرتموها.”
“لم نكن نحن!”
صاح خالد.
“لكن دماؤكم تحمل الذكرى والذكرى….. لا تنسى.”
ركبوا الطائرة ومن نافذتها كانوا يرون المدينة النورانية تطفو فوق المحيط وتنشر ضباباً أرجوانياً يغير كل ما يلمسه.
“ماذا سيفعل؟”
سألت سويون الطفل.
“سيعيد كتابة العالم ليس بتدميره بل بتذكيره، تذكير كل كائن بحقيقته.”
“وهل هذا سيء؟”
“للذين يخافون من الحقيقة نعم.”
نظر مين سوك إلى أخيه وقال :
“هل هناك طريقة لإيقاف هذا بدون عنف؟”
“هل تتعلم البشرية بدون ألم؟”
“بعضنا يتعلم.”
التفت الطفل إليه.
“أنت مختلف لأن فيك نوراً، وربما في آخرين مثلك.”
كانت الطائرة تبتعد لكن الضباب الأرجواني كان يلحق بها.
“إنه يريدنا جميعاً.”
فهمت كيوكو.
“بل يريدنا أن نرى.”
صحح الطفل.
“أن نرى ما سنفعله عندما نعرف كل شيء.”
وفي تلك اللحظة دخل الضباب إلى الطائرة.
ولكل واحد منهم بدأت ذكريات حقيقية تظهر
جيسكا رأت والدها يوقّع عقوداً لاستغلال الطاقة الزنزانية.
وو لونغ رأى أسلافه يسرقون تقنيات من الأصول المنسية.
حتى يامي و ظهر شبحه، وهو يقول:
“أنا آسف لكن بعض الحقائق تُقتل إذا عُرفت مبكراً.”
وسقطت الطائرة في حضن الظلام، فيما أخذ العالم خارجها يسترجع ما نسيه، وكان الاسترجاع مؤلمًا و كأنه يفتح جراحًا نامت طويلاً.
-_____________________________________________-
فصل كيوت صغير مافيه شي 1013 كلمة.
شكرا لقراءة الفصل.
وكانت معكم ✨ ℛ𝑜𝓈𝑒.
اي استفسارات، أخطاء املائية، أشياء لم تعجبكم نصائح يرجى ابلاغي بها وشكرا.
يوما سعيدا وشكرا (。•ᴗ•。)♡.
التعليقات لهذا الفصل " 26"