لم تكن قاعة الاجتماعات العليا في البرج الكوري كما عرفوها.
اليوم، كانت تموج بطاقة مختلفة خليط من الرعب والترقب الذي جعل الهواء ثقيلاً كالرصاص.
لم يكن جميع الحاضرين من الصيادين، فبينهم وقف ممثلون عن العائلات العشرين، لكن ملابسهم هذه المرة لم تكن فاخرة أو متباهية كانت ملابس سفر، ملابس حرب.
سولاريس من أمريكا كان يرتدي درعاً خفيفاً.
وو لونغ من الصين كان يحمل صندوقاً خشبياً قديماً، حتى هؤلاء الذين كانوا أعداء بالأمس وقفوا جنباً إلى جنب اليوم.
القائد سونغ وقف على المنصة، ولكن لم يكن وحده، فبجانبه كانت هناك شاشات عملاقة لعشرة أشخاص آخرين …… انهم قادة الأبراج العملاقة حول العالم.
“الدوامة في المحيط الهادئ ليست زنزانة.”
بدأ سونغ و صوته يحمل رنة الإعلان لا النقاش.
“إنها استيقاظ.”
على الشاشة المركزية، ظهرت صورة للدّوامة العملاقة..
كانت تبتلع المياه، ولكن الأغرب فيها انها كانت تخرج أشياءً ليست حطام سفن أو حطاماً عادياً بل كانت قطعاً أثرية، تماثيل نصفية، ألواح حجرية منقوشة، هياكل لمخلوقات غير معروفة.
“هذه القطع…”
تقدمت ممثلة عن عشيرة يامي نوما اليابانية.
“هي من حضارتنا القديمة من حقبة ما قبل التاريخ المسجل.”
“ليست فقط حضارتكم.”
قال قائد البرج البرازيلي عبر تلك الشاشات العملاقة.
“لدينا هنا قطع من الأمازون المفقود.”
“ومن مصر.”
أضاف القائد المصري.
“ومن القطب الشمالي.”
صوت قائد الاتحاد القطبي كان مكتوماً بالثلج الرقمي.
نظر مين سوك إلى سويون.
“إنها تخرج آثار كل حضارة بشرية.”
“بل تخرج ما أخذته منهم. ”
صححت سويون.
أومأ سونغ وقال :
“لقد تواصلنا مع الدوامة.”
صمت صاعق.
“ماذا تقصد بتواصلنا؟”
صاح سولاريس.
“أرسلنا مركبة بدون طيار حملت جهاز اتصال بلغة الظل القديمة وردت.”
“من رد؟”
“شيء أو شخص يدعي أنه الأرشيف الحي.”
على الشاشة، ظهر تسجيل صوت آتٍ من عمق الدوامة:
<أيها الحراس ورثة السجّانين لقد مضى وقت النوم واستيقظت الذاكرة، تعالوا…… تعالوا لتسمعوا القصة التي أخفاها أسلافكم، القصة الحقيقية للعالم.>
الصوت لم يكن بشرياً، ولكنه لم يكن وحشياً أيضاً، كان…حزيناً.
“إنه يريدنا أن نذهب إلى هناك.”
قال مين سوك.
“كلنا.”
نظر سونغ إلى الحاضرين.
“كل عائلة، كل برج، ممثل واحد على الأقل.”
“هذا انتحار جماعي!”
احتج أحدهم.
“بل هو الوحيد الذي قد ينقذنا من حرب لا نعرف لماذا نشنُّها.”
رد سونغ.
***.
في شرفة خاصة بعد الاجتماع:
سويون ومين سوك وقفا ينظران إلى المدينة المتلألئة تحتهم.
بعيداً في الأفق حتى من هنا، يمكن رؤية الضوء الأرجواني للدوامة يلمع فوق المحيط.
“سأذهب.”
قال مين سوك.
“وأنا معك.”
“لا، هذه المرة…”
“إذا قلت ‘لا’ مرة أخرى، سأذهب وحدي.”
التفتت إليه وعيناها الرماديتان كانتا تحملان قراراً صلباً.
“لقد انتهى وقت الحماية انه وقت معرفة الحقيقة.”
نظر إليها طويلاً ثم أومأ قائلا :
“حسناً ولكن هناك شرط.”
“ماذا؟”
“أن نعد بعضنا أياً ما نكتشفه سنواجهه معاً ولن ندع الحقيقة تقسمنا.”
“وعد.”
أمسكا أيديهم ليتوهج الخيط الفضي بين معصميهما بلون ارجواني خفيف وكأنه يتجاوب مع الدوامة البعيدة.
***.
وبعد مضي بعض الوقت تم تقرير الفريق الذي سينطلق إلى الدوامة حيث كان اسثنائيا بحق فقد تكون من :
. مين سوك – ممثل عائلة بارك الكورية
. سويون – ممثل الصيادين المستقلين كما تقول.
. جيسكا – ممثل عائلة بارك التجارية و النقابات.
. سولاريس- أمريكا.
. وو لونغ – الصين.
. إيريك فولكفانغ – الاتحاد القطبي.
. خالد حورس – مصر.
. راهام أشواريا – الهند.
. كيوكو إيناري – اليابان.
. مارسيلو سيلفا – البرازيل.
تاي-و ويونغ-هيون وشادو سيبقون في البرج للدعم.
قبل المغادرة، جاءتهم هيوناي عبر اتصال من البوابة البلورية.
“ابني ما ستجده هناك.”
توقفت و كأن الكلمات تؤلمها.
“أخبريني، أمي.”
“ليس كل الحقيقة يجب أن تقال، لكن إن ذهبت ابحث عن الغرفة البيضاء. “
“ما هي؟”
“مكان حيث تحتفظ الذاكرة بما يجب أن يُنسى، وإذا دخلتها قد لا تخرج كما دخلت.”
“هل أنتِ هناك؟ في ذاكرتك؟”
ابتسمت حزناً.
“كلنا هناك كل الأحياء والأموات.”
***.
بدأت الرحلة عبر طائرة خاصة كان الصمت يسودها فكل واحد من الجالسين كان منهمك في افكاره، ماضيه ومع ماقد يكتشفونه هناك.
إيريك فولكفانغ، الرجل الاسكندنافي العملاق كان ينظف سيفاً من جليد لا يذوب.
“في أساطيرنا، هناك قصة عن العالم السمكة الذي يبتلع ذاكرته الخاصة كل ألف سنة.”
كيوكو إيناري المرأة اليابانية الهادئة أضافت:
“وفي أساطيرنا، الثعلب ذو الذيول التسع يحمل ذاكرة العالم في كل ذيل.”
“الكل لديه قصة.”
قال سولاريس.
“ولكن ماذا لو كانت كل هذه القصص أجزاء من قصة واحدة؟”
مارسيلو سيلفا لمس نباتاً صغيراً كان يحمله في جيبه.
“النباتات تتذكر، الأرض تتذكر، والماء يتذكر أكثر.”
جلست سويون بجانب مين سوك وسألته :
“ماذا تتوقع أن نجد؟”
“ليس ما أتوقعه بل ما أخشاه.”
“وماالّذي تخشاه؟”
“أن أكتشف أن كل تضحيات عائلتي كانت من أجل شيء خاطئ.”
وبعد صمت ساد المكان مرة أخرى، وصلوا إلى وجهتهم المطلوبة.
لتظهر لهم الدوامة التي كانت أكبر اضعافا مما تخيلوا، ومن الجو فقط بدت كـثقب في المحيط قطره عشرات الكيلومترات.
المياه كانت تتدفق نحو المركز وتختفي في العمق، لكن الضوء الأرجواني كان يخرج من ذلك العمق.
الممر لم يكن مظلماً، الجدران كانت مصنوعة من ماء متماسك كزجاج سائل.
ومن خلالها، كانوا يرون مشاهد:
لبشر من عصور ما قبل التاريخ وهم يبنون هياكل عملاقة حول بوابات.
أشخاص آخرين يشبهونهم لكن مع عيون مضيئة وهم يدخلون البوابات طوعاً.
احتفالات حيث البشر وتلك الكائنات يتفاعلون.
-ثم…… خيانة الأبواب تُغلق بالقوة لتحبس الكائنات.
“هذا…. ”
همس خالد حورس.
“هذا تاريخنا.”
“تاريخ مسروق.”
قال وو لونغ.
استمروا في النزول و مع كل خطوة كانت المشاهد تتقدم في الزمن
ظهور العائلات الأولى وهم يحملون مفاتيح للبوابات.
زنازين تفتح لأول مرة ووحوش تخرج.
– صيادون يقاتلون لا يعلمون أنهم يحرسون سجناً لا يعرفونه.
ثم وصلوا إلى إحدى القاعات.
لم تكن قاعة عادية كانت مكتبة حية.
الرفوف كانت مصنوعة من عظام ونور، والكتب كانت قلوباً نابضة معلقة بخيوط من ضوء.
وفي المركز، على كرسي من مرجان أسود، جلس طفل.
طفل يبدو في العاشرة بشعر فضي وعيون أرجوانية.
كان يرتدي ملابس بسيطة من زمن منسي.
“أهلاً.”
قال الطفل….. و المفاجأة ان صوته هو صوت الدوامة.
“أنا الأرشيف وأنا جد متعب.”
نظر مين سوك إلى الطفل وشيء في داخله تجاوب.
“أنت لست بشراً.”
“لا، أنا مجرد ذاكرة مجسدة، ذاكرة العالم قبل أن يُقسّم، قبل أن يُسجن.”
“من سُجن؟”
“نحن.”
نظر الطفل حوله.
“أو ما كنا عليه، لأن ما نحن عليه الآن مجرد أصداء.”
“هل يمكنك التفصيل و الشرح أكثر؟ .”
فَتَحَ الطفل يده و من كفه خرجت صور متحركة لكائنات من نور تعيش في وئام مع البشر يتبادلون المعرفة، يبنون معاً. ثم خوف و جشع ورغبة في القوة، البشر يقررون أسر المصدر نفسه.
“أردتم أن تكونوا مثلنا فأخذتمونا وحبستم نورنا في أقفال تسمونها البوابات، ونورنا عندما يُحبس يتحول إلى ظل، وظلنا يصبح وحوشاً.”
خطت سويون خطوة للأمام.
“أنت تقول أن الزنازين هي أنتم؟”
“نحن عندما نُعذَب، نحن عندما نُحرم من حرية أن نكون نوراً، كل وحش قتلتموه كان أحدنا يصرخ من الألم.”
ضربتهم الصدمة جميعاً.
سولاريس كان شاحباً.
“كل حياتي…… كل صيد…. .”
“كانت تعذيباً لسجين.”
أنهى الطفل الجملة.
“لماذا لم تخبرونا؟”
صاحت جيسكا.
“حاولنا مراراً وتكرارا أرسلنا رسائل، أحلام، ولكنكم خففتموها إلى أساطير.”
الطفل وقف وقال :
“والآن، انتهى الوقت لأن السجن يتصدع ونورنا المحبوس يريد الخروج، ولو خرج كما هو الآن محنطاً، غاضباً، مجنوناً فسيدمر كل شيء.”
“ماذا تريد منا؟”
سأل مين سوك.
“أريد قراراً إما تطلقون سراحنا وتواجهون عواقب احتجازكم لنا لآلاف السنين، أو تساعدوننا على الشفاء لنعود كما كنا، ونتشارك العالم من جديد.”
“والخيار الثالث؟”
سأل وو لونغ.
“لا يوجد خيار ثالث.”
نظر الطفل إلى كل واحد منهم.
“إلا أن تموتوا جميعاً، ونموت معكم.”
الصمت.
ثم أشار الطفل إلى باب في نهاية القاعة.
“في تلك الغرفة الغرفة البيضاء ستجدون ما تحتاجونه لاتخاذ القرار، لكن أحذركم فما بداخلها سيغيركم إلى الأبد.”
نظروا إلى الباب ثم إلى بعضهم.
القرار كان عليهم، لكن أي قرار يتخذونه سيغير العالم للأبد.
-_____________________________________________-
فصل طويل 1255 كلمة.
شكرا لقراءة الفصل.
وكانت معكم ✨ ℛ𝑜𝓈𝑒.
اي استفسارات، أخطاء املائية، أشياء لم تعجبكم نصائح يرجى ابلاغي بها وشكرا.
التعليقات لهذا الفصل " 25"