استمتعوا
***
كانت خطوات الرجال الثلاثة على سلالم المبنى تتصاعد بصمت مرعب، كدقات قلب ميت يحاول العودة للحياة، لكن في الشقة رقم 407 كان مين سوك وسويون قد اختفيا.
لم يغادرا من الباب.
الظل في زاوية الغرفة كان قد اتسع ليلتهم هما، فن الاختفاء الذي أتقنه مين سوك إلى درجة الاحتراف.
من داخل الظل، كانا يشاهدان الرجال الثلاثة وهم يدخلون بسهولة مفرطة.
لم يحطموا الباب، بل فتحوه بقارئ بصمة إلكتروني، فقد كانت بصماتهم مسجلة في النظام.
“هم يعرفون هذا المكان.”
همست سويون داخل الظل.
“بل هم مألوفون هنا.”
راقبا الرجال الذين لم يقوموا بالبحث فقد كانوا يعرفون بالضبط إلى أين هم ذاهبون.
واحد منهم توجه مباشرة إلى الساعة الجدارية، ونزعها بسرعة خبيرة، وأخذ الكاميرا وجهاز التخزين الذي وجده مين سوك.
الثاني فتح لوحة كهربائية مزيفة في الحائط.
وكان بداخلها، مجلدات ورقية قديمة.
أما الثالث فقد وقف في منتصف الغرفة، وأخرج جهازاً صغيراً، ماسح ذبذبات و بدأ يمسح الغرفة.
“إنه يبحث عن بقايا طاقة.”
فهم مين سوك.
الماسح توقف عند الزاوية التي كانا يختبئان فيها.
نظر الرجل مباشرة نحوهم، وعيناه التي كانت مرئية من خلال فتحة في قناعه الأسود كانتا ذهبيتين كعيون الصقور.
“إنه يرانا.”
همست سويون.
“لا، إنه يشعر بنا فقط.”
تقدم الرجل ليمد يده لكن قبل أن يلمس الظل اهتزت الأرض .
لم يكن زلزالاً كان شيئاً آخر موجة طاقة أتت من بعيد، عبرت المدينة كصدمة صامتة.
جميع الأجهزة الإلكترونية في الغرفة توقفت للحظة، أنوار الشارع خفت.
والرجال الثلاثة تجمدوا.
ثم بدأوا يذوبون.
ليس كذوبان الجليد، بل كأنهم كانوا صوراً ثلاثية الأبعاد تفقد قوتها الإسقاطية.
تحولوا إلى ضباب، ثم إلى نقاط ضوء، ثم إلى لا شيء.
“ماكان ذلك؟!”
صرخت سويون عندما خرجا من الظل.
كان مين سوك ينظر إلى المكان الذي كان فيه الرجال.
على الأرض، بقيت ثلاث بقع سوداء، كأن الظل نفسه قد تقيأ شيئاً قذراً.
“لم يكونوا بشراً حقيقيين.”
قال بصوت منخفض.
“كانوا إسقاطات ذبذبات طاقة مشكلة.”
“ولكن من يستطيع فعل ذلك؟”
“شخص لديه وصول إلى نوع مختلف تماماً من الطاقة، ليس طاقة الزنازين ولا طاقة الصيادين.”
التقط إحدى البقع السوداء التي كانت باردة كالفراغ، وتتلاشى بين أصابعه.
“هذا. يشبه شيئاً رأيته ذات مرة.”
تذكر.
“في الطابق السفلي من القصر القديم، هناك غرفة محظورة، على جدرانها رسوم قديمة لكائنات تتحول من مادة إلى طاقة.”
“هل تعتقد أن هناك صلة؟”
“كل شيء مرتبط.”
نظر إليها.
“يامي، كلاوس، هذه الإسقاطات، الزنازين، البوابة كلها أجزاء من لغز واحد.”
فجأة اهتز هاتف سويون كانت رسالة من جيسكا التي تقول :
<أمر طارئ، عودوا إلى البرج الآن، لقد وجدنا شيء لا يمكن تفسيره.>
***.
وفي البرج العملاق، الطابق التحتي السري:
كانت الغرفة التي اجتمعوا فيها لا تظهر على أي مخطط، حتى معظم صيادي الفئة S لم يعرفوا بوجودها.
جدرانها كانت من مادة سوداء غير عاكسة، تبتلع الضوء.
في المركز على منضدة، كان هناك جسم.
ليس جثة. بل شيء يدمج بين الإنسان والآلة.
كان يرتدي بقايا زي الاندماج، لكن نصف وجهه كان معدنيًا، ونصفه الآخر كان نباتيًا، مع أوراق صغيرة تنمو في الجلد.
“وجدناه في المختبر تحت الأرض بعد أن غادرتم.”
شرح تاي-و و صوته يرتجف قليلاً :
“كان حياً ثم تحول إلى هذا.”
“ما هو؟”
سألت سويون.
“هجين متقدم بشري، تكنولوجي، عضوي، وزنزاني كل ذلك معاً.”
مين سوك اقترب مين سوك ولمس جزءه النباتي لتهتز الورقة وكأنها شعرت بلمسته.
“إنه على قيد الحياة.”
“نعم، لكن ليس بالطريقة التي نعرفها.”
تدخلت جيسكا.
“حاولنا التواصل معه لكن كل ما قاله كان: المدخل تحت المدخل.”
“ماذا يعني؟”
“لا ندري، كررها فقط ثم بدأ يذوب.”
نظروا و حقاً، حواف جسمه كانت تتحول إلى سائل أخضر لامع يقطر على المنضدة.
“أوقفوه!”
صاح يونغ-هيون.
“لا يمكن.”
قال تاي-و بحزن.
“إنه يتحلل ذاتياً.”
قبل أن يختفي تماماً، التفت الرأس البشري نحو مين سوك.
العين البشرية حدقت فيه وهمست :
“ابحث عن والدتك في المكان الذي لا وقت فيه.”
ثم ذاب تماماً، مخلفاً وراءه بركة من سائل أخضر بدأ يتبخر في الهواء.
الصمت كان ثقيلاً.
“والدتك…”
همست سويون.
“هل يعني هيوناي؟”
“لكنها في البوابة البلورية.”
قال مين سوك.
“وهذا المكان…”
“المكان الذي لا وقت فيه.”
أنهت جملته.
“أليس هذا ما قاله يامي في التسجيل؟ عن حقيقة لا يحتملها القلب؟”
شادو الذي كان صامتاً في الزاوية تحرك.
“هناك شيء يجب أن أريكم إياه.”
أخرج جهازاً، وعرض صوراً التقطها في المختبر تحت الأرض قبل أن ينهار.
إحدى الصور كانت لـخريطة جدارية.
على الخريطة، كانت هناك نقاط مضيئة منتشرة حول العالم، وكثير منها كان تحت أبراج عملاقة.
“إنها تشير إلى مواقع البوابات الأصلية.”
فهم مين سوك.
“كل برج عملاق مبني على بوابة.”
“نعم.”
أضاف شادو.
“ولكن انظروا هنا.”
أشار إلى نقطة في منتصف المحيط الهادئ، لم يكن هناك برج، لكن النقطة كانت أكبر بخمس مرات عن البقية.
“البوابة الأم.”
همست جيسكا.
“والأسوأ…”
كبّر الصورة حول البوابة الأم، كانت هناك كتابة قديمة.
وحتى من لا يعرف اللغة، يمكنه قراءة كلمتين:
^سجن الأصول المنسية.^
غرفة بأكملها توقفت عن التنفس.
“الأصول المنسية؟”
كرر يونغ-هيون.
قال مين سوك فجأة، صوته يحمل يقيناً مرعباً.
” الكائنات الأصلية التي جاءت منها الزنازين. الأسم كان ما أطلقه البشر القدامى عليهم.”
“وكيف تعرف هذا؟”
“لأنني رأيته في ذاكرتي المكبوتة عندما كنت طفلاً، أمي كانت تحكي لي قصصاً، قالت إن أسلافنا كانوا حراسا ليس للبوابة فقط، بل للسجناء داخلها.”
“وماذا حدث؟”
“حدث ما يحدث دائماً تعاطف الحراس مع السجناء.”
تنهد.
“هيوناي لم تدخل البوابة فقط لتحمي العالم، دخلت لتحمي صديقا.”
القطع بدأت تتجمع، وصورة كابوسية تظهر:
البوابة ليست مجرد معبر إنها سجن.
والزنازين ليست ظواهر طبيعية إنها محاولات هروب.
والعائلات العشرين ليست مجرد صيادين أقوياء هم سجّانون ورثوا وظيفة آبائهم.
والاندماج هم مجرد بشر حاولوا محاكاة القوة التي رأوها دون فهم الثمن.
“الحقيقة التي كان يخفيها يامي…”
بدأت سويون.
“هي أننا لسنا الأبطال.”
أنهى مين سوك.
“نحن حراس لسجن لم نبنيه، لسجناء لم نحكم عليهم.”
“وهذا يعني…..”
“هذا يعني أن كل معركة خضناها، كل وحش قتلناه كان سجيناً يحاول الهروب.”
الصدمة كانت مادية، يونغ-هيون تراجع حتى اصطدم بالحائط، و تاي-و سقط على كرسي، اما عن جيسكا كانت تحاول التنفس.
سويون فقط بقيت واقفة، تحدق في مين سوك.
“ولكن لماذا؟ لماذا يحاولون الهروب؟”
“لأن السجن مؤلم.والوقت داخل البوابة مختلف، ما نعتبره سنوات قد يكون قروناً هناك.”
فجأة، انطلق إنذار مختلف،لم يكن إنذار خطر، كان نداء تجمع لأعلى مستويات الصيادين فقط.
على الشاشة، ظهر القائد سونغ، لكنه بدا شيخا فجأة، عيناه كانتا تحملان ثقلاً رأوه فقط مرة واحدة ليلة موت يامي.
“جميع صيادي الفئة L، وبعض مصنفي الفئة S المختارين، إلى قاعة الاجتماع العليا، الآن.”
“ماذا يحدث؟”
سألت جيسكا عبر الاتصال.
“لقد فتحت البوابة الأم، وشيء ما يخرج.”
الصورة أظهرت دوامة مائية سوداء بعرض مدينة كاملة تلتهم منتصف المحيط الهادي و من قلبها كان هناك ضوء ارجواتي ينبض.
“إنه ليس وحشاً.”
قال سونغ.
“إنه نداء.”
“نداء لمن؟”
سأل مين سوك.
التفت سونغ إليه مباشرة.
“نداء لجميع من يحملون دم الحراس، نداء للاجتماع الأخير.”
وبينما كانوا يصعدون إلى القاعة، أمسك مين سوك يد سويون.
“أي شيء يحدث…”
بدأ.
“سنكون معاً.”
أنهت جملته.
“دائماً.”
لكن في عينيها، رأى شيئاً كان يخشاه تساؤلاً، تساؤلاً عما إذا كان كل ما فعلاه، كل من قتلاه كان خطأ.
وكان السؤال الذي سيبقى معلقاً في الهواء حتى النهاية هو ماذا تفعل عندما تكتشف أنك كنت الجاني طوال الوقت؟
-_____________________________________________-
فصل طويل قليلا 1152 كلمة.
شكرا لقراءة الفصل.
وكانت معكم ✨ ℛ𝑜𝓈𝑒.
اي استفسارات، أخطاء املائية، أشياء لم تعجبكم نصائح يرجى ابلاغي بها وشكرا.
يوما سعيدا وشكرا (。•ᴗ•。)♡.
التعليقات لهذا الفصل " 24"