كان الضباب البارد يلف ساحات التدريب في المعهد الدولي لحراس البوابة.
الصباح كان صامتاً بشكل غير معتاد، كأن المبنى نفسه كان يحدّق في الفراغ الذي تركه غياب يامي.
لم تكن مجرد غرفة خالية، بل كانت غياباً يُسمع صوته في كل زاوية.
وقفت سويون عند نافذة مكتبها الجديد – مكتب رئيسة قسم <التكتيكات غير التقليدية>.
حيث كانت تنظر إلى الساحة حيث كان يامي يدرب الطلاب قبل أسبوع فقط.
الآن، كانت الحلقة التدريبية فارغة، وبقايا الطباشير الملون الذي كان يستخدمه لشرح استراتيجيات الظل لا تزال مرسومة على الأرض، تتآكل ببطء تحت المطر الخفيف.
*طرق. *طرق.
“ادخل.”
دخلت جيسيكا وهي تحمل ملفات سميكة.
ملابسها الرسمية بدت أكثر قتامة من المعتاد، كأنها ارتدت الحداد رسمياً حتى لو لم تقل ذلك.
“التحقيق الأولي انتهى.”
وضعت الملفات على الطاولة.
“الأجهزة النانوية كانت أكثر تعقيداً مما توقعنا.”
لم تلتفت سويون.
“كم طالباً اعترفوا برؤية أشياء غريبة؟”
“سبعة عشر كلهم يقولون نفس الشيء، ظلال تتحرك ضد قوانين الفيزياء، أصوات همس من الجدران، شعور بأنهم كانوا مراقبون حتى قبل اختطاف زملائهم.”
“كانوا هنا.”
همست سويون.
“داخل جدراننا وشاهدوا كل شيء.”
دقيقة من الصمت ثم سألت جيسكا السؤال الذي كان يلوح في الهواء منذ الجنازة :
“أين مين سوك؟”
“في القصر القديم قال إنه يحتاج للتفكير.”
“وحده؟”
“حاولت الذهاب معه لكنه رفض.”
اقتربت جيسيكا من النافذة وقالت :
“سويون هناك شيء آخر، في بيانات الأجهزة التي استرددناها كانت هناك إشارات تردد تتطابق مع تكنولوجيا عائلة بارك التجارية.”
التفتت سويون أخيراً.
“شادو تيك؟ شركة والدك؟”
“نعم، لكنني تحققت لم تكن من منتجاتنا القانونية، كانت نسخاً مقلدة، لكن بجودة عالية جداً، يحتاج المصنع إلى موارد وتقنية لم تتوفر إلا في شركتنا ولعدد قليل جداً من المنافسين.”
“من يستطيع تقليد تكنولوجيتك بهذه الدقة؟”
“شخص كان يعمل معنا، أو شخص سرق مخططاتنا.”
في تلك اللحظة، انفتح الباب بعنف. تاي-و وقف في المدخل، وجهه شاحب، وفي يده جهاز لوحي يهتز كما لو كان على وشك الانفجار.
“لقد وجدتهم.”
بعد ثلاثون دقيقة :
على الشاشة المركزية ظهرت صور أقمار صناعية لمبنى مهجور على ساحل بعيد، لكن الصور الحرارية أظهرت شيئاً آخر وهو نشاط كثيف تحت الأرض.
“مختبر تحت الأرض.”
شرح تاي-و وهو يكبّر الصورة.
“بعمق مائتي متر والوصول الوحيد من خلال منفذ تحت الماء.”
“كيف عثرت عليه؟”
سأل مين سوك الذي ظهر فجأة في المدخل، ملابسه مبللة بماء المطر، وشعره الأشقر يتناثر على جبهته.
“الأجهزة النانوية كانت ترسل إشارات تتبع خافتة، قمت بعكس التردد.”
“هذا كان سهلاً جداً.”
قال مين سوك بصوته البارد المعتاد.
“لو كانوا أذكياء بما يكفي لصنع هذه التكنولوجيا، لكانوا أخفوا الإشارات.”
“ما الذي تقوله؟”
سألت سويون.
“أنهم يريدوننا أن نجدهم.”
صمت ثقيل بعده فهم الجميع.
“فخ.”
همست جيسكا.
“نعم.”
مشى مين سوك نحو الشاشة.
“ولكننا سنذهب رغم ذلك.”
“لماذا؟”
صاح يونغ-هيون.
“إذا كان فخاً!”
“لأنهم ربما يملكون الطلاب المختطفين، ولأنني أريد أن أرى وجوههم.”
كانت نبرته تحمل شيئاً جديداً الغضب الهادئ البارد كالفحم قبل الاشتعال.
***.
بعد ساعتين على الشاطئ البعيد:
كان الفريق مصغرا حيث تكون من مين سوك، سويون، جيسكا، تاي-و، يونغ-هيون.
المبنى المهجور كان مصنعاً لمعالجة الأسماك سابقاً، تهالك إلى مجرد هياكل معدنية متآكلة.
“المدخل تحت تلك المنصة.”
أشار تاي-و.
كانوا يستعدون للتحرك عندما سمعوا صوتاً:
“انتظروا.”
فتاة شابة خرجت من بين الصخور.
كانت ترتدي زي المعهد، لكنه ممزق، وشعرها الأسود الطويل كان متشابكاً مع الأملاح البحرية.
عيناها اليابانيتان الضيقتان كانتا تحملان عمراً أكبر بكثير من عمرها الحقيقي.
“أكيرا”
عرفت سويون مباشرة من هي.
“تلميذة يامي المفضلة.”
“لقد جئت لأحذركم.”
قالت الفتاة بصوت هش.
“إنه ليس فخاً عادياً إنه…….إنه اختبار.”
“اختبار لماذا؟”
سأل مين سوك.
“ليروا إذا كنتم تستحقون معرفة الحقيقة، الحقيقة عن يامي وعن كل شيء.”
نظرت إليهما مباشرة.
“هو لم يمت بالصدفة فقد اختار الموت لأنه عرف سراً لا يحتمله.”
سقط المطر فجأة، غزيراً، كما لو أن السماء قررت أن تغسل شيئاً قذراً.
“ما السر؟”
سألت سويون.
“أن ‘الاندماج’ ليسوا الأعداء الحقيقيين، هم مجرد أعراض المرض الحقيقي…”
توقفت، ونظرت خلفها بذعر.
“يجب أن أذهب، إذا شاهدوني معكم…”
“سنحميك.”
قال يونغ-هيون.
“لا يمكنكم.”
ابتسمت ابتسامة حزينة.
“لأنني أحدهم.”
قبل أن يستطيعوا الرَّد، اختفيت ليس بسرعة، بل كأنها تحولت إلى ضباب واختلطت مع المطر.
الدخول إلى المختبر كان سهلاً بشكل مريب.
الأبواب كانت مفتوحة، الأنوار مضاءة، وكأنهم كانوا في جولة سياحية في منشأة أبحاث حديثة.
الجدران كانت من الفولاذ المصقول، تعكس صورهم المشوهة.
الممرات الطويلة كانت تؤدي إلى غرف زجاجية بداخلها كائنات حيّة.
ليست وحوشاً بالمعنى التقليدي بل كانت مخلوقات هجينة من نصف بشر و آلة، نصف حيوان ونبات، أشياء لم يسبق لهم رؤيتها.
“ما هذا المكان؟”
همست جيسكا.
“مكان حيث فقدت الأخلاق اسمها.”
قال صوت من نهاية الممر.
رجل في الخمسينيات من عمره، يرتدي معطفاً أبيض نظيفاً، يخرج من الظل.
وجهه كان عادياً إلى درجة مرعبة، كأنه صمم ليكون لا ينسى .
“افترض انك الدكتور كلاوس، صحيح؟”
قال تاي-و.
“آه، تاي-و تلميذي السابق كنت أعرف أنك ستأتي.”
“لقد طردتك لأن تجاربك كانت غير أخلاقية.”
“غير أخلاقية!”
ضحك الرجل.
“الأخلاق! كلمة جميلة يختبئ وراءها الجبناء، أنا أبحث عن الكمال، والبشر ليسوا كاملين.”
مين سوك تقدم.
“الطلاب، أين هم؟”
“آمنون، حتى انهم أصبحوا أفضل.”
إشارة من يده، لتصبح إحدى الجدران الزجاجية شفافة وراءه.
كان الطلاب المختطفون يجلسون في دائرة، عيونهم مغلقة، ووجوههم تحمل تعبير سلام غير طبيعي.
من رقابهم، تخرج أسلاك دقيقة تتصل بالسقف.
“لقد حررناهم من الخوف، من الألم و من الشك، الآن هم مثاليون.”
“أنت سرقت إنسانيتهم!”
صاحت سويون.
“أعطيتهم شيئاً أفضل.”
التفتَ إليها.
“أنت كيم سويون المختفية كنت أتساءل متى سألتقي بك.”
هزت رأسها.
“لن تدرسني.”
“لست بحاجة يامي أعطاني كل البيانات التي أحتاجها عنك قبل أن يختار الرحيل.”
كلماته علقت في الهواء.
“ماذا تقصد؟”
“يامي لم يكن ضحية كان شريكا، شريكا نادما.”
وفجأة حدث انفجار.
ليس انفجاراً مادياً، بل انفجار في داخل رؤوسهم، لأنهم فجأة فهموا.
“لا…”
همس مين سوك.
“نعم.”
ابتسم كلاوس.
“هو الذي أعطانا الوصول الأولي، هو الذي سمح لنا بزرع الأجهزة في الطلاب، ثم شعر بالذنب وقرر أن يموت بطريقة تجعلنا نتحمل اللوم.”
“كذب!”
صاح يونغ-هيون.
“تحققوا من بياناتكم، الوقت، التواريخ……كلها تتطابق.”
نظرت سويون إلى مين سوك.
زرأت في عينيه شيئاً أسوأ من الغضب التشويش، لأن كل شيء كان يبنيه على ثقة يامي بدا الآن كخدعة.
“لماذا؟”
سأل بصوت مكسور.
“لأن يامي كان يعرف الحقيقة، والحقيقة تقود إلى الجنون أحياناً، فقرر أن يحميكم منها بأن يجعل من نفسه الشرير الذي يمكن هزيمته بدلاً من مواجهة الشر الحقيقي.”
“وما هو الشر الحقيقي؟”
سأل مين سوك.
ابتسم كلاوس.
“هذا هو السؤال، أليس كذلك؟ ولمعرفة الإجابة عليكم أولاً أن تنجوا من هنا.”
دوى إنذار.،اغلقت الأبواب الحديدية كلها و الأبواب الزجاجية انفتحت.
الكائنات الهجينة بدأت تخرج.
وآخر ما سمعه قبل أن تبدأ المعركة كان كلمات كلاوس:
“يامي قال لي شيئاً قبل موته: ‘إذا كانوا أقوياء بما يكفي لقتالي، فربما يكونون أقوياء بما يكفي لمعرفة الحقيقة’.”
لتبدأ من بعده المعركة، لم تكن مجرد معركة عادية
فيونغ-هيون حارب مخلوقاً نصف إنسان نصف معدني، مطرقته الذهبية تصدر رنيناً حزيناً على كل ضربة.
و تاي-وواجه أجهزته الخاصة التي تم تحسينها بشكل شيطاني.
جيسكا استخدمت تكنولوجيا عائلتها ضد نسخ مقلدة أكثر كفاءة.
أما عن سويون ومين سوك وقفا ظهراً لظهر، يحاربان في تناغم صامت، لكن شيئاً بينهما كان قد انكسر.
لأن خيانة يامي كانت كالسكين في الثقة التي بنوها جميعاً.
وفي ذروة المعركة، عندما بدا أنهم سيخسرون، ظهرت أكيرا مرة أخرى.
“الطريق للهروب هنا!”
صرخت.
تبعوها عبر ممر سري.
و من خلفهم، كان كلاوس يضحك.
“اهربوا! لكن تذكروا كل خطوة تخطونها بعيداً عن الحقيقة، تقربكم منها أكثر!”
***.
كانوا يجلسون على الرمال المبتلة، منهكين، مجروحين، لكن الأهم: متشككين في كل شيء.
“هل نصدقه؟”
سأل تاي-و.
“كاميرا.”
قال مين سوك فجأة.
نظروا إليه.
“كانت هناك كاميرا مخفية في غرفة يامي، إذا كان يعمل معهم فسيكون هناك تسجيل.”
“ولكن حتى لو كان…”
بدأت جيسكا.
“أحتاج أن أعرف.”
وقف.
“أحتاج أن أعرف إذا كان كل شيء بنيناه مبني على كذبة.”
وقفت سويون بجانبه.
“سأذهب معك.”
“لا.”
نظر إليها.
“هذه المرة يجب أن أذهب وحيداً.”
“لماذا؟”
“لأنني إذا اكتشفت أن الأمر حقيقي لا أريدك أن تريني في تلك للحظة.”
كانت كلماته قاسية، لكن عينيه كانتا تقولان شيئاً آخر: أخاف أن أراكِ تنظرين لي بشفقة إذا انكسرت.
“مين سوك…”
مدت يدها.
لكن كان قد أدار ظهره ومشى نحو البحر، كأنه يريد أن يغسل شيئاً قبل أن يعود.
وبقيت سويون واقفة تحت المطر، تشعر أن الخيط الفضي بينهما فهو قد كان يؤلم لأول مرة.
أكيرا وقفت على بعد تشاهد، ثم قالت:
“الحقيقة تؤلم أكثر عندما تكون مخبأة بالحب.”
“ماذا تعنين؟”
“يامي كان يحبكم جميعاً، ولهذا كذب لأن بعض الحقائق لا يمكن للقلوب أن تتحملها.”
وعندما نظرت سويون إلى البحر مرة أخرى، كان مين سوك قد اختفى في الضباب، وحده مع أشباح الثقة المكسورة.
-_____________________________________________-
فصل طويل جدا 1401 كلمة.
اعرفكم تتساءلون ايش معنى الخلايا النانونية صح اتركوها علي ببساطة هي خلايا خبيثة تتراكم في اي جزء من الجسم و تتراكم فيه بس.
في البداية كنت حابة احط الرواية كوميدية و رومانسية بس والله نفسيتي زفت فخليت شوي دراما اتمنى تسامحوني.
وكانت معكم ✨ ℛ𝑜𝓈𝑒.
اي استفسارات، أخطاء املائية، أشياء لم تعجبكم نصائح يرجى ابلاغي بها وشكرا.
التعليقات لهذا الفصل " 22"