2
استمتعوا
***.
ست ساعات كانت كافية لكي تعبر سويون المحيط الهادي، لكنها لم تكن كافية لتهدئة دقات قلبها التي ظلت تضرب مثل طبول حرب.
البرج العملاق في سيول كان مختلفاً عن نظيره في لاس فيغاس.
هنا.
كان التصميم أكثر أناقة.
مزيج من الخرسانة السوداء والزجاج الداكن.
يطل على نهر هان المتلألئ تحت أضواء المدينة المسائية. من الداخل كان صاخباً، صيادون من جميع الفئات يتجولون.
شاشات عملاقة تعرض قوائم المهام، وتحذيرات من الزنزانات النشطة حول العالم.
سويون بملابسها الرياضية السوداء والوردية نفسها، شعرت وكأنها سمكة غريبة في حوض من الأسماك الملونة اللامعة. الجميع هنا كان يحاول إثبات شيء ما، حتى صيادو الفئة C كانوا يمشون بصدور منتفخة.
“كيم سويون؟”
التفتت سويون نحو مصدر الصوت، رجل في الخمسينيات من عمره يرتدي بدلة رسمية كورية تقليدية معدلة يقف أمامها. كان القائد سونغ المسؤول عن العمليات في البرج الكوري.
“نعم، هذا أنا.”
أجابت بلا مبالاة ظاهرة.
“اتبعني، لدينا إجتماع سريع قبل اللقاء.”
سار بها عبر ممرات جانبية، بعيداً عن الصخب الرئيسي. وصلوا إلى غرفة اجتماعات صغيرة جدرانها شاشات تعرض خريطة البحر الأصفر.
بقعة حمراء تومض في منتصف المسافة بين كوريا واليابان.
“الزنزانة ظهرت قبل اثنتي عشرة ساعة.”
بدأ القائد سونغ الحديث.
“غير عادية، لم تفتح كبوابة كاملة، لكنها تطلق ترددات شاذة تجذب الوحوش من المنطقة المحيطة اليابان قامت بارسال فريق من فئة S بالفعل ، غير انهم…….انسحبوا.”
“انسحبوا؟”
رفعت سويون حاجبها.
“لماذا؟”
نظر اليها القائد و فأجابها قائلا:
“قالوا إن هناك ‘شيئاً’ داخل الزنزانة لا يمكن قياسه، جميع أجهزة القياس تعطلت، حتى التصنيف المؤقت غير ممكن.”
همست سويون وهي تجلس على الكرسي:
“مثير للاهتمام.”
“المهمة كالتالي: الدخول، الاستكشاف وجمع البيانات، إذا كان هناك تهديد، القضاء عليه . المكافأة الأساسية مليون دولار مع إضافات حسب النتائج.”
“والصياد الآخر؟”
سألت محاولة أن تبدو غير مهتمة.
في تلك اللحظة فتح الباب.
لم يكن هناك صوت و لا خطوات، فقط ظل طويل امتد على الأرض قبل أن يظهر صاحبه.
بارك مين سوك دخل الغرفة.
في الصور والتقارير كان يبدو بارداً.
في الواقع.
كان البرد نفسه يمشي على قدمين،
بشرة بيضاء كالرخام تحت إضاءة الغرفة الباردة.
شعر أشقر قصير مرتب بعناية ولكن بطريقة غير مبالية. وعينان زرقاوان مثل جليد القطب الشمالي في يوم صافٍ. كان يرتدي بذلة قتالية سوداء بسيطة، لا شارات، لا رتب، فقط جيبان على صدره.
لكن ما جعل سويون تمسك بأنفاسها لم يكن مظهره، بل شعورها.
شعور بالثقل كأن الجاذبية في الغرفة تضاعفت.
شعور بأن الظلال في الزوايا أصبحت أعمق، أكثر وعياً.
“مين سوك.”
قال الكابتن سونغ باحترام واضح.
“هذه كيم سويون مصنفة من الفئة A، ستكون شريكتك في المهمة.”
التفت مين سوك نحوها، عيناه الزرقاوان سقطتا عليها. النظرة لم تكن تقييماً ولا فضولاً بل كانت كمن ينظر إلى لغز مألوف بشكل غريب.
“كيم سويون.”
قال بصوته، كان صوته هادئاً، أجش قليلاً كحفيف أوراق في ليلة هادئة.
“نعم.”
أجابت محاولةً إخفاء ارتعاشة في يديها.
“سعيدة بالتعاون معك…”
لم يرد على مجاملتها بدلاً من ذلك نظر إلى الشاشة.
“الزنزانة… تشع بنمط طاقة غير معتاد، ليست مثل الزنزانات العادية.”
الكابتن سونغ أومأ.
“هذا ما قلته، لدينا معدات خاصة للدخول، قارب سريع مزود بتقنية إخفاء، سينقلكم إلى نقطة 500 متر من الزنزانة، بعد ذلك، ستستخدمون معدات الغوص للدخول.”
“لا حاجة للقارب.”
قال مين سوك بهدوء.
نظرت سويون لينظر القائد من بعدها اليه.
“الظل يتنقل أسرع.”
سويون شعرت بفرحة غريبة تمزج مع التوتر.
“تقصد… الانتقال عبر الظل؟”
أول مرة يتحدث فيها مين سوك مباشرة معها، عيناه الزرقاوان التقتا بعينيها الرماديتين.
“أنتِ تعرفين فن الظل.”
لم يكن سؤالاً، كان إعلاناً.
قلب سويون توقف للحظة، كيف عرف؟
“أنا… درست بعض التقنيات القديمة.”
قالت بسرعة.
ابتسم مين سوك.
لا، لم يبتسم.
كانت زاوية فمه قد ارتفعت بأقل من مليمتر واحد، لكنه كان كافياً لتغيير ملامح وجهه بالكامل.
من مخلوق جليدي إلى شيء حي، غامض وخطير.
“القديم لا يشعر بهذا.”
قال، ثم أشار إلى ظلها على الأرض تحت الإضاءة.
“ظلك… يتحرك عندما لا تكونين منتبهة.”
سويون نظرت إلى الأسفل، ظلها الذي من المفترض أن يكون ساكناً، كان بالفعل يتحرك قليلاً عند الحواف كسائل أسود ثقيل.
لم تعرف ماذا تقول، قامت بإخفاء قوتها لسنوات، ليأتي هذا الرجل ليكشفها في دقائق.
“لا يهم.”
استدار مين سوك نحو القائد.
“سنذهب الآن، جهّزوا غرفة للعودة في البرج.”
“الآن؟”
قال القائد سونغ مندهشاً.
“لكن المعدات…”
“الظل هو الشيء الوحيد الذي سنحتاجه.”
أخذ مين سوك خطوة نحو سويون، كان طوله يزيد عن رأسها، وشعرت بحرارة غريبة تخرج منه متناقضة تماما عم مظهره البارد.
“هل تخافين الظلام؟”
سألها.
سويون التي شاهدت مئات أفلام الرعب وواجهت وحوشاً في أبعاد مظلمة، شعرت بأن هذا السؤال مختلف قليلا.
لم يكن عن الخوف من الوحوش، بل عن الخوف من الظل نفسه.
“أنا أعشق ما يختبئ في الظلام.”
أجابت وعيناها الرماديتان تتحديان نظراته الزرقاء.
للمرة الثانية، ارتفعت زاوية فمه بارتفاع ضئيل بالكاد يرى.
“جيد.”
مد يده نحوها ليست للمصافحة بل كعرض.
“امسكي يدي، الظل لا يرحم الذين يقاومون تدفقه.”
سويون نظرت إلى يده كانت كبيرة، بأصابع طويلة، وندوب خفيفة بيضاء على المفاصل. ترددت لثانية واحدة فقط ثم وضعت يدها في يده.
كانت يده دافئة بشكل مفاجئ….دافئة جداً.
“أغمضي عينيك.”
قال.
أطاعت،ثم سمعت همساً من القائد سونغ، ثم….سقوط.
لم يكن سقوطاً في الفضاء، بل سقوطاً في العدم.
شعور بأن كل ذرة من جسدها تتفكك وتعيد تشكيل نفسها. الظلام حولها لم يكن مجرد غياب للضوء، بل كان مادة حية، تداعب جلدها، تتسلل إلى رئتيها، تهمس بأصوات لا تستطيع فهمها.
وبينما كانت تسقط في هذا الهادي من الظل، سمعت صوتاً. صوت مين سوك، لكن ليس من الخارج بل من داخل رأسها.
“أخيراً… وجدتك.”
ثم فجأة، عاد الواقع لطبيعته.
فتحت عينيها، كانت واقفة على سطح ماء في منتصف البحر، تحت سماء مظلمة مرصعة بالنجوم، القمر الكامل ينعكس على المياه الساكنة بشكل مخيف.
الهواء البارد لدغ وجهها.
بعيداً أمامهم.
و على بعد مئتي متر فقط. كانت الزنزانة قابعة هناك.
لم تكن بوابة عادية، كانت فقاعة ضخمة من الظلام قطرها كيلومتر على الأقل.
تطفو فوق الماء.
حوافها كانت تموج كالزئبق الأسود، وتخرج منها أضواء خافتة ملونة تتغير باستمرار: الأرجواني، الأخضر الغامق، الأحمر الدَّموي.
لكن الشيء الأكثر إثارة للرعب كان صوتها.
ليس صوتاً مسموعاً بل اهتزاز في العظام.
في الروح.
وكأن الكون نفسه يتألم في تلك البقعة.
سويون تنفست بعمق وهي تناظر الزنزانة امامها.
“يا إلهي…”
بقربها كان مين سوك واقفاً و يده لا تزال تمسك بيدها.
كان ينظر إلى الزنزانة بعينين زرقاوين تتلألأان بانعكاس الأضواء الغريبة.
“هذه ليست زنزانة عادية.”
قال بهدوء.
“هذه… جرح.”
سحب يده ببطء، و قد شعرت سويون ببرودة مفاجئة حيث كانت حرارة يده.
“جرح؟ في ماذا؟”
“في نسيج الواقع نفسه.”
أدار وجهه نحوها.
في ضوء القمر والانعكاسات الغريبة.
بدا وجهه شبيهاً بملاك حزين من أساطير قديمة.
“وشخص ما… أو شيء ما… يحاول تمزيقه أكثر.”
سويون نظرت إلى الزنزانة العملاقة، ثم إلى مين سوك، ثم إلى يدها التي لا تزال تشعر بدفء يده.
في تلك اللحظة أدركت شيئين و واحد :
اولهم: أن هذه المهمة ستكون أخطر مما توقعت.
ثانيهم : أن هذا الرجل الغامض الغريب الواقف بجانبها يعرف أسراراً قوتها أكثر مما تعرف هي نفسها.
وأخيراً: أنها لم تعد تهتم بالمليون دولار بقدر ما أصبحت تهتم بـ اللغزين اللذين واجهتهما: الزنزانة الغريبة، والرجل الذي يعرف أن ظلها حي.
“حسناً،”
همست، وعينيها الرماديتان تتلألأن بإثرة مجنونة.
“لنلعب.”
-_________________________________________-
الفصل أطول مني الحين 1162 كلمة.
أتمنى أن يكون الفصل قد اعجبكم.
وكانت معكم ✨ ℛ𝑜𝓈𝑒.
اي استفسارات، أخطاء ، أشياء لا تعجبكم، نصائح،
يرجى ابلاغي بها وشكرا لقراءة الفصل.
يوما سعيدا. (。•ᴗ•。)♡
Chapters
Comments
- 2 - ظل الاسطورة منذ ساعتين
- 1 - لقاء بمليون منذ يومين
التعليقات لهذا الفصل " 2"