عندما عبروا عتبة الباب الهائل، لم يشعروا بالسقوط أو السير، بل كان الانتقال فورياً.
حتى وجدوا أنفسهم في مكان لم يكن أبداً ضمن توقعاتهم.
حيث كانوا في غابة من بلورات زرقاء شفافة، كل بلورة تبلغ ضعف طول الإنسان، وتنبض بنور داخلي ناعم.
الهواء كان نقياً بشكل لا يصدق، ورائحته تشبه المطر على أرض لم يطأها بشر من قبل.
فوقهم، لم تكن سماء ولا سقف بل فراغ من نجوم غريبة تتحرك في أنماط هندسية.
“أين نحن؟”
همست جيسكا، و صوتها يختفي في السكون المهيب.
“ليس في الزنزانة كما نعرفها.”
قال مين سوك وهو يلمس بلورة قريبة، كانت دافئة، وتحت يديه ظهرت صور بداخلها، صور لمشاهد من طفولته، من لحظات لم يتذكرها.
كشفت البلورة عن صورة لامرأة شابة تحمل طفلاً، تبتسم له بينما حولهما تتشكل ظلال ترقص كأنها تحميهم.
“والدتك.”
قالت سويون.
“نعم.”
مشوا عبر الغابة البلورية، و مع كل خطوة، كانت البلورات تتألق وتكشف ذكريات. عائلة بارك عبر القرون، حراس البوابة، لحظات فرح وألم، انتصارات وخسائر.
فجأة، توقفت البلورات عن الوميض و أصبحت مظلمة.
لتظهر أمامهم مساحة خالية في وسط الغابة، وفي مركزها، جلس شخص ما.
كانت امرأة، تبدو في منتصف العمر، شعرها الأسود الطويل منتشر حولها كوشاح مظلم.
كانت ترتدي ملابس تقليدية بالية، لكنها جالسة بوضعية ملكية، وعيناها…….كانتا مغمضتين.
“أمي.”
قال مين سوك بصوت مكسور لأول مرة منذ أن عرفته سويون.
فتحت المرأة عينيها اللتان كانتا بلون أزرق كعيني مين سوك، لكن أعمق، كأنها تحتوي محيطات من الذكريات.
“مين سوك.”
قالت بصوت ناعم كالنسيم.
“لقد كبرت.”
“لماذا تركتني؟”
“لأنه كان يجب عليّ ذلك.”
وقفت ببطء وأكملت كلامها قائلة :
“البوابة كانت تضعف، وكان يجب على أحد من عائلتنا أن يبقى هنا ليحافظ على التوازن.”
“لكنك قلتِ إنك ستعودين.”
“وكدت.”
مشت نحوهم ومع كل خطوة كانت تترك أثراً مضيئاً على الأرض.
“لكن حدث شيء، شيء لم نكن نتوقعه.”
أشارت إلى البلورات المظلمة.
“انظروا.”
في البلورات، ظهرت صور جديدة للزَّنازين الأولى و هي تفتح حول العالم، لكن هذه المرة من منظور مختلف.
لم تكن كوارث، بل محاولات يائسة للهروب، كائنات من هذا العالم البلوري تحاول العودة إلى ديارها عبر البوابات، لكنها تتحول في الطريق.
“لم نكن نحرس البوابة لمنعهم من الخروج.”
قالت.
“كنا نحرسها للمساعدة في إعادتهم بأمان، لكن القوة بين الأبعاد شوهتهم و جعلتهم وحوشاً.”
“إذن الزنازين…”
بدأت سويون.
“هي جروح في الواقع، نعم، ولكن الجروح سببها نحن، فمحاولاتنا لمساعدتهم فتحت شقوقاً لم نستطع إغلاقها.”
اقترب مين سوك من أمه.
“وكيف نصلح هذا؟”
“هناك طريقة واحدة.”
نظرت إليه بحزن وأكملت كلامها قائلة :
“يجب إغلاق هذه البوابة نهائياً، لكن ذلك يعني…”
“أن كل من في هذا العالم… سيبقى هنا للأبد.”
أكملت جيسكا.
“نعم، وأنا…..وأي شخص آخر هنا.”
“لا!”
قال مين سوك بحدة.
“لن أتركك مرة أخرى.”
“ولكن إذا لم نغلقها، فإن البوابة ستفتح بالكامل، وكل الوحوش في كل الزنازين سوف….. سوف تتدفق إلى عالم وسيكون الدمار. نصيبه “
في تلك اللحظة، اهتز العالم البلوري.
بدات البلورات بالتشقق.
“إنه يأتي.”
قالت الأم.
“من؟”
“الحراس الآخرون، الذين يريدون البوابة مفتوحة، يعتقدون أنهم يستطيعون السيطرة على القوة.”
و من بين الأشجار البلورية، ظهرت أشكال بشر، لكن ملامحهم مشوهة، وعيونهم تلمع بالجشع.
كانوا يرتدون أزياء من عصور مختلفة، بعضهم يبدو حديثاً، والبعض الآخر قديماً جداً.
“حراس سابقون.”
همست الأم.
“الذين قرروا أن القوة يجب أن تكون لهم.”
تقدم زعيمهم، رجل طويل بعين واحدة فقط.
“بارك هيوناي، لقد حكمتِ هذا المكان طويلاً بما فيه الكفاية، حان الوقت للحراس الجدد.”
“لن تمسكوا البوابة.”
قال مين سوك وهو يتقدم بينه وبين أمه.
“أوه، الوريث الشاب دمك سيكون مفتاحنا.”
اوب…….. و بدأت المعركة.
لكن هنا، القتال كان مختلفاً.
لم تكن هناك هجمات جسدية. بدلاً من ذلك، كانوا يستخدمون الذكريات كأسلحة.
أحد الحراس أطلق ذاكرة خسارة جعلت يونغ-هيون يتراجع، التذكره اليوم الذي فقد فيه عائلته.
أطلق آخر ذاكرة خوف جعلت جيسكا تتجمد، تتذكر فيها كل مرّة خذلها فيها والدها.
لكن سويون… ضحكت.
“ذاكرة خوف؟ جرب ذاكرة رعب حقيقي. ”
ووجهت نحوهم ذكرى من فيلم رعب شاهده مين سوك معها، لكنها حورته ليكون أكثر رعباً بعشر مرات.
الحارس الذي تلقاها صرخ وركض مبتعداً.
مين سوك كان يقاتل الزعيم.
كانا يتنافسان في السيطرة على ظلال البلورات.
كل حركة كانت تخلق تشققات في الواقع حولهم.
“أنت قوي.”
قال الزعيم.
“لكنك لا تعرف كيف تستخدم القوة الحقيقية.”
“أعلم ما يكفي.”
“لكن هل تعرف هذا؟”
بعد قوله ذاك قام بإطلاق ذكرى عن ليلة اختفاء أمه.
تجمد مين سوك.
رأى المشهد من جديد الباب يغلق، الظلام، الشعور بالهجر.
لكن هذه المرة، رأى شيئاً جديداً، رأى دموع أمه وهي تغلق الباب، كما رأى كلماتها الأخيرة التي لم يسمعها من قبل:
“سأعود يا حبيبي أعدك.”
انتفض
. “كذبت.”
“ماذا؟”
“هذه الذكرى محرفة، أمي لم تبكي فقد كانت قوية، وهي لم تعدني بالعودة، لأنها لم تتركني حقاً، كانت تحميني من هنا.”
انفجر ظله ليس كظلام، بل كنور أزرق كالبلورات من حولهم.
وضرب الزعيم، ليس جسدياً، بل بذكرى قوته هو نفسه
ذكرى الخوف من أن يكون ضعيفاً، من أن يكون غير جدير.
سقط الزعيم انا عن الباقون فقد هربوا.
لكن الأضرار كانت كبيرة بحق فالبلورات كانت تتشقق بسرعة، العالم كان ينهار.
“البوابة تفتح.”
قالت الأم.
“يجب أن تغلق الآن.”
“كيف؟”
“يجب أن يقرر حارس الدم النقي، أنت.”
نظرت إليه بحب وحزن.
“اختر أغلقها وأبقى هنا، أو دعها تفتح وخاطر بعالمك.”
نظر مين سوك إلى سويون، ثم إلى أمه، ثم إلى أصدقائه.
“هناك خيار ثالث.”
قالت سويون فجأة.
الجميع نظر إليها.
“إذا كانت البوابة تحتاج دم حارس ولمن يبقى هنا للحفاظ على التوازن فلماذا لا نتقاسم المهمة؟”
“ماذا تقصدين؟”
سألت الأم.
“بدلاً من شخص واحد يبقى للأبد.لماذا لا يأتي العديد منا لفترات؟ نصبح حراساً متناوبين، نغلق البوابة الآن، لكن نفتحها لفترات قصيرة بمراقبة، لمساعدة من يريد العودة بأمان.”
صمت ساد المكان ثم ابتسمت الأم لأول مرة.
“هذا… جنوني.”
“وأنا مجنونة.”
“وهذا قد ينجح.”
أضاف مين سوك.
“العائلات العشرون يمكنهم المشاركة، كل عائلة ترسل حارساً لفترة.”
“ولكن هل سيوافقون؟”
سألت جيسكا.
“سأجبرهم.”
قال مين سوك ببساطة.
اومأ الجميع بالإيجاب.
“إذن يجب أن نبدأ، لكن أولاً يجب أن يقدم الحارس الرئيسي الدم.وهذا…… مؤلم.”
“أنا مستعد.”
“ونحن معك.”
قالت سويون.
شكلوا دائرة.
مين سوك في المركز، أمه أمامه، بقية الفريق حولهم.
“عندما أبدأ، سيكون هناك ألم. لكل منا. لأننا سنربط أرواحنا بالبوابة.”
“لنبدأ.”
رفعت الأم يديها، لتشرق كل البلورات.
اخرج مين سوك سكيناً طقسياً قديماً كان يحمله دائماً،
وجرح كفه.
الدم لم يكن أحمر، كان أزرقاً مضيئاً.
سقطت القطرة الأولى على الأرض، والكون كله…..توقف.
-_____________________________________________-
فصل غريب صح خاصة لون دماء مين سوك المهم 1035 كلمة
وكانت معكم ✨ ℛ𝑜𝓈𝑒.
اي استفسارات، أخطاء املائية، أشياء لم تعجبكم نصائح يرجى ابلاغي بها وشكرا.
التعليقات لهذا الفصل " 15"