مع شروق الشمس، كان القصر يفيض بالحركة. أصوات الأوامر، وقع الأقدام، وصراخ المشرفات على الخدم… كل شيء بدا مألوفًا لدى كلونا، لكنها في ذلك الصباح شعرت أن قلبها لم يعد كما كان. لقاء البارحة مع اللورد أدريان لم يغادر ذهنها، بل ظل يتردد في أعماقها كصدى بعيد.

حاولت أن تشغل نفسها بأعمالها المعتادة؛ تلميع الأواني الفضية، تنظيف الممرات الطويلة، وترتيب غرف الضيوف. ومع كل مهمة كانت تذكّر نفسها أنها ليست سوى خادمة، فتاة لا يحق لها أن ترفع رأسها أو تحلم بما هو أبعد من جدران القصر. لكن قلبها كان عنيدًا… كلما حاولت نسيان تلك النظرة التي التقاها بها، عادت لتشتعل من جديد.

وبينما كانت تنظف إحدى الطاولات في المكتبة الفسيحة، شعرت بظل يقف خلفها. التفتت بسرعة، فإذا به هو… اللورد أدريان.

تجمدت في مكانها، وكأن الوقت توقف مرة أخرى. صوته العميق كسر الصمت:
– “قلت لكِ أن تأتي إلى المكتبة… هل تجاهلتِ أمري؟”

ابتلعت ريقها بصعوبة وأجابت بخجل:
– “عذرًا يا مولاي… لم أظن أنك تقصد… أنا… مجرد خادمة.”

اقترب بخطوات بطيئة، عيناه تلمعان بفضول غامض:
– “الخدم ليسوا مجرد أدوات. لكل واحد منكم قصة… وأنتِ بالذات، أشعر أن وراء عينيكِ حكاية لم تُروَ بعد.”

اتسعت عيناها بدهشة، لم تتخيل يومًا أن سيدًا سيعاملها كإنسانة لها مشاعر وأسرار. حاولت أن ترد، لكن الكلمات اختنقت في حلقها.

اقترب أكثر، حتى شعرت بحرارة أنفاسه:
– “كلونا… لماذا تبدين مختلفة عن الآخرين؟”

ارتبكت، تراجعت خطوة إلى الوراء وهي تقول بصوتٍ مرتجف:
– “أنا لست مختلفة… أنا فقط… أقوم بعملي.”

لكن نظراته لم تفارقها. كانت عميقة، كأنها تحاصرها وتكشف ما تخفيه في قلبها. فجأة، انفتح باب المكتبة، ودخلت المشرفة على الخدم. أسرعت كلونا بانحناءة عميقة وهرولت إلى الخارج، تخفي ارتجاف يديها وأنفاسها اللاهثة.

في الممر الطويل، وضعت يدها على صدرها، تحاول تهدئة دقات قلبها التي تكاد تفضحها. همست لنفسها:
“هذا خطر… عليّ أن أبقى بعيدة… أنا خادمة، وهو اللورد… لا يمكن لهذا أن يحدث.”

لكنها في أعماقها كانت تدرك أن اللقاء لم يكن الأخير، وأن تلك النار التي اشتعلت بينهما لن تنطفئ بسهولة.

أما هو، فظل واقفًا في المكتبة، عيناه معلقتان بالمكان الذي اختفت عنده، وابتسامة غامضة ترتسم على وجهه. كان يعلم أنه بدأ للتو لعبة محفوفة بالمخاطر… لعبة لن يكون فيها مكان للهرب، لا لها ولا له.