أومأتُ برأسي وأنا أنظر إلى كو تاي هوان وهو يعتلي خشبة المسرح.
سيؤدي جيداً، بلا شك.
لقد فهم تماماً ما أريده، ويمتلك القدرة على تحقيقه.
لذلك كان تدريب كو تاي هوان هو الأكثر سلاسة بين الأعضاء.
لا يعني هذا أنّ الآخرين قصّروا.
خلال نصف الشهر الماضي، بذل أعضاء فرقة ثلاثة أشهر ومئة يوم جهداً كبيراً ليستوعبوا التوجيهات.
قد يكون لكوني مدرّباً جيداً بعض الفضل، غير أنّ ذلك وحده لا يكفي لبذل هذا الكمّ من الجهد.
خصوصاً أنّ هذه المرّة كانت ضيقة الوقت، فاضطررتُ كثيراً إلى أن أفرض عليهم المحاولة من غير شرح كافٍ.
ومع ذلك، ظلّ الأعضاء يتبعونني بصمت وإخلاص، حتى بدوا لي أعجوبة.
لست أعلم لمَ يضعون فيّ هذه الثقة.
فمجرد إظهار موهبة طاغية لا يكفل دائماً أن يُقابل المرء بهذا القدر من التقدير.
ولهذا رغبتُ في مكافأتهم: أن تكون ثمرة جهدهم المتواصل نتيجةً حسنة.
والآن، ها نحن نرى النتيجة على خشبة المسرح في أداء أغنية (سأموت).
بعد مقدمة قصيرة، دوّى صوت كو تاي هوان
لم أكن أعلم
المعنى الكامن
في نظراتك…
أسرني لحن منخفض عميق، كأنّه يعبّر عن سكون ما قبل العاصفة، أو كأنّه يحاول كبح الغضب بكلمات يسندها خيط رفيع من العقل.
بلا شك، كو تايرهوان بلغ ذروة عطائه.
سهولة تدريبه لم تكن لقلة ما تدرب عليه، بل لأنه لم يضلّ الطريق بخطوات خاطئة.
تقييم المغنين له وجوه عدّة: خامة الصوت الفطرية، قوة الحنجرة، اتساع الطبقات…
لكنني، وقد عشتُ تجارب متكرّرة وتعمقت في منهجية التدريب، أرى أن أعظم موهبة هي القدرة على السير في الاتجاه الصحيح.
فهناك من ينمو أداؤه بنسبة مساوية لما يتعلّمه: يتعلم “واحداً” فيزداد “واحداً”، يتعلم “اثنين” فيزداد “اثنين”.
وقد يبدو بطيئاً مقارنةً بمن يوصفون بالعباقرة الذين يتعلمون “واحداً” فينمو أداؤهم “عشرة”.
غير أنّ ذلك لا يدوم طويلاً.
فبعد عام، خمسة أعوام، عشرة أعوام، يكون صاحب الاتجاه المستقيم هو الأعلى قامةً والأثبت قدماً.
كو تاي هوان يمتلك هذه الموهبة، ومعها إحساس مميز بالإيقاع.
ثم جاء صوته
تلك الشفاه التي
همّت أن تنطق كلمة…
مقززة…
خرج صوته البارد وهو يرتدي بذلة رسمية، يتهادى ببطء مقصود، ليصنع إيقاعاً أكثر أناقة من النسخة الأصلية.
وبعض الحاضرين لم يتمالكوا أنفسهم حتى شاركوا في غناء كلمة “مقززة”.
كانت “سأموت” من الأغاني الشهيرة، إذ احتلت المرتبة التاسعة في مخطط عام 2015.
ورغم أنّ صيغة “رابر + مغنّي” مألوفة حد الابتذال منذ الثمانينات في الهيب هوب الأمريكي، إلا أنّ هذه الأغنية نجحت لسببين
أولاً: جودة تصميم مقاطع الراب، وهو أوّل نجاح بارز للرابر “Breed” القادم من تحت الأرض.
ثانياً: فكرة الأغنية المميزة، فهي حوار بين مغنٍّ ورابر يتشاحنان مشاعر قريبة من الكراهية، لكنها لا تزال تدور في إطار الحب.
المغني تشوي جاي-سونغ يسمي هذا النوع “علاقة كراهية”، ولست أعلم مدى دقته، لكن الأكيد أنه غير مملّ.
غير أنّ لهذه الأغنية فخّاً: دور الانفجار العاطفي يقع كله على الرابر، بينما المغنّي يهدّئ النبرة ويمهّد للجزء التالي.
لذلك كان الرابر “ريدي ” هو البطل الحقيقي في النسخة الأصلية، لأن الجمهور يتأثر كثيراً بتدرّج المحتوى الدرامي.
الآن، بعد مقدمة كو تاي هوان، انطلق ريدي براب مليء باللكنة
ما زلت أذكر
نظرتك وموقفك
كيف عاملتني كحشرة
بغرورك المتعالي…
لم يكن رديئاً البتة.
ففي الماضي كان موقع آيدول رابر مجرد موضع شاغر لغير القادرين على الغناء.
أما الآن، ومع نجاح “أرني المال ”، أصبح الجمهور يميّز الراب الجيد من الرديء، و أصبح لزاماً على رابر الآيدول أن يتقن.
وريدي كان بحق رابر جيداً، إذ بدا غضبه وهو يصبّ كلماته نحو كو تاي هوان مقنعاً.
سأردّ لك الصاع
لم يعد لك مكان داخلي
حين تتألم
سأضحك بأعلى صوت…
لكن كو تاي هوان لم يلتفت لغضبه.
اكتفى بالحركات المحددة والانسجام الصوتي، من غير أي رد فعل.
كأنه يغني ويرقص وحيداً.
لقد كان هذا بالضبط ما طلبتُه منه أولاً.
حين يتشاجر اثنان، فإذا التزم أحدهما الصمت والبرود، بدا الآخر صارخاً كالأحمق.
فالصفعة لا تصدر صوتاً إلا بيدين متقابلتين.
طبعاً، لو أُسيء التنفيذ لفسد العرض، إذ تنفصل المقاطع عن بعضها.
لكن خطتي لم تكن أن نخرّب المسرح، بل أن نضعف بروز ريدي بوسيلة أخرى.
وجاء وقت الخطة الثانية.
مع انتهاء مقطع الراب، دخل كو تاي هوان في اللازمة
ما زلنا نتخاصم
أكرهك وأمقتك
أبصق وأدير وجهي
وأقذف بالشتائم…
كانت اللازمة في أوكتاف منخفض للغاية، بخلاف النسخة الأصلية النسائية.
وهذا ما خططت له: أن يؤديها كو تاي هوان في طبقة متدنية، وبنبرة “غاضب باعتدال”.
“غاضب باعتدال؟” سألني.
فقلت مازحاً: “كما غضب تشوي جاي سونغ حين أهرق صلصة صدر الدجاج على الأرض.”
فأجاب: “لقد كنتُ في غاية الغضب يومها…”
والنتيجة أن اللازمة بدت باردة كأنها بلا غضب، لكنها لم تفقد صدقها.
بل أصبح هدوءاً بارداً يقابل صخب ريدي.
أضفنا بعض التأخير المقصود في الإيقاع لنصنع إحساس الـ Lay-back، كي نظهر حسّ كو تاي-هوان الإيقاعي المميز.
[ Lay-back : هو الغناء أو العزف بتأخير بسيط جداً خلف الإيقاع، ليعطي إحساساً بالهدوء والاسترخاء]
ونجحنا.
فانفجرت القاعة بالتصفيق والهتاف.
لم يعد الراب هو المركز.
أصبح البطل ببساطة هو صاحب الصوت الأجمل.
وريـدي لم يستطع أن يتفوق على صوت كو تاي هوان.
والأجمل أنّ ريدي أدرك ذلك بالفطرة.
ففي مقطعه الثاني تردّد وتخاذل، مدركاً أنّ الانفجار العاطفي سيجعله يبدو وحده في نوبة غضب عبثية.
لكن تردده جعله يخسر أكثر.
فما كان فوز كو تاي هوان بالنقاط، بل أصبح فوزاً ساحقاً بالضربة القاضية.
“أوه!”
“واو!”
حتى أعضاء ثلاثة أشهر ومئة يوم أطلقوا صيحات الإعجاب.
لم أتمالك نفسي وضحكت.
بصراحة، كان الأمر مضحكاً.
ما كنت أظن أنني سأجهد عقلي في مسألة تافهة كهذه.
فطالما كانت همومي تدور حول قضايا أكبر: كيف أحرّك الرأي العام في “غرامي”؟ كيف أستغل تحيّز الغرب الأبيض لكسب أصواته؟
وبالمقارنة، من يكون بطل عرض ثنائي في أداء خاص بلا درجات، ليس سوى تفصيل صغير.
لكن…
الهتاف الذي انفجر في القاعة لم يكن تافهاً.
وسماع تصفيق الجماهير لكو تاي هوان منحني شعوراً جيداً.
أتمنى أن تمنحني بقية هذه العروض “التافهة” أفراحاً كبرى مثل هذا أيضاً.
***
كو تاي هوان، تشوي جاي سونغ، وأنا.
نحن الثلاثة أنهينا بنجاح العرض الثنائي.
أما أنا فأستثني نفسي من الحساب، لكن كو تاي هوان وتشوي جاي سونغ حطما الخطة التي كانت تهدف إلى جعل Take Scene هم الأبطال.
أتقول إن أولاد Take Scene مساكين؟
ليس كثيراً.
فهم في الأصل مدركون تماماً للوضع، ومع ذلك لزموا الصمت وليس في ذلك ما يُعدّ خطأ.
ففي النهاية هذا كله جزء من عالم الاستعراض وصناعة الترفيه، ومن الطبيعي أن يحدث فيه مثل هذا.
لكن على الأقل، عندما تقع الأمور بالعكس، فإن التزام الصمت هو قمة الذوق.
الآن لم يبقَ سوى إي إون وأون سيمي رو.
بصراحة، لم أرَ حلاً خاصاً في حالة إي إون.
فالمشكلة أنه ببساطة وُلد متفوّقاً.
والجمهور يجد من الأسهل أن يتعاطف مع سي يو المجتهد أكثر من إي إون الموهوب بالفطرة، وهذه مسألة عاطفية بحتة.
لكن المفاجئ أنّ إي إون نفسه هو من قدّم الحل.
قال:“الناس يشجعون سيريو أكثر مني، ليس لأنهم يقيّمون مهاراتنا فقط، بل لأن العاطفة تتدخل في الأمر، أليس كذلك؟”
“إذن، ألن يكون الحل أن أتفوّق عليه تفوقاً ساحقاً؟”
ولم يكن مخطئاً.
فالناس يغارون ممن يجيد “إلى حدّ ما”، لكن حين يكون التفوق كاسحاً يتحول الغيرة إلى إعجاب.
فسألته: “أتظن أنّ ذلك ممكن؟”
فأجاب: “أتعلم ما الذي أدركته مؤخراً؟”
“ماذا؟”
“أنني كنت أغني باستهتار كبير طيلة الوقت.”
ثم ابتسم إي أون ابتسامة واثقة.
وأنا أعلم تماماً ما شعر به.
فهو حين انشغل بالتدريب على دقة النغمات، أدرك القوة التي تمنحها الدقة
النطق الدقيق.
النغمة الدقيقة.
وهي قوة أعظم مما يظن المرء حتى يجربها بنفسه.
بدأ إي إون بالغناء بخط مستقيم لا مداورة فيه.
والمثير للاهتمام أنّ الأغنية التي يؤديها مع سي يو كانت أغنية عند نهاية الفجر لفرقة With.
وهي أغنية يصعب إظهار القدرات الغنائية فيها، بل ويُفترض ألا تُظهرها.
ينبغي أن تُغنّى ببرود ومرارة هادئة.
ولهذا اختيرت.
فإن لم يُشعر الجمهور بفرقٍ في القدرات، فسيميلون إلى تشجيع سي يو.
دخلتُ إلى الفجر وجلسنا
ضوء يتلألأ، نحن الاثنين فقط
تحت لافتة نيون مطفأة
إضاءة محطمة، شارع مغلق الأبواب…
تناقل إي أون وسي يو الغناء وهما يتقدمان إلى الأمام.
يحكون بصوت هادئ عن أضواء المدينة الخافتة التي انطفأت ومضت.
استمعت بصمت، ثم ابتسمت.
الفارق لم يظهر جلياً بعد، لكن مدينة إي أون بدت أوضح.
الصورة التي نقلها عن المدينة كانت أجمل، أزهى، وأكثر إثارة للشجن.
وكان واضحاً أن هذا الفارق سيتسع كلما تقدمت الأغنية.
ولم يخب ظني.
فقد ارتسمت على وجه المدير تشوي داي هو ملامح مرارة متزايدة.
إذ بدا متأثراً لأن المغنين الذين اختارهم ودربهم يتساقطون في الهزيمة واحداً تلو الآخر.
وربما استشعر أنني أنا المتدخل في كل ما جرى.
لكن لا بأس.
عليه أن يحتمل قليلاً.
فأعضاء ثلاثة أشهر ومئة يوم أنفسهم تعرضوا للتقليل من شأنهم بسبب منطق صناعة الترفيه ومع ذلك صمدوا.
وبما أن قراري بالذهاب مع Take Scene لن يتغير، فعليه أن يتحمل هذا الغيظ العابر.
انتهى دور إي إون، ثم اعتلى جو يون و أون سيمي رو خشبة المسرح ليقدما غناءً ثنائياً.
همم… جو يون فعلاً يجيد الغناء.
أظن أن هذا العرض كان التعادل الوحيد اليوم.
ومع ذلك…
إلى الغد-!
من جديد–!
أنت وأنا—!
في عيني بدا أون سيمي رو أفضل قليلاً.
وبذلك اختتم العرض المشترك الخاص بين ثلاثة أشهر ومئة يوم و”Take Scene”.
ولم يتبقَّ الآن سوى المواجهة الحقيقية على المسرح التنافسي.
• نهـاية الفصل •
حسـابي انستـا [ i.n.w.4@ ]
التعليقات لهذا الفصل " 77"