فتح كريس إدوارد فمه مجيباً عن سؤال يانكوس.
“قال إن صديقاً ما رأى حلماً.”
وهكذا بدأ يتدفق ذلك السيناريو الذي طلبه هان سي أون.
في الحقيقة، كان كريس إدوارد يرى أن القصة التي صنعها سي أون ذات طابع رومانسي للغاية.
إنه نوع من القصص لا يستطيع أيّ عبقري مخضرم—فقدَ شبابه مقابل اكتساب خبرته—إلا أن يجد فيه متعة.
فالأمر ليس مجرد كلمات منمّقة؛ بل إن الناتج النهائي كان مثالياً أيضاً.
فتح يانكوس، الذي كان يصغي إلى كلام كريس إدوارد باهتمام، فمه
“إنه يكذب كذبة رومانسية.”
“……!”
“قصة تدفع المرء إلى الرغبة في تصديقها لكن كما تعلم، ألم أمضِ في عالم الموسيقى زمناً طويلاً؟”
في البداية، اختلط الأمر على يانكوس أيضاً.
لقد فكر أن كلام كريس إدوارد قد يكون صحيحاً.
لكن شيئاً ما علِق في ذهنه.
إنه الـ… ترومبيت.
[ ترومبيت : بوق نحاسي صغير يُصدر نغمة حادة وقوية ]
فهذا المقطع الموسيقي قد تُرك فيه موضع الترومبيت فارغاً عمداً.
ليس لأنه لا وجود لموضع الترومبيت، بل لأن الموضع موجود، ولكن الآلة غائبة.
أي إن المؤلف كان يستطيع إدراج خط الترومبيت متى شاء، لكنه اختار عمداً ألا يفعل.
والسبب أنّ الموسيقي يانكوس غرينوود كان، في بداية مسيرته، يكره الترومبيت.
لأن والده البيولوجي، الذي تخلّى عن والدته، كان عازف ترومبيت.
بالطبع، ومع مرور الوقت وبلوغه مرحلة الاحتراف، تخلّى عن هذه العناد.
كما أن غياب الترومبيت عن فرقة بيغ باند أمر غير منطقي أصلاً.
[ بيغ باند : = فرقة جاز كبيرة فيها الكثير من آلات النفخ ]
لكن هنا كان يستطيع أن يستشعر نية المؤلف بوضوح.
فلو كان هذا المقطع فعلاً قد سُمِع في حلمٍ كما قال كريس إدوارد، لما احتوى على أي نية كهذه.
وعليه، فهذا المقطع هو عمل صُنع بقصد تجسيد شباب يانكوس غرينوود بصورة تجريدية.
ولكن هل هذا ممكن حقاً؟
عقلياً يستطيع تفسيره، لكن عاطفياً يصعب عليه تصديقه.
هل يمكن أن يوجد مؤلف موسيقي يملك مثل هذه القدرة؟
وليس الحديث هنا عن الجانب التقني.
فهناك الكثير من فناني البوب جاز الذين يستطيعون استخدام تقنية بمستوى ذلك المقطع.
ما أدهش يانكوس هو: كيف يمكن لمؤلف موسيقي أن يصنع أجواء الموسيقى التي شكّلت طفولة موسيقي آخر؟
وهذا يعني أن المؤلف يمتلك قدرة على إخراج أي إحساس يريده إلى صوت، وقتما يشاء.
وكان هناك ما هو أعجب
إن كان يملك هذه الموهبة، فلماذا يفعل شيئاً كهذا؟
لأنه معجب به؟
مستحيل.
فلو كان معجباً حقيقياً، لجاءه بمقطوعة مكتملة ليقدمها كإهداء.
إذن هل يفعل ذلك للسخرية منه؟
هذا أيضاً غير منطقي.
وبينما كانت هذه الأفكار تملأ رأسه، فتح يانكوس فمه أخيراً
“كن صريحاً معي. ما الذي يجري بالضبط؟”
“……أولاً، أنا أعتذر.”
“لا بأس لست مستاءً على الإطلاق.”
أزال كريس إدوارد التعبير المرتبك الذي ظهر عليه قبل قليل.
وبصراحة، لو كان هو مكان يانكوس، لكان قد انخدع بسهولة لكن بالطبع، يانكوس مختلف.
هكذا يكون معنى كلمة عبقري.
ومهما كان سي أون عبقرياً، فلن تسير كل الأمور تماماً وفق ما يتوقعه.
“لست بارعاً في الكلام كثيراً، لذا هل تسمح لي بأن أشرح لك الأمر منذ البداية؟ سيستغرق ذلك وقتاً طويلاً.”
“وما هي البداية؟”
“منذ اللحظة التي تعرّفت فيها لأول مرة إلى مؤلف هذا المقطع.”
“حسناً.”
وهكذا بدأ كريس إدوارد يسرد قصته مع هان سي أون.
وبصراحة، لم تكن علاقتهما متينة إلى ذلك الحد.
مجرد صدفة جعلته يكتشف عبقرياً كورياً ويسافر ليلتقي به ويتقرّب منه.
لكن كريس إدوارد كان يريه بين الحين والآخر الموسيقى التي دفعته للتحرك، وكان ذلك يدفع يانكوس للإيماء برأسه.
بالطبع، لم تكن العوالم الموسيقية لكريس إدوارد جذابة بالنسبة ليانكوس.
لكنها لم تكن دون احترام أيضاً.
فهو رجل يؤمن بأن الموسيقى فيها اختلاف، لا خطأ.
وهكذا وصل الحديث إلى نهايته.
“وبهذا، اخترتُ المقطوعة الخاصة بي من بين المقطوعات التي أرسلها شي أون.”
“ثماني مقطوعات موسيقية ؟”
“آه، سبع إذا استثنينا مقطوعي يبدو أنه صنع واحداً لأنه على معرفة بي.”
“هل يمكنني أن أعرف الأسماء؟”
“لوسيد بن، يانكوس غرينوود، موسكوس…….”
ضحك يانكوس من كثرة الأسماء التي انطلقت تباعاً من فم كريس إدوارد.
قصة يصعب تصديقها… لكن لا خيار إلا تصديقها.
“هل أستطيع سماع تلك المقطوعات ؟”
“حسناً… لم أتوقع حدوث شيء كهذا، لذا يصعب اتخاذ قرار سريع.”
“فلنفعل الأمر هكذا أعرض عليّ المقطع الذي صنعه من أجلك، وتراك موسكوس فقط ففي النهاية، موسكوس صديق حميم لي وسأسمعه عاجلاً أو آجلاً.”
“حسناً.”
وهكذا استمع يانكوس إلى المقطوعة الذي صنعه ذلك الفتى، هان سي أون، مستلهماً كريس إدوارد وموسكوس.
“هممم…….”
مستوى مذهل.
حين سمع المقطوعة التي تحمل ذكريات طفولته، ظن أنه فنان متخصص في الجاز والـسوينغ.
لكن عندما استمع لتراك كريس إدوارد وجده من عبدة موسيقى البوب.
وعندما استمع لتراك موسكوس، بدا كأنه من أشد مريدي الـهاوس.
شيء يكاد يظنه المرء خطأً إلهياً.
هل يُعقل أن يصل فتى في العشرين، تعلّم لوحده، إلى هذا المستوى؟
“إذن؟ ما الذي يريده هذا الفتى، سي أون؟”
“يريد من يانكوس أن يصنع أغنية باستخدام هذه المواد.”
“يريد تأليفاً مشتركاً، إذاً؟”
“نعم.”
“وماذا يريد في النهاية؟ إجراء كهذا لا بد أن وراءه هدفاً كبيراً.”
“يبدو أنه يريد الهرب من قبضة وكالة شريرة.”
“……أعد ما قلت؟”
“الوكالة التي استثمرت في برنامج واقعي تعيق نشاطه ويريد التغلب على ذلك.”
“…….”
كان هذا أكثر ما سمعه اليوم إثارة للسخرية.
السبب في كل هذا… هو أنه يريد التغلب على عرقلة وكالة؟!
“هل اسم تلك الوكالة وول ستريت؟ أم جمعية النور؟”
“بالطبع لا ، إنها مجرد شركة احتكارية ذات نفوذ كبير في كوريا.”
“إن كان الأمر كذلك، فسأحلّه له دعه يأتِ إلى أمريكا.”
“آه، لكنه يريد العمل مع الأصدقاء الذين التقاهم في البرنامج ولن يملك أولئك الأصدقاء ما يملكه هو من قدرة موسيقية.”
وهنا بدأ يانكوس يفهم.
فبالنسبة لكبار السن، الصداقة والحب قد تبهت ألوانهما، لكنهما مع ذلك أعمق النقوش في القلب.
وبينما أصبح كل شيء واضحاً، فوجئ يانكوس بفكرة خطرت في ذهنه.
لم يفكر في موهبة سي أون، ولا في كلام كريس إدوارد.
بل خطر له مجرّد ريـف غيتار
أسواق الخضار والفواكه المكتظة فجراً.
الحوانيت المزدحمة.
شاب يسير بينها بخطوات يفعمها الحلم.
المكان الذي عزم فيه لأول مرة أن يصير موسيقياً.
اللحظة التي اتخذ فيها قراره الجريء بترك حياة المحاماة الهادئة ليندفع نحو المخاطرة.
فجأة، خطرت له راحة غيتار مثالية يمكنها التعبير عن ذلك اليوم.
“سأفعل.”
“عذراً؟”
“لا يهمني ما السبب بعد سماع هذا…”
“ما اسم هذا المقطع؟”
“Man in the dangerous [ الرجل في الخطر ].”
“هاها.”
لم يستطع يانكوس إلا أن يضحك.
من الممتع أن يرى فتى لم يلتقه قط يقرأ أعماق قلبه.
وهكذا، ترك يانكوس غرينوود مرة أخرى حياة التقاعد الهادئة، وانطلق نحو موسيقى خطِرة.
تنهد كريس إدوارد بارتياح.
لقد كان كل شيء سينحرف عن المسار، لكنه تمكن من إنقاذ الوضع بقدرة كلامه.
لولا وجودي، لما آل الأمر إلى هذا الشكل.
لهذا فإن على سي أون أن يقدم له شيئاً ما أيضاً… ربما أغنية.
لكن ما لم يكن يعلمه كريس إدوارد هو أن الأمر كان هكذا دائماً.
سواء كان المرسل الذي يحمل الأغنية هو كريس إدوارد، أو هان سي أون، أو أحد موظفي الإدارة…
كان العباقرة دائماً يدركون الحقيقة المضمّنة في الأغنية.
لأنهم كرسوا حياتهم للموسيقى.
وحده كريس إدوارد لم يكن يعلم ذلك، فظل راضياً عن نفسه.
***
بينما كان كريس إدوارد ينفّذ طلب هان سي أون، كانت الساحة الترفيهية في كوريا تضجّ من جديد بقضية مثارة.
فقد نُشرت صورة التقطها فريق ثلاثة أشهر ومئة يوم مع فريق Drop Out.
-ما هذا، هل هم مقربون؟
– ههههه ما الذي يحدث؟ هل لعب هان سي أون مزحة ما؟
– جهاز كشف الكذب قال إن الأمر حقيقي، إذن ليست مزحة، أليس كذلك؟
-يمكن للأصدقاء أن ينتقدوا بعضهم بإخلاص أيضاً.
-وهل يُعقل أنهم أصدقاء؟ هي مجرد علاقة عمل.
-على أي حال، أصحاب التعليقات الكريهة يجب أن يذهبوا ليموتوا فحسب كان بإمكانهم الانتظار بهدوء قليلاً.
وبفضل ذلك، شعر الذين انتقدوا تهوّر هان سي أون وغطرسته طوال الأيام الماضية بالحرج.
وأكثر من أصبح موقفه مربكاً هو فاندوم Drop Out.
من حيث المبدأ، ما فعله Drop Out لم يكن صائباً.
فمعجبيهم كانوا متّحدين في مهاجمة هان سي أون، ثم يظهر الفريق بإشارة من نوع نحن في الحقيقة مقربون ؟
من الطبيعي أن يشعر المعجبون بالاستياء.
ولو كان الأمر كذلك، لكان الأفضل أن يوضح Drop Out موقفه منذ لحظة صدور نتيجة كاشف السقوط .
المشكلة ليست في صحة الفعل أو خطئه، بل في ترتيب الأحداث.
ومع ذلك، كان فاندوم Drop Out هادئاً على نحو غير متوقع.
لم يكن الأمر خالياً تماماً من الانتقادات، لكنه لم يصبح رأياً سائداً.
والسبب كان بسيطاً
“أنتم لستم من هذا النوع!”
لا أحد يعلم إن كان Drop Out صادقين في اهتمامهم بالمعجبين أو يفكرون بالمعجبين فقط.
فالآيدول بشر أيضاً، وعندما تمرّ السنوات ويزداد النجاح يهتم المرء بحياته الخاصة.
لكن Drop Out كانوا على الأقل يعرفون كيف يَظهرون بشكل لائق.
كانوا يعرفون كيف يشكرون الجمهور على دعمهم، ويأخذون مشاعر المعجبين في الاعتبار عند اتخاذ قراراتهم.
ولذلك، بدا من غير المعقول أن يتصرفوا هكذا دون سبب.
يضاف إلى ذلك سبب آخر: Drop Out ليسوا من النوع الذي يقيم صداقات علنية مع الفرق الأخرى.
لا أحد يعلم كيف هم خارج الكاميرا، لكن رسمياً ليس لهم أي فريق صديق
ففي البرامج الترفيهية التي ظهروا فيها، ظهروا دائماً معاً كفريق واحد دون اختلاط.
لذلك فضّل فاندوم Drop Out الصمت المؤقت.
إلى متى؟
إلى حين صدور
[يوميات الاستقلال – الحلقة 1 لـ ثلاثة أشهر ومئة يوم! قريباً!]
ولم يكن فاندوم Drop Out هم الوحيدين الذين ينتظرون هذا المحتوى.
الذين تابعوا قضايا هان سي أون أيضاً لم يستطيعوا كبح فضولهم بشأن ما سيظهر فيه.
عادةً تكون برامج الآيدول الخاصة شيئاً لا يشاهده إلا مهتمّون محددون، أما هذه المرة فالوضع مختلف تماماً.
والأذكياء التقطوا الغموض من عنوان المحتوى
“يوميات الاستقلال”.
-استقلال؟ من ماذا؟
-لا يكون من ليون ؟
-لا، بالتأكيد من سيأتي لاحقًا
– ههه هناك شيء غريب إنتاج محتوى خاص يعني أنهم سيبدؤون نشاطهم، لكن شركة ليون لم تقل شيئاً.
-إذن هل أنشأ هؤلاء المبتدئون شركة خاصة واستقلّوا؟ هل يعقل هذا؟
-طبعاً لا ههه مدراء الشركات لن يقبلوا بذلك سيكونون في القائمة السوداء فوراً.
-هل يمكن أن يكون الأمر إعلاناً غير مباشر؟ مثل: لم نعد تابعين لليون فلتتعاقد معنا شركة أخرى .
– هذا الاحتمال الأقوى فعلاً.
-وماذا عن Drop Out؟ هل هم مجرد معارف ثلاثة أشهر ومئة يوم؟ هل سيظهرون في محتوى خطّطه آيدول مبتدئون بلا شركة في فترة نشاطهم المزدحمة هذه؟
– ههههه فعلاً، لو فكّرنا بهذا الشكل، يصبح الأمر غير منطقي تماماً هههه-الوضع مربك، مربك جداً.
-لماذا يبتسم Drop Out هناك؟ على أي حال، هان سي أونون فضحهم أشعر بفضول قاتل.
-ربما سي أون ابن عم سي دو؟ كلاهما يبدأ اسمه بحرف سي.
-هممم… لو كان الأمر كذلك لظهرت تصريحات رسمية من قبل.
-ما هذا الكلام يا غبي؟ سي دو اسم فني، أما سي أون فهو اسمه الحقيقي.
وفي خضم هذه الأحداث، شعر تشوي داي هو بإحساس بالخطر.
• نهـاية الفصل •
حسـابي انستـا [ i.n.w.4@ ]
التعليقات لهذا الفصل " 101"