بصوتٍ حادٍّ اخترق السكون:
“فووووووووش!”
كان يَوون-هوي في تلك اللحظة يشقُّ طريقه عائدًا إلى داره،
ذاك راكبًا ريحَ قدميه بسرعةٍ تكاد تلحق بالبرق.
المسافة التي استغرق في ذهابها ثلاثة أيامٍ وثلاث ليالٍ بلا راحة، عاد يقطعها في نصف نهارٍ لم يكتمل بعد.
وبقي أمامه قليلٌ حتى يبلغ المقصد، لكنه أيقن أن الوصول بات قريبًا.
ورغم هذا العدوِ المذهل، لم يهدأ قلبه من القلق؛
فلعهده مع زوجته بتمام البدر كان لا يزال يثقل صدره.
إذ خرج يوون-هوي توًّا من كهف سيِّد السيف،
فأحسَّ بجوعٍ يعصر أحشاءه،
فألقى رحله في قريةٍ قريبة يلتمس فيها زادًا،
ودخل خانًا يطلب طعامًا.
وبينما هو يأكل الرامن بسرعة، التقط سمعه حديث بعض التجار في الطاولة المجاورة،
ففوجئ بأن الزمان قد سبق حسابه بيومين كاملين!
‘لِمَ يا تُرى؟’
حسابه كان دقيقًا، وفي حياته السابقة حين التقمَ في الكهف كرةً ذهبيةً من طاقة السيف وأُغشي عليه، لم تزد غيبوبته عن أقلَّ من نصف شهر.
ومن ثمَّ قدّر مهلة البدر احتياطًا.
ولكن، كيف مضى البدر وزاد يومان فوقه؟
‘لا يُعقل.’
رمى ما بقي في الطبق في فمه على عجل، واندفع مسرعًا إلى الطريق.
قد يقول قائل: ما ضرَّ يومٌ أو يومان؟
لكنها زوجة وثقت بعهدٍ لم يزدها فيه كلام، فما أراد أن يُثقل قلبها بقلقٍ زائد.
ومع ذلك، كان قد فات الأوان.
‘لا بد أن أزيد السُّرعة.’
“فوووووووووش!”
ازداد جسده اندفاعًا، كالسهم انطلق.
—
في قرية سودام، كان القوم في سكينةٍ ومرح.
قال رجلٌ لآخر:
“أيُّها الصديق، إنَّ زوجتي اليوم قد طبخت دجاجًا كثيرًا، أفلا تجيء للعشاء؟”
فأجاب الآخر ضاحكًا:
“أوه، بلى، وأنا أجيء بمخلَّلاتٍ جديدة صنعتها، أأحمل معنا شرابًا؟”
“هَهْ! أفي النهار يا هذا؟ أتحب أن تُنزل الزوجةُ غضبها؟”
“آهٍ، صدقت، خسارة! تِكْ.”
“لا بأس، ألم يبقَ لنا الليل؟”
“أوه، أليست ستغضب كذلك؟”
“بل أقول لها: لقد صبرتُ حتى الليل.”
“هاهاها! لا ريب أنك أشدُّ منّي.”
فجأة، صوتُ صفعةٍ على ظهره:
“آه! من أوجعني؟ … أوه، زوجتي!”
“أتتداعى في صحَّتك، فأعددت لك مرق الدجاج، ثم تجلس مع رفاقك تخطِّط للشرب؟”
“هذا مستحيل، يا امرأة، هذا الصاحب هو من أراد، فأنكرتُ عليه.”
“ثم تجلسون للشرب ليلًا؟”
“آه… سمعتِ؟ هاها.”
فمضت عنه وهي تقول:
“هَيَّا قبل أن يبرد الدجاج.”
ومضى الرجل وهو يضحك ويقول لرفيقه:
“انطلق وأتِ بمخلَّلاتك، أسرع!”
“هاهاها، حسنًا، ألحق بك.”
—
كانت القرية على سفح جبلٍ مجهول الاسم، مكانًا صغيرًا لكنه عامرٌ بالمودَّة، تختلف الألسن وتعلو الأصوات أحيانًا، لكنَّ القلوب متواصلة، والأيدي متعاضدة.
طفلة صغيرة دخلت السوق ممسكة بيد أمها،
فنادتها امرأة:
“يا أهلاً بيولا الصغيرة! أعدتِ من السوق؟”
“نعم!”
“أترغبين في حلوى؟ هاكِ قطعة كعك، امضغيها جيِّدًا.”
“شكرًا!”
وأمُّها، بينغ سوين، ابتسمت ممتنَّة وانصرفت في هدوء، وأعين القوم تلحقها بإعجاب.
قالت إحداهن:
“ما أجملها!”
“أتقصدين يولا أم أمها؟”
“كلاهما، ولا ريب.”
فالحقيقة أنّ هذا البيت حين جاء أوَّلاً، ظنَّ القوم أنهم لن يلبثوا، فهي تبدو ابنة بيتٍ كريم،
وزوجها نحيلٌ ككاتبٍ يدرِّس الحروف، مبتسمٌ دائمًا بلطفٍ.
لكنهم ثبتوا في المكان، وأنجبوا الطفلة، وأحبَّهم الناس جميعًا.
سأل رجل:
“أين والد يولا اليوم؟”
فأجاب آخر:
“لعلَّه ذهب لتعليم الحروف في قريةٍ مجاورة.”
لكن وجه سوين تغيَّر، فحواسها أشدُّ من عامة الناس، وكانت تسمع همس الكلام من بعيد.
‘ما الذي حدث؟’
زوجها لا يخلف وعدًا، ولا يرحل بلا سبب، لكنها سلَّمت الأمر لثقَتها به.
‘هل أصابه مكروه؟’
هزَّت رأسها لتطرد الوساوس:
‘لا، لا. سيعود عمّا قليل.’
ثم حدث أمرٌ غير مألوف.
ضجَّة عند مدخل القرية، وثلاثة غرباء بأحزمة السيوف، وجوههم قاسية، يبتسمون بسخرية.
حدَّقت فيهم بعينيها الضيِّقتين.
—
في دار العمدة، قال الرجل العجوز نوجين مو متعجِّبًا:
“ماذا تقولون؟”
فأجابهم أحد الغرباء بلهجة ساخرة:
“ألا تفهم قولنا؟ ندعوكم لدفع مالٍ كل شهر، ونحن نحميكم من اللصوص.”
فقال العمدة بصرامة:
“لسنا بحاجة لحمايتكم. لم نعرف أذى اللصوص، وإن وقع شيء اجتمع رجالنا ودفعناه.”
ضحكوا وقالوا:
“هاها، إذًا سترفضون؟ حسنٌ، فاعتبرونا لصوصًا من هذه الساعة.”
ثم جذبوا العمدة من طوقه فأسقطوه أرضًا،
فهاج القوم:
“ما هذا؟!”
لكن الفرسان الثلاثة تهاووا ضاحكين.
قال كبيرهم:
“من اليوم، كل شهر هاتوا المال، وإلا سلبناكم بالقوة.”
وازداد غضب الرجال، لكنهم لم يملكوا دفعًا، إذ ظهر أحد الأشداء، رجلٌ ضخم يدعى لي سي، اشتهر بقوته الجبارة.
قال بصوتٍ هادر:
“اعتذروا وانصرفوا وإلا ندمتُم!”
لكن الكبير تبسَّم، وحين اقترب لي سي ليبطش به، تنحَّى الرجل خطوة، ثم ركله في صدره ركلةً واحدة أسقطته أرضًا.
“أوه!”
وما لبث أن رفع قدمه فصكَّ بها فكَّه، فانكسر الصوت كالعظم اليابس، فسقط لي سي يتلوى في الألم.
ضحك الكبير وقال:
“أين ذهبت قوتك يا هذا؟”
وانهالوا عليه ضربًا وركلًا حتى سالت دماؤه، والناس مدوشهة، عاجزة، والنساء يحجبن وجوه أطفالهن.
سَيويون ضمَّت يُولا إلى صدرها، وقلبها يغلي، لكنها كبحت نفسها، فليست الساعة مناسبة.
وحين أوشك لي سي على الهلاك، صرخ العمدة وهو يغالب الدموع:
“كم تريدون؟”
فتوقفت الأقدام في الحال، والسخرية تعلو الوجوه.
“ها قد عقلتم.”
وهكذا، في قريةٍ ظنَّ أهلها أن السلام أبديّ، حلَّ الكابوس.
التعليقات لهذا الفصل " 4"