2
“أبيي!”
طفلة محبوبة أشرقت أساريرها بابتسامة عذبة ولوّحت بيدها الصغيرة.
وبجوارها كانت زوجه الحبيبة، التي طال شوقه إليها، تُزيّن شعرها الصغيرة بإكليلٍ بهيّ.
ابتسم يوون-هوي ولوّح لابنته، غير أنّ شعور الدهشة لم يزل متشبثًا به.
‘أهذا حقًّا واقع؟’
مضت أيام، ومع ذلك لم يستطع يوون-هوي تصديق ما يعيشه الآن.
إنّ للخيال حدًّا، غير أنّ ما بين يديه أمر جاوز كل مألوف.
خواطر شتّى أخذت تجول بفكره.
أهو نوع من التشكيل؟ أم وهمٌ من الأوهام؟
لكنّ الاحتمال ضعيف جدًّا.
فالذين نازلوه في جبل دَيسُل، أكانوا أعداء أم خصومًا، كانوا جميعًا يدّعون النقاء والطهر.
أيكون مثل هؤلاء يستعملون حيل الأوهام؟
هزّ رأسه رافضًا الفكرة.
‘لو كان في الأمر حيلة خبيثة لكانوا صرّحوا بها أو استعملوها جهارًا، غير أنّ هذا بعيد كل البعد.’
أولئك القوم يُعظّمون المظهر فوق كل شيء.
ثم لو أنّ هناك مَن أدار هذا الوهم، أيليق به أن يفعله أمام تلك الجموع من أهل النقاء الزائف؟
وفوق ذلك، فإنّ ما يراه الآن لا يقلّدُه حتى كبار المجرّدين في طرق السحر، مثل “ساحرة الناقاشي” أو “أمير أحلام الألوان”، وهما من كبار الأبالسة.
م. ألقاب مقاتلين
وهو نفسه، الذي واجههما وأجهز عليهما، يعرف ذلك حقّ المعرفة.
فإن لم يكن كذلك…
أخذت أفكاره تنتظم.
لا يدري ما الشرط الذي استدعى هذا، ولا السبب الذي جعله يحدث، لكنّ الواضح،
‘إنّه… ارتدادٌ إلى الوراء حقًّا.’
أمر مدهش بلا ريب.
ذكريات زمن “دم الشيطان” لم تكن حلمًا، وقد ارتدّ الزمان إلى الوراء، غير أنّ ذاته وحدها بقيت كما كانت.
إنّه لم يعُد ذاك الأديب العادي يوون-هُوي الجاهل بفنون القتال، بل هو “شيطان الدم” الظامئ للانتقام.
أحاسيس تلك الأيام، يوم كان يشقّ أدغال العالم بحثًا عن ثأره، كانت ما تزال حيّة فيه.
حتّى ذلك الشعور الذي لم تشبعه الدماء، ظلّ متقدًا في أعماقه.
لكن…
على كثرة ما قتل وجرح، ما حاد عن يمينه في قتل بريء قط.
الذين أزهق أرواحهم جميعهم كانوا ممّن يستحقّون الموت.
نعم، لقد تلطّخت يداه بالكثير، لكنّه لم يعرف الندم.
فهو، “شيطان الدم”، لم يكن ضعيفًا ولا غبيًّا ليبكي على ما مضى.
“قهقهة.”
لمح فجأة زوجته بَينغ سوين وابنته يَولا.
انتقام؟
انتقام، هاه…
‘لا حاجة للانتقام بعد الآن، على ما يبدو.’
ها هو ذا قد استعاد من فقدهما.
فما الحاجة إذًا إلى الثأر؟
لقد عادت إليه أغلى ما فقد.
شعور غريب تملّكه.
ذاك الذي أمضى عمره أسير الانتقام، ها هو ذا يهمّ بترك السيف جانبًا.
كأنّه يخلع عن قبضته التي شدّت طويلاً حتى اسودّت، سلاحًا ألفه، بصعوبة بالغة.
أمرٌ عسير، لكن لا بدّ منه.
لقد وُلد هدف جديد، أبهى وأقدس:
حماية زوجه وابنته، أسرته.
وما الحاجة إلى التردّد؟
هذه حياة أُذن له بها مرّة أخرى.
لا يدري كيف حظي بها، ولا أيّ نهاية تنتظره، لكنه حزم أمره ليعيش من أجل هذا الهدف وحده.
‘ولأجل ذلك…’
تأمّل كفّيه، ثم قبضهما بقوّة.
إنّ هناك أمرًا يجب فعله أوّلًا.
—
“هاك هذا، أعددت لك كُرات الأرز وبعض شرائح اللحم، كلأً لك في الطريق، فلا تنس أن تأكل.”
ابتسم يَوون-هُوي وهو يأخذ الصُرّة من يد زوجه بَينغ سويَن في صباحٍ باكر.
“شكرًا لكِ.”
“قلت إنّ الطريق يستغرق نصف شهر، أليس كذلك؟”
أومأ برأسه.
“لا أعلم ما الأمر، لكن عد سالمًا.”
“أعتذر لذهابي المفاجئ.”
هزّت رأسها نافية.
“لا عليك، لست ممّن يُسيء التصرف، فاذهب مأجورًا وعد إلينا.”
“سيكون كذلك.”
“أبي، متى تعود؟ أما آتي معك؟”
أخذ ابنته الصغيرة يَولا التي تعلّقت بثوبه.
“أبوك في شغلٍ عاجل، وسيرجع سريعًا، فهلا صبرتِ قليلًا؟”
“أريده أن آتي! “
“يا يولا، ما رأيك أن نذهب اليوم إلى السوق مع أمّك؟ سأشتري لك حلوى تحبينها.”
“حقًّا؟”
“بل وسأشتري اثنتين هذه المرّة.”
“أواه! حسنٌ، حسن!”
تهلّلت أساريرها، وذهب عنها الحزن.
ضحك يَوون-هُوي، وأخذ ينظر إلى أسرته بعين ملؤها المحبة.
فابنته التي استعادها بعد فقدٍ مرير، صارت أعزّ ما يملك.
“إذاً إلى اللقاء.”
انطلق في الطريق.
وحين التفت بعد حين، وجد زوجته وابنته لا تزالان تُلوّحان له.
أشار إليهما بأن عودتهما أولى، لكنّهما واصلتا التلويح باسمي الوجه.
لم يفارق الابتسام ثغره.
سيفتقدهما. كثيرًا.
لكن لا مفرّ.
كان هذا الاختيار لازمًا.
فهو لا يريد فقدهما مرة أخرى.
ولأجل ألا يقع ذلك، يحتاج إلى قوّة، قوّة لا تُقهر.
لكن تلك القوّة ليست معه الآن.
فقد عاد بروحه لا بجسده، وكل ما حازه من قوى “كشيطان الدم” لم يعد إليه.
وذلك أمر موجع.
وإلّا فسيعيد التاريخ نفسه، وسيكون شاهدًا عاجزًا.
وذاك أفظع من الموت.
فأقسم أن يتحرّك لينال القوّة.
وكيف؟
لِمَ دُعي يَو وون هُوي “شيطان الدم” وهو لا يعرف حرفًا من فنون القتال؟
لأنّه وحده نال حظًّا من إرث “سيد الحرب”.
ذاك الكهف المنيع الذي خُبّئ فيه كلّ إرث ذاك العظيم، لا يعرف موضعه سوى هو.
وفي هذه المرّة عزم أن يسبقه.
—
ذكرى قديمة تتأرجح في ذهنه.
“…أدركوه! ما كان ليبتعد كثيرًا!”
زمرة من الرجال، في أيديهم السيوف والمشاعل، يجوبون البقاع.
“هَاه… هَاه…”
يمسك يده النازفة ويعدو بجنون.
‘تبًّا… تبًّا… تبًّا!’
لقد فشل.
فشل في قتل ذلك الوغد الذي أحرق قريته وقتل ابنته.
وها هو الآن يجرّ جراحه، هاربًا من مطاردة غادرة.
ولولا أنّ السمّ قد دبّ في خصمه، لما نجا لحظة.
فلولا ذلك لمات لا محالة.
لم يتعلّم فنًّا من فنون القتال يومًا.
لكنه أعدّ واستعدّ ما استطاع.
ومع ذلك، أخفق اغتياله.
فالخصم كان من أهل الطبقة العليا، من صفوة المقاتلين.
وفي مواجهته بدا كوحش لا يُقهر.
خططه لم تنفع، ولم يبقَ أمامه شيء.
‘كم أنا عاجز…’
لحظة أحسّ فيها بحدود قوّته.
لكنه لم يرضَ بالموت.
لا بدّ أن ينتقم لذاك الحريق ولابنته.
فلا سبيل إلّا البقاء حيًّا.
حينها سيأتي يوم الحساب.
“هَاه… هَاه…”
نزف كثيرًا، لكن عزيمته لم تلن.
هرب كالمجنون.
ولم تكن المطاردة هيّنة.
كان عليه أن يتوارى في مكان لا يهتدي إليه أحد.
فاندسّ في كهف مهجور لم تطأه قدم منذ مئات السنين.
—
“ها قد وجدته.”
وقف الآن، لا داميًا ولا متهالكًا كما كان، بل بكامل قواه، أمام كهف في قلب الجبال.
ثلاثة أيام قضاها ماشيًا منذ مغادرته بيته حتى بلغ المكان.
مسح العرق عن جبينه وابتسم.
“كدت أنسى موضعه، والحمد لله أنّي وجدته.”
كان الكهف كأن لا مدخل له، إذ غطّت الأشجار والأشواك فوهته.
حتى الحيوان لا يقصده.
ولذلك اتّخذه ملجأ يوم طورد.
لكن وقتها، حين اندفع بين الأشواك، تمزّق جسده.
الدماء، الألم، والذكرى العصيبة، كلّها انطبعت في نفسه.
لكن الآن تغيّر الحال.
“فلنبدأ إذًا.”
بدأ يزيح الأغصان والأشواك بتمهّل.
لا حاجة لاقتلاع كل شيء، يكفي أن يفتح ممرًّا.
وحين فرغ، أطلّ برأسه.
لكن فجأة،
“آهخ! كح كح!”
اندفعت ذرات الغبار إلى أنفه وفمه فكاد يختنق.
لم يشعر بها حين كان ملهوفًا سابقًا، لكن الآن بدا الهواء خانقًا.
مكان لم يدخله أحد منذ قرون، سدّت الأشجار والكروم أنفاسه.
لكنه لم يتوقف.
‘هيّن.’
لقد عركته الآلام حتى اعتادها.
غطّى أنفه بكمّه وتوغّل.
وعيناه تشعّان شوقًا وتوقًا.
فهنا، في هذا المكان، يرقد كلّ إرث “سيد الحرب”، أقوى من وطئ الأرض.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع

📢 المنتدى العام عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.

🎨 إمبراطورية المانجا عـام
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...

📖 نادي الروايات عـام
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
Chapters
Comments
- 6 - وجهه كأنما رأى شبحاً 2025-08-30
- 5 - معلم الحروف 2025-08-30
- 4 - الكابوس اللذي حل بقرية سودام 2025-08-30
- 3 - صلة القدر بسيد الحرب 2025-08-30
- 2 - هذه المرة حتماً 2025-08-30
- 1 2025-08-09
التعليقات لهذا الفصل " 2"