1
الفصل الأول – المقدّمة
طعن!
قطع.
تمزيق.
صليل!
«أسرعوا! لا تدَعوه يفلت من أيديكم بحالٍ من الأحوال!»
جبال الثلج العظيمة.
جماعاتٌ من فرسانٍ يحملون السيوف، يندفعون بخطى كالريح إلى جهةٍ مجهولة.
غير أنّ ألوان ملابسهم، ونقوش الشعارات المطرّزة على صدورهم، كانت مختلفةً أشدّ الاختلاف من فرقة إلى أخرى.
«هاه…!»
عند أسفل الجبل، وقف رجلٌ في منتصف العمر، ومعه فتاة شابّة، يتأمّلان المشهد بدهشة.
قال الرجل:
«جماعة تَشَم، وأمِي، وغونغ دونغ، وهاي نام، وتشيونغ سونغ… وفوق ذلك شاولين، ومعبد وودانغ… لعمري لقد اجتمعَت الطوائف التسع الكبرى كلّها في هذا المكان.»
أجابته الفتاة:
«صدقت يا سيدي. لم أظنّ أنّي سأرى بعيني قوّة “شبكة السماء والأرض” التي نشرها تحالف عالم القتال، وقد انضمّت إليها الطوائف التسع الكبرى أيضاً. يبدو أنّهم عقدوا العزم حقّاً على أمرٍ جلل.»
«والخصم ليس أيّ رجل… إنّه “ذلك” الشخص بعينه. ثم إنّ سيّد السيف، وشبح الرمح بشحمه ولحمه.»
«ثلاثة من بين “الاثني عشر سيّداً تحت السماء”؟»
«بل أربعة، إذ إنّ المعلّم موهُو، كبير شاولين، قد أتى هو الآخر.»
–«ياللهول!»
نظرت الفتاة إليه مبهوتة لا تكاد تصدّق، فأومأ الرجل برأسه، وبريقٌ باردٌ في عينيه.
«ظاهر الأمر أنّهم يريدون القضاء على قاتلٍ سفّاكٍ جلب الكوارث، ولكن في الباطن لهم مقاصد أخرى.»
«طمعاً في فنونه القتالية، أليس كذلك؟»
«نعم… ونحن أيضاً جئنا لهذا السبب، لكن يبدو أنّنا تأخّرنا. إنّي أرى أنّه اليوم لن يغادر جبال الثلج حيّاً.»
قالها وفي نبرته شيءٌ من الأسى، لكن تلميذته الشابّة هزّت رأسها قائلة:
«لكنّه جنى على نفسه. ليس في الأمر ذنبك يا معلّمي.»
«غير أنّي أسألك، يا هيانغ آه… هل تظنّين أنّه حقّاً سفّاح مجرم؟»
«هاه؟ ما الذي تعنيه…؟»
«لا أدري… ولكن يساورني شك.»
راح يعبث بالمروحة التي يمسكها، ثم أردف:
«إنّ “ساحرة الجحيم”، و”شيطان القناع الأسود”، و”أمير الحلم الشهواني”، وجماعة “قصر الأرواح الميتة”… أليس جميع من قتلهم من أعتى المجرمين في أرجاء الأرض؟»
«لكنهم ليسوا وحدهم. ففي سيتشوان، قَتل “بطل السيفين التوأمين” المشهود له بالشهامة، كما قتل “الأسد الأسود” فخر أسرة جونغ لي. ثم إنّ طائفة “بوابة السيف الذهبي” فَقَدت بسببه كبير شيوخها ووارث منصب القيادة، حتى اضطرّت إلى إغلاق أبوابها عشر سنين. كم من نفسٍ بريئة أزهقها…»
«إذن فأنتِ ترينه سفّاح
اً قاتلاً؟»
«نعم، هذا ما أراه.»
«هكذا إذن…»
ابتسم الرجل ابتسامةً هادئة وهو يتأمّل صدقها في الجواب.
حقّاً، كم من الرقاب قد سقطت تحت سيفه؟ لو حُسِب الأمر بالعدد، لكان وصف “القاتل السفّاح” أهون من الحقيقة. ولهذا جرى هذا الاضطراب العظيم في عالم القتال.
غير أنّه في نفسه تمتم:
«بريئون؟… وهل هم حقّاً كذلك؟»
فالتلميذة الصغيرة لم تدرِ بعدُ كم يُمكن للقويّ أن يبلغ من دركات الفساد والدناءة في الخفاء، بعيداً عن أعين الناس.
رفع الرجل بصره نحو أعالي جبل الثلج، حيث يتوقّع أنّ معركةً دموية تدور رحاها الآن.
هناك، في قلب تلك المعمعة، يقف ذلك الذي يسمّونه “القاتل السفّاح”.
«يا للخسارة…»
تذكّره الرجل منذ لقائهما الأوّل، ولم يدرِ هل كان أسفه على الفنون القتالية التي يحوزها ذلك الرجل، أم على أمرٍ آخر.
—
…أين أنا؟
ومن أكون؟
ولماذا أمامي هذا العدد الهائل من الجثث المضرّجة بالدماء؟
هَووووووووو…
كان واقفاً عند حافّة جرفٍ شاهق، وأصابع قدميه على حافة الهاوية، ثم رأى أنّ يديه مرفوعتان دون وعي منه.
كانتا ملوثتين بدماء لزجة، مزيجٍ من دمه ودماء آخرين…
ما الذي يحدث…؟
وفي تلك اللحظة، صرخ أحدهم من بعيد:
«أيها دمويّ! يا عدوّ البشرية! اليوم هو يوم هلاكك!»
…دموي؟ أهو يقصدني أنا؟
وفجأة تدفّقت الذكريات…
بيتٌ سعيد بسيط… زوجة رحلت باكراً بداءٍ عضال… حربٌ اندلعت بفعل صراعات أهل القتال… طفلة صغيرة، هي مهجة قلبه، ماتت ظلماً في أتون ذلك الجنون…
آه… آه… نعم، هكذا كان الأمر.
قَضَم على أسنانه حتى كاد صوتها يُسمع.
منذ ذلك اليوم الذي فقد فيه كلّ شيء، فقد صوابه، وصار يقتل كلّ فاسد في عالم القتال، سواء من أهل الخير أو الشرّ، ما داموا من الصنف المتعفّن ذاته.
طفلته البريئة، التي لم تتعلّم فنّ القتال، أي ذنبٍ جنت؟
لكن الغريب أنّه ما أكثر ما وجد من الفاسدين، حتى غدا اسمه “شيطان الدم” الذي عمّ صيته الآفاق.
والآن، كان محاطاً بأكابر قوّة عالم القتال، أربعة من “الاثني عشر سيّداً تحت السماء”، ومعهم زعماء الطوائف الكبرى.
أمرٌ يثير السخرية…!
قال كبير شاولين، المسمّى “موهو” الملقّب بـ”إمبراطور القبضة”:
«وارث فنون سيّد الحرب! كيف لك أن تُثير هذا الإعصار الدموي المروّع؟ ألا تملك ذرة رحمة؟»
اخرس أيّها الراهب… ما أجهلك بالحقائق.
اشتعل الغضب في صدره، وقال بصوتٍ يغلي دماً:
«لا أشعر بالخزي قيد شعرة مما فعلت… كلّ من قتلتُهم كانوا أوغاداً يستحقّون الموت!»
«أيّها الوغد! كيف تجرؤ…!» صرخ زعيم طائفة تَشَم، فأجابه:
«لأنّهم من طائفتك؟!»
ثم جال ببصره في وجوه أولئك الذين يدّعون النقاء وهم يخفون عارهم:
«تسترون على المجرمين لأنهم منكم، وتدّعون أنّكم أهل النور؟ بل تُلقون بكلّ الآثام عليّ لتبرّؤوا أنفسكم! فأيّ بياضٍ تزعمونه لأنفسكم؟!»
تنفّس الراهب الكبير “آميتابها” ببطء، بينما تهيّأ بعضهم للهجوم.
تجادل كبار المقاتلين فيما بينهم، بعضهم يطالب بقتله في الحال، وبعضهم طامعٌ في فنونه القتالية التي ورثها عن سيّد الحرب، حتى بدت دواخلهم القذرة جليّة.
فضحك، رغم جراحه الغائرة وفقدانه الدم الكثير، ضحكةً مريرة:
«ما أنتن هذا العالم…!»
قال في نفسه:
«حسناً… سأقتلُكم جميعاً.»
جمع ما بقي له من طاقة داخلية، فانطلقت موجةٌ من القوة حوله، فصاح أحدهم:
«احذروا جميعاً!»
وتهاطلت الضربات…
ضربة “رعد السماء الأزرق”!
وانقضّ “شبح الرمح” ومعه سائر الفرسان.
صرخ بكلّ ما بقي فيه من نفس:
«آآآآاه!»
تصادمت القوى، وانفجر الجوّ بريحٍ هوجاء، لكن سرعان ما خبت طاقته، وجاءت الضربات عليه مجتمعة، فطار جسده كطائرٍ قُطع خيطه، متدحرجاً نحو الهاوية بلا قرار.
«تبّاً… لو أنّ لي سنةً واحدةً فقط…»
لسوى حسابه مع قاتلي ابنته، لكنه لم يملك ترف الانتظار، فدفعه عجَل الانتقام إلى استعمال الفنّ الأعظم قبل أن يتمكّن منه تماماً.
والآن… يسقط نحو قاعٍ لا يُرى.
«…إلى هنا إذن ينتهي أمري.»
«سامحيني يا “يولا”… سامحيني يا زوجتي… سامحوني جميعاً…»
حلّ الظلام في عينيه، وخيّم عليه الصمت الأبدي.
غير أنّ…
دووووم!
«أه!»
شعر بثقلٍ يهبط على بطنه.
ما هذا؟
«أبي!»
فتاة صغيرة، في السادسة من عمرها تقريباً، تقف فوقه تبتسم ببراءة.
«…ها؟»
لم يقدر على النهوض، ظلّ يحدّق فيها بعينين دامعتين.
«أهذا حلم؟»
قبل لحظاتٍ كان يسقط إلى الجرف، فكيف وجد نفسه هنا؟
أدار رأسه، فإذا بالغرفة مألوفة لديه: أثاث قديم لكنه نظيف ومرتب…
«أيمكن أن يكون…؟»
وفجأة، انفتح الباب:
«يولا، أما أيقظتِ أباك بعد؟»
اتّسعت عيناه، وغمرته الدموع.
ها هي زوجته… وها هي ابنته… اللتان اشتاق إليهما دهراً، واقفتان أمامه، تبتسمان كما كانتا في أجمل أيامه.
لقد وقعت… الـمُعجِزَة.
꧁꧁꧁꧁꧂꧂꧂꧂
قناتي على التيليجرام
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع

📢 المنتدى العام عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.

🎨 إمبراطورية المانجا عـام
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...

📖 نادي الروايات عـام
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
Chapters
Comments
- 6 - وجهه كأنما رأى شبحاً 2025-08-30
- 5 - معلم الحروف 2025-08-30
- 4 - الكابوس اللذي حل بقرية سودام 2025-08-30
- 3 - صلة القدر بسيد الحرب 2025-08-30
- 2 - هذه المرة حتماً 2025-08-30
- 1 2025-08-09
التعليقات لهذا الفصل " 1"