9
وجهة نظر فيليكس
تسللت أشعة الشمس عبر الستائر، تلامس وجه فيليكس برفق، ففتح عينيه ببطء.
تلألأ الضوء في حدقتيه، فبدتا كقطعتي ياقوت تستيقظان من ليلٍ طويل.
جلس باستقامة وهو يرمق النافذة.
كان الصباح رائعًا، أنقى بكثير مما ينتظره خلال هذا اليوم المزدحم.
تثاءب قليلًا، ثم نهض من سريره ممررًا أصابعه بين خصلات شعره، يشعر بالهدوء يتسلل إلى صدره.
دخلت إحدى الخادمات صامتة، تحمل الإفطار والشاي.
لم ترفع عينيها ولم تنبس بكلمة، وكانت رعشة خوف خفيفة واضحة في يدها.
تنهد فيليكس وهمس قبل أن تغادر مطرقة رأسها.
“شكرًا لكِ…”
لم يكن يكترث بما يظنه الناس عنه عادة، باستثناء أصدقائه ومن يعملون معه.
رفع كوب الشاي واحتسى منه ببطء.
ماريان كانت محقّة؛ الشموع ساعدته فعلًا على النوم. ربما لهذا يشعر بخفة غريبة هذا الصباح.
فتح النافذة.
كانت تطل على إحدى بحيرات القصر؛ نفس الغرفة التي يصر ليوناردو دائمًا على أن تكون له.
ابتسم حين رأى الخدم يعملون بهدوء قرب المياه، وبعض أطفالهم يركضون ويلعبون في البراري القريبة.
بدا الأطفال لطفاء…
تمنى لو استطاع اللعب معهم يومًا.
لكن أي طفل سيرغب بالاقتراب من شخص مثله؟
بشرة شاحبة، عينان حمراوان، وأنياب تلمع كأنها تذكير دائم بأن لا أحد حوله آمن.
لم يلمهم قط.
كان يعرف أنه مخيف… حتى لو لم يقصد ذلك.
والأطفال… كانوا دائمًا عالمًا يقف بعيدًا عنه.
“على الأقل تستمر طفولتهم كما يجب…”
همسها لنفسه وهو يغلق النافذة،
وقد عاد ذلك الضيق القديم يزحف إلى صدره من جديد.
ـــــــــــــــــ
كان أمامه متّسع من الوقت قبل بدء المأدبة.
فتح صندوقًا صغيرًا، أخرج منه فرشاة ولوح رسم، ثم جلس في شرفة غرفته حيث ينساب الهواء العليل عبر الدرابزين.
بدأت يده تتحرك بخفة لا تُشبه صرامته التي يراها الجميع. تبدو الخطوط في البداية فوضوية، بقعًا لا تنتمي إلى شيء، لكن شيئًا فشيئًا تجمعت الألوان مكونة اللوحة.
ظهرت بحيرة صغيرة، مزدانة بالزهور البرية على ضفافها.
طفلان يلعبان بالماء، يضحكان و يركضان خلف بعضهما.
وبالقرب منهما، تنحني امرأة تجمع الزهور بهدوء، وملامحها غارقة في الدفء و الطمأنينة.
وفي حافة اللوحة، كوخ أبيض ذو سقف خشبي، أمامه طاولة شاي صغيرة وكرسيان.
جلس رجل على أحدهما يحتسي الشاي، بينما استرخى أرنب أبيض وديع في حجره.
عائلة هادئة، وحيوان أليف، ولحظة سلام لم يعشها فيليكس يومًا… لكنه كان يتوق إليها.
استغرقت اللوحة منه ساعات، لكنه ابتسم عندما انتهى منها، ابتسامة هادئة… حقيقية.
إلى أن تسللت ضحكة يعرفها إلى مسامعه.
رفع رأسه.
نظر إلى الأسفل، حيث البحيرة التي رسمها، ورأى ماريان تلعب مع الأطفال.
ركضوا حولها، ضحكوا، وتمسكوا بثوبها دون خوف.
اتسعت ابتسامته أكثر دون أن يدري.
كان من الواضح أن الأطفال يحبونها… وأنها تنتمي لهذا المشهد أكثر مما ينتمي هو.
استند إلى حافة الشرفة وهمس لنفسه.
“إنها لطيفة…”
أخرج ساعته من جيبه.
كان الوقت قد مضى أسرع مما توقع.
دخل الغرفة ليستعد.
أخذ حمامًا سريعًا، ثم ارتدى ملابسه.
قميص أبيض ناصع، صُديري أسود، سترة قرمزية بزهرة صغيرة قرب الجيب، سروال مطابق، وأخيرًا قفازات سوداء.
توقف أمام المرآة، يتأمل انعكاسه.
بدا مرتبًا و هادئًا بما فيه الكفاية.
“حسنٌ… يبدو هذا جيدًا…”
وضع فيليكس ساعته في جيبه مجددًا، ثم جلس على الكرسي ليرتدي حذاءه.
نهض بعدها وتوجه نحو غرفة ماريان.
عندما بلغ الباب، رفع يده وطرق طرقًا خفيفًا.
“ماريان، هل أنتِ مستعدة؟”
جاء صوتها من الداخل، دافئًا كالعادة.
“أجل… فقط لحظة واحدة.”
تراجع خطوة إلى الخلف، معطيًا اياها بعض المساحه.
ثم انفتح الباب.
خرجت ماريان.
“آسفة… هل تأخرت؟”
لم يرد.
لم يستطع.
تسمّر في مكانه، يحدق بها كما لو أن عقله رفض أن يبحث عن الكلمات.
لم يتخيّل يومًا كيف سيبدو الفستان عليها، وإن فعلَ… فقد خانته مخيلته تمامًا.
الفستان الذهبي بدا كما لو أنه صُنع لها وحدها؛ جعل بشرتها تتوهج بلطف، وأسقط ضوءًا دافئًا على خصلات شعرها البنية.
أما تسريحة الكعكة البسيطة… فكيف لبساطة كهذه أن تبدو بهذا الجمال؟ لم يجد تفسيرًا لذلك.
وعيناها… لما كانت تحدق به بتلك العينين؟
زمردتان أكثر إشراقًا من المجوهرات التي ترتديها.
نضارة وجهها، وابتسامتها الهادئة، والوشاح الأبيض الذي انساب فوق كتفيها…
كل شيء فيها بدا أجمل من أي لوحة رسمها، وأجمل من أي لوحة حلم برسمها.
وجد صوته بعد جهد، وخرج منه همسًا مختنقًا.
“لا… لم تتأخري. هلا نذهب؟”
اقتربت منه وأمسكت بيده بابتسامة.
ارتسمت ابتسامة على شفتيه فورًا، ثم نظر إلى الجانب ليخفي ارتباكه.
قالت ماريان بلطف.
“تبدو رائعًا.”
همس فيليكس.
“شكراً لكِ…”
ثم أضاف.
“تبدين جميلةً الليلة.”
رفعت رأسها تنظر إليه مبتسمة.
“شكراً لك.”
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بمجرد أن دخلا قاعة المأدبة، اتجهت الأنظار إليهما موجة واحدة. لم يكن ذلك غريبًا؛ فالشائعات التي تدور حولهما لم تهدأ يومًا. فيليكس، الذي لم يُثبت عليه أذى، ظل رغم ذلك بؤرة لكل حكاية مظلمة، وماريان… الهاربة من بيتها. كان المشهد كافيًا ليجعل حضورَهما حدثًا بحد ذاته.
شعر فيليكس بتوترها من طريقة قبضتها على يده. شدّ عليها برفق، اقترب قليلًا منها وقال بصوت منخفض لا يسمعه سواها.
“لا تهتمّي لهم… هؤلاء القوم يبحثون عن أي ذريعة ليشعروا أنهم أعلى شأنًا. إن لم تصدّقي ما يقولونه عني، فلا سبب لتصدّقي ما يقولونه عنك.”
ارتسمت على شفتيها ابتسامة خافتة.
“أنت محق… شكرًا لك.”
فتح فيليكس فمه ليقول شيئًا آخر، لكن الموسيقى بدأت. فابتسم، كان ذلك مخرجًا من الجو الخانق.
“أتريدين الرقص، ماريان؟”
ازدادت نظرتها دفئًا.
“بالطبع، فيليكس.”
انحنى، ثم أخذ يدها وبدأت الرقصة.
كانا في مركز القاعة تقريبًا، كأن الموسيقى تلتف حولهما وحدهما. يتحركان مع كل نغمة بسهولة، بينما تتطاير الهمسات على الأطراف.
“فستانها رائع…”
“من كان يظن أن الدوق المتوحش… يجيد الرقص؟”
“إنها جميلة بحق…”
“تشبه والدتها كثيرًا…”
“لماذا خبّأتها عائلتها؟”
“هي مجنونة… ترقص مع الدوق؟ هذا جنون!”
لكن تلك الهمسات كانت بعيدة لا يصل صوتها إليهما.
سألها فيليكس وهو يقود الحركة.
“كيف تشعرين اليوم؟”
ضحكت ماريان برفق، كانت ضحكتها متوترة قليلًا.
“خائفة قليلًا… لكن لا بأس. سأكون بخير.”
أومأ بجدية.
“بالطبع ستكونين بخير. أنا والآخرون هنا. لن نسمح لأحد بأن يمسك بأذى… فقط ثقي بي.”
ارتعشت يدها في يده، بدا شيء في وجهها مختلفًا. نظر إليها فورًا بقلق خافت.
“ماريان… كل شيء على ما يرام؟”
حدّقت فيه لحظة، ثم قالت بصوت منخفض.
“أجل… أنا فقط… أثق بك يا فيليكس.”
ارتسمت على شفتيه ابتسامة هادئة، كانت دافئة و جميلة، لم يكن فيليكس يعلم و لكن لطالما احبتها ماريان.
“جيد. الآن… لا تصغي لما يقولونه. أعلم أنك سمعتهم. لكن تجاهلي كل ذلك. ركّزي علي فقط… كما لو أننا وحدنا هنا. فقط أنا وأنت.”
خفق قلبها بسرعة لم تتوقعها، ثم همست.
“فقط أنا وأنت…”
ترك يدها ليلتف بها، فدار الفستان حولها كوميض ذهبي. شعر بدفءٍ يتصاعد في صدره، خليط من الخوف، السعادة و الرضا.

رقصة فيليكس و ماريان
مرّت الرقصة الأولى، ثم الثانية، ثم الثالثة. لم يبتعد فيليكس عنها لحظة واحدة طوال الأمسية، وكأن الأرض تتمحور حولها في تلك اللحظة.
على الطرف الآخر من القاعة، كانت إيلاني تقف مع آرثر وليوناردو، بينما كان يوجين يعالج مشكلة ما مع الفرسان استعدادًا لوصول الإمبراطور. عاد إليهم أخيرًا، ليلتقط النظرة الطويلة التي كانت إيلاني تلقيها على ماريان و فيليكس.
“ما بكِ يا إيلاني؟ ستثقبين ظهريهما بالنظر إن استمررتِ هكذا.”
ابتسمت ابتسامة صغيرة، لكنها بدت غير مرتاحة.
“لا شيء… فقط… فيليكس لا يحضر الحفلات عادة. ولم أتوقع أن يرقص بهذا القدر عندما يحضر واحدة.”
هزّ ليوناردو رأسه مبتسمًا.
“صحيح… لم أتوقعه سيفعل هذا أيضًا. لكن الأمر… لطيف حقًا.”
تململ آرثر وهو يتابع الرقصة من بعيد.
“إنه يفعل هذا ليمنع عائلتها من إثارة المشاكل. انظر إلى والدها وأختها؛ لو تركها وحدها لكانا افتعلا موقفًا ما. عندها سيتدخل يوجين… وسيتحول الأمر إلى كارثة. مرافقتها باستمرار هو الحل الوحيد.”
أومأ يوجين مفكرًا.
“يبدو منطقيًا.”
لكن إيلاني… لم يكن يبدو عليها الاقتناع مطلقًا.
ـــــــــــــــــ
بعد فترة، ارتفع صوت الفارس الواقف عند بوابة القاعة، جهوريًا و حادًا.
“حضر جلالة الإمبراطور!”
توقفت الموسيقى فورًا، وتجمّد الراقصون في أماكنهم قبل أن ينحنوا في حركة واحدة. تقدم الإمبراطور بخطوات ثابتة حتى وصل إلى رأس القاعة. وقف هناك، يحيط به حرسه الإمبراطوريون بدروعهم الداكنة التي تعكس أضواء الثريات.
قال بصوت عميق مليء بالسلطة.
“ارفعوا رؤوسكم.”
ارتفعت الرؤوس، وارتفعت معها الهمسات المكبوتة، ثم خفتت مع إشارة بسيطة من يده.
تابع الإمبراطور.
“قبل استئناف الحفل، لدي إعلان مهم. فلتتقدم الآنسة ليتان، والدوق أوتبرن، والسير يوجين ليتان.”
كان الصمت الذي خيّم على القاعة ثقيلاً.
شعر فيليكس بتسارع حاد في تنفس ماريان، وارتعشت يدها بين أصابعه. ضمّ يدها بحنان لم يعهده
همس لها.
“سيكون كل شيء بخير… أعدك.”
سار الاثنان معًا نحو الإمبراطور، وخطواتهما منتظمة رغم الاضطراب الداخلي الذي يحاول فيليكس تهدئته فيها. لحق بهما يوجين، ملامحه جادة و عسكرية، لم يكن يبدو كشقيق ماريان، كان قائد الفرسان.
وقف الثلاثة أمام الإمبراطور، الذي أسند يديه خلف ظهره قبل أن يعلن.
“منذ أيام قليلة… تقدّمت الآنسة ليتان بطلب مدعوم من الدوق أوتبرن والسير يوجين ليتان. طلبها كان التبرؤ من لقب عائلتها، عائلة ليتان، والحصول بدلًا عنه على لقب خالها المرحوم، البارون تاين.”
بدت القاعة كأنما سحب منها الهواء. اتسعت العيون، وأصوات خافتة ارتجفت في الخلف.
تابع الإمبراطور.
“وبما أن البارون تاين لم يخلّف ممتلكات أو ورثة مباشرين، فقد طلبت الآنسة أن تكون تحت حماية دوقية أوتبرن. وبعد مراجعة الطلب… فقد قررت منحه القبول.”
تجهّم البعض. شهقت نساء. تبادل الرجال نظرات لا تخلو من الاستياء و الشك.
“منذ هذا اليوم… لم تعد الآنسة ماريان جزءًا من عائلة ليتان. بل صارت البارونة ماريان تاين، وتحت حماية الدوق فيليكس أوتبرن.”
ثم رفع يده في ختام رسمي صارم.
“يمكنكم متابعة الحفل.”
عمّ صمت ثقيل. لم يدر أحد كيف يجب أن يتصرف. هذا الإعلان لم يكن مجرد تغيير لقب… بل صفعة سياسية تدوي في القاعة، لم يفهم أحدٌ لما وافق الامبراطور على ذلك.
كاثرين حدّقت نحو أختها بذهول كامل، لم تستوعب بعد أن القرار خرج من يديها للأبد.
لكن سيدريك… لم يبدُ مصدومًا. على العكس، اقترب منها قليلًا، لمسة خفيفة على يدها لطمأنتها. ثم ابتسم—ابتسامة لم تصل إلى عينيه—وهمس لها.
“لا بأس… أعرف ما أفعل.”
ثم حوّل نظره نحو فيليكس وماريان اللذين وقفا أمام الجميع.
تمتم سيدريك، بنبرة منخفضة، متعهدةٍ بعهدٍ داكن.
“سيسقطان في النهاية.”
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
احتضن يوجين ماريان برفق وقال بصوت منخفض.
“ستكونين بخيرٍ الآن…”
ابتسمت ماريان، لكن يدًا قوية أمسكت بذراعها فجأة. التفتت لتجد والدها، سيزار ليتان، واقفًا مع زوجته ديان، وعيناهما مشتعلة بالغضب.
“ماذا فعلتِ بحق الجحيم؟!”
صرخ الماركيز ليتان، لكن فيليكس أمسك برسغه فورًا وقال بنبرة باردة.
“ماركيز ليتان.”
إلا أن ماريان رفعت يدها أمام فيليكس.
“لا بأس يا فيليكس… يمكنني التعامل مع هذا.”
سحبت ذراعها من يد والدها، ثم قالت ببرود.
“سررت برؤيتك أيضًا، أبي.”
كان الغضب ينهش ملامح الماركيز، وزم شفتيه.
“ما الذي فعلتِ؟! هل تدركين حجم الضرر الذي سيلحق بعائلتنا؟!”
ارتجفت ماريان للحظة، لكنها تماسكت وقالت.
“لا أهتم! لقد سببتم لي ما يكفي من المتاعب! لن أعود إلى حفرة الجحيم التي تدّعي أنها منزلي!”
اشتعلت عينا والدها غضبًا.
“ستعودين! هذا ليس قرارًا يحق لك اتخاذه، هل فهمتِ؟!”
قبضت ماريان على يديها بشدة.
“ولمَ لا يمكنني؟ الامبراطور وافق بالفعل! أنت الوحيد هنا الذي لا يملك خيارًا! أنت… أنت—”
لكنها توقفت عندما رأته يرفع يده ليصفعها. اسودّت الدنيا في عينيها، وأغمضت جفنَيها بخوف.
غير أن ذراعًا سحبتها إلى الخلف، ويدًا أخرى أمسكت بيد والدها قبل أن تهوي.
فتحت عينيها لتجد يوجين واقفًا أمامها يحجبها بجسده، بينما كان فيليكس يقبض بقوة على يد الماركيز. قال فيليكس بصوت غاضب منخفض.
“اخفض يدك. حالًا.”
نظر الماركيز بين الرجلين قبل أن يخفض يده ببطء.
همست ماريان من خلف يوجين، وجسدها يرتجف.
“لقد أخذتَ كل شيء مني… لن أعود الآن، ولا لاحقًا.”
قال يوجين.
“الناس ينظرون… لا تسبب مشهدًا، أبي.”
لاحظ الماركيز تجمع النبلاء حولهم ونظراتهم الحادة، فعدل سترته سريعًا وقال بنبرة متوترة.
“لم ينتهِ الأمر بعد… مع كليكما.”
ثم ابتعد بخطوات سريعة.
تنفست ماريان بعمق، وكأن الهواء عاد إلى رئتيها بعد انقطاع. كانت الرهبة التي غزتها منذ رأت والدها ما تزال عالقة في أطرافها، لكنها بدأت تهدأ تدريجيًا بعد أن ابتعد.
قالت بصوت خافت.
“لا أصدق أنه فعل هذا أمام الجميع…”
ابتسم فيليكس ابتسامة جانبية قصيرة وهمس لها.
“ربما كان لغضبه فائدة… النبلاء يتحدثون الآن.”
استمعت ماريان للهمسات حولها.
“كان على وشك أن يصفعها…”
“يبدو أنها لم تكن المجنونة في القصة بعد كل شيء.”
“يا لها من مسكينة…”
“لهذا تدخل السير يوجين…”
اتسعت عيناها بدهشة صغيرة. لم يكونوا إلى جانبها تمامًا، لكنهم أيضًا لم يعودوا ضدها كما من قبل، كان تطورًا صغيرًا
ابتسمت وقالت.
“أنت محق…”
تقدم يوجين وابتسم ابتسامة يغلب عليها الحزن.
“ستنتهي المأدبة بعد ساعات… وغدًا ستعودين مع فيليكس. سيستغرق الأمر وقتًا طويلًا قبل أن أراكِ مجددًا… ملاكي الصغير.”
قالت ماريان وهي تمسك يده برفق.
“لا بأس يا أخي… سأرسل لك الكثير من الرسائل، أعدك.”
أضاء وجه يوجين قليلًا.
“حسنًا… سأثق بكِ، أيتها الصغيرة.”
ثم اقترب من فيليكس وهمس له بجدّية.
“اعتنِ بها.”
ربت فيليكس على كتفه وأجاب.
“سأفعل.”
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في صباح اليوم التالي، وقبل موعد مغادرة ماريان وفيليكس، جمع فيليكس أصدقاءه الأربعة ليُطلعهم على أمرٍ ما.
قال بنبرة هادئة كالعادة.
“سأُعِد حفلة عيد ميلادٍ لماريان… ستكون بعد شهرين. لا أظن أنها ستكون مرتاحة لوجود عدد كبير من الضيوف، لذا أريدكم أنتم الأربعة أن تحضروا.”
أشرق وجه يوجين بسعادة شديدة.
“بالطبع سأحضر. إنه عيد ميلاد أختي الصغرى. لم أستطع زيارتها في عيد ميلادها منذ سنوات… كنت أرسل الهدايا دائمًا، لكن يبدو أن كاثرين كانت تأخذها منها.”
ابتسم ليوناردو، وضع يده على كتف آرثر بخفة وقال.
“أنا وميلاني سنأتي بالتأكيد… وسأجرّ آرثر معي.”
أدار آرثر عينيه بتذمّر مصطنع.
“لا داعي لجرّي، سأحضر…”
قال فيليكس.
“جيد. سأراكم بعد شهرين إذًا.”
من بعيد، نادته ماريان.
“فيليكس، انتهيت!”
ابتسم فورًا ثم قال.
“قادم…”
تقدّم الأربعة لتوديعهما. احتضنت ماريان يوجين وإيلاني، ثم صافحت آرثر وليوناردو. بعد ذلك، أمسك فيليكس بيدها ليساعدها على الصعود إلى العربة، ثم لحق بها وجلس إلى جانبها.
ما إن بدأت العربة بالحركة، أطلت ماريان من النافذة، ولوّحت لهم بحماس.
“وداعًا!”
وقف الأربعة يلوّحون لها، بينما تابعها فيليكس بنظرة هادئة. ابتسامة دافئة ارتسمت على ملامحه… ورغم أن الطريق أمامهما ما زال طويلًا، وأن الكثير لم يُحلَ بعد، إلا أنه في تلك اللحظة بالذات… شعر بالرضا.
Chapters
Comments
- 11 - الفصل الحادي عشر: لوحة. منذ 11 ساعة
- 10 - الفصل العاشر: الرقعة. منذ 11 ساعة
- 9 - الفصل التاسع: إعلان الامبراطور. منذ 11 ساعة
- 8 - الفصل الثامن: الفارس. منذ 11 ساعة
- 7 - الفصل السابع: فيليكس. منذ 11 ساعة
- 6 - الفصل السادس: لقاء مع الامبراطور منذ 11 ساعة
- 5 - الفصل الخامس: لم الشمل منذ 11 ساعة
- 4 - الفصل الرابع: الرسول منذ 11 ساعة
- 3 - الفصل الثالث: الحديقة السرية منذ 11 ساعة
- 2 - الفصل الثاني: بدايتنا منذ 11 ساعة
- 1 - الفصل الأول: أهرب منذ 11 ساعة
التعليقات لهذا الفصل " 9"