تابعت ماريان النظر إلى سيدريك للحظة قبل أن تنظر إلى الامبراطور مجددًا، بدأ فيليكس الحديث.
“جلالتك، سررت بلقائك مجددًا.”
كان صوته وديًا و هادئًا.
ردّ الإمبراطور بصوت رخيم يتردد عبر القاعه.
“سررت بلقائك أيضًا، أيها الدوق… ما المطلب الذي أتيتم به؟”
تقدّم يوجين خطوة وقال بجدية.
“جلالتك، جئت أطلب نقل لقب عمي، البارون تاين، إلى أختي الصغرى ماريان، والسماح لها بالبقاء تحت رعاية دوق أوتبرن.”
عند سماع ذلك، ابتسم سيدريك ابتسامة باردة، لم تستطع ماريان أن تستنبط منها إن كان سعيدًا أم منزعجًا، لكنها شعرت بتيار جليدي يسري في جسدها من نظرته.
ساد الصمت للحظة طويلة، لم يجرؤ أحد على الكلام حتى نطق سيدريك أخيرًا.
“جلالتك، أظن أنه من الأفضل أن تعطي الآنسة ما تتمنى.”
اتسعت حدقتا ماريان، أكان سيدريك يقف بصفها؟ لكنها سرعان ما تمالكت نفسها حين اتجه سيدريك بخطابه نحوها.
“آنسة ليتان، أيمكنك أن تشرحي لما تريدين أن تتخلصي من لقب عائلتك؟”
تصلب جسدها ، كان صوته يثير اشمئزازها و… شيء آخر لم تدر ما هو. تمدد الصمت للحظات قبل أن تقول ماريان اخيرا بصوت خافت.
“عائلتي… أساءت معاملتي.”
اتسعت ابتسامة سيدريك أكثر، ثم مال نحو الإمبراطور هامسًا بشيء لم تدركه. أومأ الإمبراطور برأسه وقال ببساطة.
“حسنا، آنسة ليتان، سأعلن عن هذا بآخر يوم من المأدبة.”
ساد الصمت مرة أخرى. تبادل فيليكس ويوجين النظرات، والقلق بادٍ على كليهما. لم يتوقعا أن تمرّ الأمور بهذه السهولة، لم تكن موافقته الفوريه مريحة على الاطلاق. أومأ ثلاثتهم برؤوسهم ثم انحنى فيليكس و قال بهدوء.
“أراك في المأدبة إذا، يا صاحب السمو.”
خارج القاعة، كانت إيلاني وليوناردو ينتظران برفقة رجل نحيل أطول قليلًا من ولي العهد، ذو شعرٍ أحمر كالعنقاء وعينين بنيّتين عميقتين تعرفت عليه ماريان كآرثر، بطل الرواية. هتفت إيلاني بقلق.
“ما الذي حصل؟”
قال يوجين، غارقًا في التفكير.
“لقد وافق الامبراطور…”
علّق آرثر باستغراب.
“أليس هذا شيئًا جيدًا؟”
أجاب فيليكس بعد لحظة صمت.
“افترض ذلك…”
قالت إيلاني بابتسامة محاولة تلطيف الجو.
“أتريدون أن نذهب لناكل شيئًا؟ خباز القصر الجديد يخبز حلويات لم أسمع بها قبلًا لكنها لذيذة حقًا!”
ابتسم يوجين قائلًا.
“يبدو ذلك رائعًا…”
كانت ماريان تحدق في خمستهم بهدوء، شعرت بالغربة بينهم… لم تكن وحدها، لكنها شعرت أنها كذلك كانت الأفكار تثقل قلبها ‘إذا اختفيت الآن، فلن يلاحظ أحد…’ فكرت في قرارة نفسها ‘لست منهم على أية حال… إن استحق أحد هذا، لكانت ماريان الحقيقية، أنا-‘ لكن حبل أفكارها انقطع عندما التفت فيليكس إليها و هو يبتسم بدفء، كيف يمكن له أن يُهدِئَ قلبها و عقلها بنظرة؟ تلاشت الأفكار كأنها لم تكن و حل محلها احساس دافئ بأنها كانت هناك… مرئية.
مدّ فيليكس يده نحوها، وكذلك فعل يوجين وهو يبتسم.
“هيا، أنتِ تحبين الحلوى، أليس كذلك؟”
بادلتهما ماريان الابتسامة ثم أمسكت بيديهما.
“بلى، أفعل.”
كان يمكن للأفكار أن تنتظر.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ كان اليوم الأول من المأدبة حفلة خارجية، خفيفة الأجواء، استدعت فستانًا صيفيًا بسيطًا. ارتدت ماريان فستانًا ورديًا فاتح اللون، مصنوعًا من قماشٍ خفيفٍ يلامس الهواء، مطبوعٍ بنقوشٍ زهريةٍ دقيقة. امتد حتى الأرض بذيلٍ قصيرٍ ينسدل بانسيابيةٍ خلفها، وتزين بأكمامٍ قصيرةٍ منفوخةٍ تنتهي بتجاعيد صغيرة، بينما يحدد خصرها شريطٌ أحمرُ اللون. كان الجزء السفلي مطرزًا بورودٍ حمراءٍ رقيقةٍ تلمع بخفة تحت ضوء النهار.
حين أتى فيليكس لاصطحابها، بدت ماريان متوترة بعض الشيء. أمال رأسه وسألها بلطف.
“ما الأمر، ماريان؟ تبدين… قلقة.”
أخذت نفسًا عميقًا قبل أن ترد بهدوء.
“لا شيء، فقط… أعلم أن كاثرين ستكون هناك. لا أدري ما الذي ستحاول فعله…”
ابتسم فيليكس قليلًا وأمسك بيدها.
“ماريان، لا داعي للقلق. أياً يكن ما ستفعله، فلن يؤذينا بشيء… ليس بأكثر من تشويه السمعة، ولديّ ما يكفي من هذا.”
ضحك بخفة، فابتسمت هي أيضًا.
“نعم، أنت محق.”
بمجرد أن وصلا إلى الحفل، وقع نظر ماريان على امرأة ذات شعرٍ أشقر طويل وعينين زرقاوين قاسيتين، أغرقت وجهها الجميل بمساحيق التجميل – أختها الكبرى، كاثرين. أشاحت ماريان بنظرها بعيدًا، وتبعت فيليكس إلى طاولةٍ أخرى.
همست إحدى الفتيات إلى كاثرين، مائلة نحوها بشيءٍ من الفضول.
“يا إلهي، أليست تلك أختك التي هربت؟”
أومأت كاثرين بحزنٍ مفتعل وقالت بصوتٍ مكسور.
“إنها هي بالفعل… أتصدقين ما فعلته؟ لقد كسرت قلب والدينا حقًا. لطالما كانت… عنيفة، لكن لم يتوقعا أن تهرب هكذا. تشاجرت معهما، ثم اختفت في اليوم التالي…”
ربتت الفتاة على كتفها وهمست بتعاطف.
“يا لكِ من مسكينة…”
بدأت الهمسات تنتشر كالنار في الهشيم، ومعها النظرات، حتى صار الحاضرون يلتفتون نحو ماريان وفيليكس بين حينٍ وآخر.
شعرت ماريان بالضيق يشتدّ في صدرها، همست لإيلاني التي كانت تجلس بجوارها.
“يجب عليَّ أن أذهب للحظات.”
نظرت إيلاني نحوها بقلق.
“لحظة، إلى أي-“
لكن ماريان كانت قد غادرت بالفعل.
لم تكد تبتعد قليلًا حتى سمعت صوتًا مألوفًا خلفها.
“مرحبًا، ماريان.”
تجمدت في مكانها، تمتمت بصوتٍ خافتٍ مرتبك.
“سحقًا…”
ثم التفتت ببطء وقالت بهدوءٍ متوتر.
“ما الذي تريدينه، كاثرين؟”
كان الغضب يقطر من صوت كاثرين وهي تقول.
“ما الذي أريده؟ لقد شوهتِ سمعة العائلة! هربتِ إلى منزل ذلك… الشيء!”
ارتسم الحنق على ملامح ماريان، لكنها حاولت أن تسيطر على نفسها.
في بداية اليوم الثاني للمأدبة، كان فيليكس يبحث بين أغراضه. اختفت زجاجات الدم التي أحضرها، ولم يعرف أين ذهبت. قلب الأمتعة رأسًا على عقب، لكنه لم يجد شيئًا. خطر بباله أن يسأل ماريان، لكنه تراجع. كانت لا تزال حزينة بعد ما حدث مع كاثرين، ولن يكون من الجيد أن تصاب يدها مجددًا في يوم الحفل. كل ما تمناه هو ألا يحدث شيء قبل عودته إلى الدوقية بعد أيام.
بدأ يحضّر نفسه حين طرق الباب. فتح ليجد إيلاني واقفة أمامه. ارتسمت على شفتيه ابتسامة صغيرة.
“صباح الخير، إيلاني.”
أجابته بابتسامة عريضة.
“صباح الخير! كيف حالك اليوم؟”
قال فيليكس وهو يزيح خصلة شعر سقطت على وجهه.
“بخير. وأنتِ؟ ما الذي أتى بكِ هنا؟”
قالت بنبرة خفيفة وهي تبتسم.
“لا شيء، أردت فقط رؤيتك والاطمئنان عليك… تبدو رائعًا اليوم.”
اتسعت ابتسامته قليلًا.
“شكرًا لكِ… تبدين رائعةً أيضًا.”
لم تجب فورًا، فقط نظرت إليه للحظة، ثم قالت بصوتٍ هادئ.
“على أي حال، يجب أن أذهب الآن… أراك في الحفل.”
أومأ دون أن يعير الأمر اهتمامًا كبيرًا، فقد كان عقله مشغولًا باختفاء الزجاجات أكثر من أي شيء آخر.
قبل بدء الحفل، ذهب يوجين لاصطحاب ماريان التي كانت ترتدي فستانًا عاجيًا ينسدل قماشه بانسيابيةٍ ناعمةٍ، تتخلله طبقاتٌ شفافةٌ تعكس الضوء بخفةٍ تشبه النسيم. زُيّن صدر الفستان بتطريزٍ زهريٍّ دقيقٍ بألوانٍ دافئةٍ، تلتف حول الياقة كشكشةٌ حريرية تضيف لمسةً من الرقة. كانت الأكمام منتفخة بطياتٍ صغيرةٍ تنتهي بتجاعيدٍ حريريةٍ عند المعصمين، أما خصره فكان محددًا قبل أن تتسع التنورة مجددًا.
ابتسم يوجين.
“يا إلهي… تبدين جميلة، ماريان.”
ابتسمت هي الأخرى.
“شكرًا لك، أخي… هلا نذهب؟”
دخلت القاعة إلى جانب يوجين، الذي انشغل بتحية بعض الجنود. في تلك اللحظة، أعلن الحارس عند الباب.
“وليّ عهد مملكة أورڤين، والأميرة إيلاني أورڤين!”
رفعت ماريان نظرها إليهما. كانت إيلاني ترتدي فستانًا أرجوانيًّا داكنًا تتخلله زخارف ذهبية فاخرة عند الحواف، يمتد بطياتٍ متدرجةٍ تُبرز الطبقة السفلية العاجية. تطريزٌ ذهبيٌّ دقيقٌ يغمر صدره، وأكمامٌ ضيقةٌ طويلةٌ حتى المعصمين. حول عنقها طوقٌ ذهبيٌّ مرصعٌ بالياقوت الأحمر، يليق بتاجها المتناسق معه.
لمعت عينا ماريان، فقد بدت الأميرة كأنها خرجت من لوحة ملكية. لكن تحول انتباهها حين رأت فيليكس يغادر القاعة على عجل.
نظرت حولها؛ لم يلحظ أحد ذلك. فتبِعته بصمتٍ إلى الخارج.
في الحديقة، وجدته واقفًا في منتصفها، يداه تغطيان وجهه، وصدره يعلو ويهبط بسرعة. اقتربت بخطواتٍ حذرة.
“فيليكس…؟”
رفع رأسه نحوها. كانت عيناه تلمعان بحمرةٍ دموية، أنيابه بارزة، واللعاب يتساقط من شدقيه. بدا كأنه يصارع نفسه.
صرخ بصوتٍ مبحوحٍ.
“ابتعدي! سوف… سوف أؤذيكِ!”
لكن ماريان لم تتراجع، فقط تقدمت نحوه بخطواتٍ بطيئةٍ، وقلقٍ يملأ عينيها. وفي اللحظة التالية، انقضّ فيليكس عليها.
ملاحظة الكاتبة: وصف الفساتين ممكن يبقى سيء لاني معرفش أوصفه ازاي فعلا، اسفة.
التعليقات لهذا الفصل " 6"