“أخيرًا عدت من العمل”، تمتمت ميتسوكي ذات الشعر الاحمر القصير والعيون الزرقاء الناعسة بينما القت بجسدها المتعب على السرير. “يمكنني الآن أخيرًا قراءة الفصل الأخير من قصتي.”
فتحت الفصل الأخير من الرواية، وبدأت تقرأ بابتسامة، فجأة اتسعت عيناها و انتفضت من مكانها و كأنما مسها مس. “ماذا؟ فيليكس مات؟ كيف يمكن هذا؟” تجمعت الدموع في عينيها و شعرت بصدرها يضيق “أعني، لم يتخلص من لعنته حتى…” بدأت دموعها تتساقط. “لم يكن يجب أن يموت ليكس، وكيف استطاع إيلاني وآرثر أن يتزوجا بعد موته بأسابيع قليلة؟ لقد كانوا… أصدقائه…”
قضت ميتسوكي الليلة كلها تفكر في موت فيليكس وكيف كان بإمكانها إنقاذه لو كانت هي الكاتبة ، حتى غطت في النوم.
في صباح اليوم التالي، فتحت ميتسوكي عينيها ببطء وبدأت تفكر: “لا بد أنني نمت أثناء قراءة الرواية.”
لكن مع مرور الوقت و اتضاح الرؤية، أدركت أنها في غرفة غريبة لم تألفها من قبل . السقف العالي، ورق الجدران المزين بالورود، الأثاث الفخم، والنافذة الضخمة التي تسلل منها ضوء الشمس ليملأ المكان بنور دافئ. رغم الفخامة، إلا أن الغرفة بدت مهملة وكئيبة.
“ما هذا المكان الذي أنا فيه؟ أنا خائفة…” حاولت النهوض، لكنها شعرت بثقل في رأسها ولم تستطع التحرك للحظة.
بعد عدة دقائق ثقيلة قبل ان تتمكن اخيرا من تحريك جسدها، وقفت مترنحة وتوجهت إلى المرآة الكبيرة الموجودة في الغرفة. نظرت إلى انعكاسها— فتجمدت أنفاسها.
لم يكن وجهها.
كانت هناك فتاة أخرى…
فتاة ذات شعر بني طويل مموج كالقرفة العطرة، و عينين خضراوين تحت ضوء الشمس كالزمرد. بشرتها الصافية، الملساء كبتلات الورد جعلتها تبدو كأنها من اساطير الدوريات البعيده.
“لا يمكن! ماريان؟ كيف يمكن أن يحصل هذا؟”
ماريان، الفتاة المجهولة من عائلة ليتان، الأخت الصغرى للشريرة، التي كانت مكروهة من قبل عائلتها. “كرهتها عائلتها لأنها تشبه والدتها، ولأنها كانت ضعيفة مقارنة بإخوتها. اخوها الأكبر كان لطيفا على الرغم من ذلك…”
عائلة الماركيز ليتان، السلالة العريقة، المعروفة بقدرتها على سبر أغوار العقول، التحكم في المشاعر، و استخلاص الذكريات و الافكار المدفونة في أعمق زوايا العقل.
“لكن لسبب ما…” فكرت ميتسوكي “لم تظهر قدرات ماريان أبدًا… حتى ماتت.”
غارقة في تفكيرها لم تلحظ ميتسوكي -ماريان الان- صوت صرير باب الغرفة و هو ينفتح لكنها سرعان ما افاقت من غفلتها على صوت رفيع مزعج كاد يخدش سمعها يقول
“أخيرا استيقظتِ؟ يا لكِ من كسولة…”
نظرت ماريان لها شزرا و لسان حالها يقول ‘ما بها تلك المعتوهه؟’ لكنها قالت
“أجل، استيقظت…”
أطلقت الخادمة صوتا مزعجا آخر و قالت بازدراء
“لمَ تتكلمين بهذه الطريقة، هاه؟”
ماريان، رغم رغبتها العارمة في أن تصرخ في وجه الخادمة حاولت البقاء هادئة، لم ترد أن تسبب المشاكل بالفعل لذا قالت بابتسامه باهته
“اسفه و لكني مرهقة بعض الشيء، أيمكنكِ أن تحضري روكسي؟”
زفرت الخادمة في ضيق و تمتمت
“أنتِ و تلك اللعينه روكسانا…”
ثم خرجت لتعود بعد لحظات بخدمة أخرى ذات شعر أسود قصير و عينين بنيتين حادتين تنمان عن ذكاء واضح، قالت روكسي بانحناءة خفيفة
“ما الأمر، آنستي؟ هل أنتِ بخير؟”
ابتسمت ماريان بصدق هذه المرة و هزت رأسها
“أجل روكسي، أريد منكِ فقط أن تمنعي أي أحد من الدخول إلى غرفتي حتى أسمح بذلك، حسنا؟”
ابتسمت روكسي و هزت رأسها بالموافقة ثم انحنت و أقفلت الباب بهدوء ، اطلقت ماريان تنهيدة طويلة ثم ارتمت على كرسي المكتب ، كان كرسيا جميلا مشينا بنقوش ذهبية، لكنه بدأ باهتا، حقيقة… بدا كل شيء في الغرفة باهتا و غير مرحب
‘يا إلهي… ما الذي يجب علي فعله؟’ فكرت بيأس
بعد لحظات من الصمت، صفعت ماريان نفسها برفق قائلة
“لا وقت لهذا العبث الآن! لن أجلس هنا أنتظر لحظة وفاتي!”
ثم أسرعت إلى درج المكتب الخشبي، وأخرجت منه مذكرة صغيرة مهترئة. نظرت إليها قليلاً، فشعرت بوخزٍ مؤلم في صدرها؛ كانت تلك المذكرة إحدى الهدايا العزيزة التي أهداها لها أخوها، من بين قلة قليلة نجت من سرقات أختها. بالكاد استطاعت الاحتفاظ بهذه المذكرة، وبأرنب محشو صغير بشريطة زرقاء.
هزت رأسها محاولة طرد تلك الذكريات من عقلها، ثم فتحت المذكرة وبدأت تدوّن:
أولًا: كانت ماريان تُعامَل معاملة سيئة من قبل عائلتها.
ثانيًا: ماريان هي الأخت الصغرى لكاثرين، الشريرة التي قتلت مع عائلتها بعد مساعدة الأمير الخائن سيديريك في خيانته.
ثالثًا: لا تملك ماريان أية قدرات سحرية.
رابعًا: مات فيليكس.
حدّقت ماريان في ما كتبته، وأدركت شيئًا واحدًا: يجب أن تعيش.
لكن لم يكن الأمر يخصها وحدها. فيليكس أيضًا يجب أن يعيش.
أمالت رأسها إلى الخلف، محاولة تجميع أفكارها. لم تكن بارعة في التخطيط، لكنها كانت تعرف أمرًا واحدًا بيقين: يجب أن تهرب.
لا يمكنها البقاء في هذا القصر الكئيب، حيث لا ينتظرها سوى الموت.
عدة دقائق قد مرت، بطيئة و هادئة لا يسمع فيها شيء إلا دقات الساعة القديمة، تنهدت ماريان ثم قالت بصوت خافت
“روكسي، تعالي هنا من فضلك…”
دخلت روكسانا بابتسامه مشرقة لكنها سرعان ما لاحظت تعبير ماريان الكئيب، قالت بصوت قلق
“أتحتاجين شيئا، آنستي؟”
هزت ماريان رأسها و قالت باقتضاب
“أعدي لي عربة روكسي، سوف نغادر القصر… الليلة!”
اتسعت عينا روكسانا و كانت على الاعتراض عندما قاطعتها ماريان بصرامة
“روكسي، لا أريد نقاشا الآن. سواء أردتِ البقاء هنا أو الذهاب معي القرار لكِ. فقط تأكدي من أن تكون العربة جاهزة.”
اختفى التعبير المتردد عن وجه روكسانا و ظهر مكانه تعبير مصمم، قامت باحناء رأسها ثم خرجت بدون كلمة أخرى بينما تنهدت ماريان -للمرة الثالثه- و تحركت لتحزم أمتعتها، فمنذ تلك اللحظه ، لم يعد ذاك البيت بيتها، و لا أولئك القوم أهلها.
حينما جنَّ الليل خرجت ماريان من غرفتها بهدوء مرتدية رداءً أسود قاتما و غادرت القصر بهدوء.
فقط لتجد خادمتها الوفية واقفة هناك و العربة بانتظارهما، ألقت ماريان نظرة أخيرة على القصر الذي كان يوما ما منزلها و الآن ستغادره متجهة إلى مستقبل -قد يكون مجهولا- لكنه حتما أفضل، ثم أشاحت بوجهها عنه و ركبت العربة و تبعتها روكسي ثم بدأت العربة بالتحرك حتى اختفت تحت جنح الظلام.
استمرت الرحلة بالعربة يومين، ومع اقترابهما من وجهتهما، دوقية أوتبرن، قال السائق بتردد
“آسف يا آنستيّ، لكن لا أظن أن بإمكاني الاستمرار أكثر من ذلك.”
تنهدت ماريان، فقد كانت تتوقع هذا.
الجميع يخافون من دوقية أوتبرن بسبب لعنتهم القديمة: لعنة الإمبراطور الأول، الذي حوّلهم إلى أشباه مصاصي الدماء.
يحتاجون إلى الدم بانتظام، وإلا أصيبوا بنوبات هياج مدمرة، لا يمكن تهدئتها إلا بالدم. بينما لعنتهم لن تزول إلا قطرة دم ممن يحبون… لكن، من المجنون الذي قد يتجرأ على الاقتراب منهم؟
على الجانب الآخر، انفجرت روكسانا غاضبة
“ما الذي تعنيه بأنك لا تستطيع؟! لقد كنت تعرف وجهتنا منذ البداية!”
لكن ماريان رفعت يدها مهدئة وقالت بابتسامة هادئة
“لا بأس، روكسي، دعيه.”
ثم نزلت من العربة، أعطت السائق أجرته، وقالت بلطف
“شكرًا جزيلاً لك.”
انحنى الرجل باحترام قبل أن يغادر مسرعًا، بينما تابعت ماريان وروكسانا السير وسط الثلوج الكثيفة.
رغم البرد القارس، بدت ماريان مبتسمة؛ فقد أحبت الشتاء، وأحبت الثلوج… بالإضافة إلى أنها كانت تقترب أكثر فأكثر من فيليكس.
فيليكس اللطيف، فيليكس الذي خسر كل شيء… الحب والحياة…
لكن فجأة، وبينما كانت غارقة في أفكارها، هاجمهما وحش ثلجي ضخم.
سقطت ماريان أرضًا ونظرت للوحش برعب، بينما صرخت روكسانا
“آنستي!!”
أغمضت ماريان عينيها استعدادًا للموت…
لكن عوضًا عن ذلك، سمعت صوت سيف يُسحب من غمده، وشعرت بقطرات دم تتناثر على وجهها.
فتحت عينيها بتردد، لترى فوقها رجلاً فائق الجمال
شعره الأسود ينسدل بنعومة على كتفيه، وعينان لم تدر ماريان أكانتا عينين ام ياقوتتين زُرعتا مكان مقلتيه، أما بشرته الشاحبة فأضفت على مظهره هالة فاتنة لا توصف.
اتسعت عينا ماريان بدهشة، وعقد
ت أنفاسها من الصدمة… كان فيليكس.
نظر إليها بقلق خفي حاول أن يخفيه، ثم قال بصوت هادئ عميق
“ما الذي تفعله الآنستان في أرضي؟”
ملاحظة الكاتبة1: لا أؤمن بفكرة تناسخ الأرواح لأنها حرام كانت ضرورية لبدأ القصة و سأتجنب ذكرها قدر الإمكان.
ملاحظه الكاتبة2: قناتي على التيليجرام التحديثات و صور الشخصيات.
التعليقات لهذا الفصل " 1"