“أتهزأين بي الآن؟”
هزّت المرأة رأسها ببطء.
هذا لا يبدو مضحكًا أبدًا…
“يبدو أنني بدوتُ غبيًا لدرجة أنكِ لم تستطيعي التفرقة بين المزاح والحقيقة.”
كانت تحدّق به بصمت، ثم أنزلت يدها التي كانت موضوعة على ذراعه. التفتت بعدها وبدأت تمشي بخطوات خفيفة.
عندما لم يتبعها ديترِيْش، استدارت لتنظر خلفها.
ما إن تحرك نحوها بلا وعي منه، حتى تحركت المرأة مجددًا.
“إلى أين تذهبين الآن؟”
لم يأتِ منها أي رد.
خرجت بصمت إلى الممر وفتحت باب غرفة جديدة.
[ابحث عني! |Come to my room!]
تذكّر فجأة البطاقة التي كانت بحوزته. هل يُعقل أن هناك شيئًا بداخل هذه الغرفة؟.
… أو ربما فخًّا؟
شدّ ديترِيْش قبضته على مقبض سيفه مستعدًا.
لكن لم يكن هناك أي أثر أو حركة تُشعر بوجود شيء داخل الغرفة.
بينما كان يراقب المكان، لاحظ وجود شيء مكتوب على السبورة.
ما هذا؟
R: 6
Y: 12
B: 2
P: ?
حاول ديترِيْش تفسير الرموز المكتوبة، لكنه لم يستطع فهمها أبدًا.
استسلم عن التفكير، وبدأ يراقب الغرفة بعينيه ببطء.
هذه الغرفة…
كانت تشبه الغرف السابقة بلمسات ألوان الباستيل، لكن الجدران كانت مغطاة تمامًا بدُمًى ملونة على هيئة دببة.
الغرفة مليئة بدُمًى بألوان متنوعة، بدت وكأنها مصممة لإسعاد الأطفال…
ما لم تبدأ تلك الدُمَى بالتحرك.
ثم تذكّر فجأة أن هناك لافتة صغيرة على الباب، مكتوب عليها [Room]. لم تكن اللافتة مألوفة، إذ لم يلاحظ أي شيء مشابه لها في الغرف التي مرّ بها سابقًا.
عندما انتهى من مراقبة المكان، لفتت انتباهه ساعة رملية تحت السبورة.
كان الرمل الأصفر يتساقط ببطء نحو الأسفل.
أصبح واضحًا الآن. أيمكن أن…
التفت ديترِيْش فجأة إلى الوراء.
كانت عينا المرأة تتوهجان بلون أحمر.
“أنا أتساءل…”
“…”
“هل ستتمكن من النجاة هنا أيضًا؟”
فجأة، هبّت رياح قوية، رغم عدم وجود أي منفذ أو ممرّ مفتوح.
تطاير شعرها الأشقر البلاتيني مثل ألسنة اللهب.
ازدادت توهجات اللون الأحمر في عينيها الزرقاوين، حتى تحولتا بالكامل إلى لون قرمزي متوهج.
وفجأة…
اندلعت نيران هائلة اجتاحت الغرفة بأكملها.
“هذه الغرفة مختلفة عن جميع الغرف التي مررت بها حتى الآن.”
“…”
“كان الأمر سهلاً عليك حتى الآن، أليس كذلك؟”
تطايرت الستائر الشفافة مع الرياح، وحجبت رؤيته للمرأة مؤقتًا.
وحين عادت الستائر لتستقر، ظهرت ابتسامتها وقد ازدادت عمقًا وخطورة.
“لكن هذا المكان مختلف.”
“…”
“إذا لم تحلّ اللغز… ستموت هنا.”
استدار ديترِيْش بسرعة نحو السبورة التي تحمل الكلمات الغامضة.
R: 6
Y: 12
B: 2
P: ?
“إما أن تحل اللغز… أو تموت هنا.”
❈❈❈
ما إن انتهت الجملة الأخيرة من الحوار، حتى شعرت بأن القوة التي كانت تسيطر على جسدها قد زالت.
بدأت تتذكر المشاهد التي كانت تظهر فيها شارلوت أثناء سير أحداث اللعبة. غالبًا، كانت تظهر حين يدخل ديترِيْش القصر، أو عند دخوله غرفًا جديدة من نوع خاص، أو عند حصوله على أداة مميزة.
ربما كان ظهورها مجرد وسيلة لتفسير الموقف للاعبي اللعبة، لكنها شعرت الآن وكأن وجودها صار أداة لإجباره على اتباع مسار معين.
“قلتِ إنكِ ستساعدينني، وها أنتِ تهددينني الآن.”
“…”
“أو ربما تريدين مني المقاومة، وكأن هذا مجرد سخرية؟”
حاولت تحريك يدها، فلاحظت بريقًا بنفسجيًّا يسطع من عيني ديترِيْش، أشبه بوهج لهب خافت.
“لا، أنا فقط أخبرتك بالحقيقة.”
“الحقيقة؟ أني سأموت إن لم أحل اللغز؟”
“نعم.”
“هذا ما أُسميه سخرية.”
لكنها لم تكن كذلك.
لقد لعبتُ هذه اللعبة مرات لا تُحصى.
ورغم أنني لم أتمكن من تجاوز الطابق الثالث، إلا أنني أعرف الحلول في الطابق الأول جيدًا.
“أنا أقول الحقيقة… وأريد حقًا مساعدتك، ديترِيْش.”
كانت تلك مشاعري الصادقة، لكن نظراته المشككة لم تتغير.
“إذًا، هذه الغرفة…”
توقفتُ عن الكلام فجأة.
ثم تذكرت…
[※تحذير※]
[يحظر إفشاء أي معلومات تتعلق بالمهام أو اللعبة.
سيتم فرض عقوبات عند مخالفة هذا التحذير.]
كنت قد قرأت تلك العبارة من قبل.
إذا شرحت له الوضع الحالي بوضوح، سأتعرض لعقوبة.
حسنًا… سأحاول إيصال الفكرة بطريقة ملتوية.
“ألم تلاحظ شيئًا غريبًا عند دخولك؟”
“…”
“شيء لم يكن هنا، وظهر فجأة… أليس كذلك؟”
“تقصدين تلك اللافتة؟”
أشار ديترِيْش إلى اللافتة المكتوب عليها [Room].
لكنني لم أتمكن من تأكيد كلامه أو نفيه، إذ إن الإدلاء بمزيد من المعلومات قد يؤدي إلى تعرضي لعقوبة.
في تلك الأثناء، استمر الرمل في التساقط داخل الساعة الرملية، وزادت ألسنة اللهب اشتعالًا.
“عشر دقائق.”
يجب حلّ اللغز قبل انتهاء هذه المدّة.
كنت أراقب ديترِيْش بصمت، حتى بدأ فجأة بالتحرك وكأنه أدرك شيئًا.
“أذكى مما توقعت.”
كنت أنوي إعطائه تلميحًا إضافيًّا، لكن يبدو أنه لا يحتاج إليه الآن. صحيح أن اللغز ليس صعبًا للغاية، لكن ملاحظة الحل تتطلب تركيزًا، مهما كان بسيطًا.
تابعتُ مراقبته بينما كان ينظر حوله، واضعًا قطعة قماش على فمه ليحميه من الدخان الكثيف. وعلى عكسه، لم تؤذِني ألسنة اللهب الملتهبة على الإطلاق.
بينما كنت أتأمل النار المشتعلة، مددتُ يدي نحوها بلا وعي. توقفت يدي فوق اللهب مباشرة، لكن لم أشعر بأي حرارة.
أملتُ رأسي قليلًا. ربما احترقت يدي؟ بدا لون جلدي أغمق قليلًا، وكأنّه تعرض لشيء، لكنه لم يكن مؤلمًا. فقط شعور خفيف يشبه الدغدغة.
أنزلتُ يدي أكثر نحو اللهب، شيئًا فشيئًا… حتى أمسكت يد قوية بمعصمي فجأة وسحبته بعيدًا بعنف.
“هل جننتِ؟ ماذا تظنين نفسكِ تفعلين؟!”
تفاجأتُ من حركته المفاجئة، لكن تعابير وجهه بدت أكثر ذهولًا من تعابيري.
“أكنتَ قلقًا عليّ؟ كم أنت لطيف.”
“هذا ليس قلقًا! لقد كنتِ تحرقين يدك، أكان عليّ أن أقف مكتوف الأيدي؟!”
بدا عليه الإحباط، وكأنه لا يصدق تصرفاتي.
“لم يكن عليك التدخل إلى هذا الحد.”
على أي حال، لم أشعر بأي ألم، وسأشفى سريعًا حتى لو أصبتُ.
“أنتِ مصابة.”
“هذا صحيح.”
“…”
“لكنني بخير.”
حدّق في وجهي بصمت، ثم أمسك بيدي المصابة دون أن يتحرك.
“ديترِيْش، الرمل ينفد من الساعة.”
“… أعلم.”
ترك يدي وعاد يتحرك بسرعة. اتجه نحو السبورة والتقط قطعة من الطباشير.
“هل ينبغي أن أكتب الجواب هنا؟”
ربما يمكنني الإجابة هذه المرة دون أن أتعرض لعقوبة.
هززت رأسي بالإيجاب. لحسن الحظ، لم يحدث شيء، ولم أتلقَّ أي تحذير.
لكن… لماذا يقف متجمّدًا ولا يكتب أي شيء؟
ماذا تنتظر؟.
❈❈❈
كان ديترِيْش قد توصل إلى الحل.
اللافتة المعلقة على الباب والتي تحمل كلمة [Room] كانت تشير إلى موضوع الغرفة.
إذا كان تحليله صحيحًا…
R: 6 Y: 12 B: 2 P: ?
فإن اللغز المكتوب على السبورة مرتبط بالرسالة التي طلبت منه “إيجادها”.
ربما تشير كل حرف من الأحرف إلى شيء موجود داخل الغرفة.
بدأ ديترِيْش بتفحص الدمى الموزعة في المكان. كانت كلها على هيئة دببة بأربعة ألوان مختلفة: الأحمر، والأصفر، والأزرق، والزهري.
إذا كان تحليله دقيقًا…
R (Red): 6 Y (Yellow): 12 B (Blue): 2 P (Pink): ?
من خلال عدّ عدد الدمى من كل لون، تطابق الرقم مع الأحرف الثلاثة الأولى، ولم يتبقَّ سوى تحديد عدد الدمى الزهرية.
نظر نحو القلم الموجود على الطاولة. بدا أنني أتعمد الالتفات نحوه طوال الوقت، وكأنني أحاول توجيهه بطريقة غير مباشرة.
مدّ يده نحو الطباشير، لكنه لم يكتب شيئًا.
لماذا لا يكتب؟.
“كيف يمكنني الوثوق بها؟”
هذه هي المشكلة التي واجهته.
رغم أنها قدمت له التلميحات التي ساعدته على إيجاد الحل، كان يشكّ في أنها مجرد خدعة. ربما يكون الجواب الصحيح هو فخّ مميت.
لذلك، ظل واقفًا أمام السبورة، عاجزًا عن اتخاذ أي قرار، بينما استمر الوقت في النفاد.
❈❈❈
لم يبقَ الكثير من الرمل في الساعة. اشتدت ألسنة اللهب أكثر فأكثر، وبدأت تلتهم الستائر والجدران، متجهة نحو السقف، ثم نحو ديترِيْش نفسه.
كان يبدو غير مبالٍ، وكأنه فقد الإحساس بالخطر المحدق به.
أيمكن أنه لم يستطع حل اللغز؟
لقد نفد الوقت تقريبًا…
“ديترِيْش؟”
لم يرد، وكأنه لم يسمعني.
“هل تجهل الجواب؟ يمكنني مساعدت—”
قاطعني ديترِيْش أخيرًا بصوت أجش، ربما بسبب الدخان الأسود الذي ملأ المكان.
“أنتِ…”
بدا صوته متحشرجًا ومليئًا بالريبة.
“هذا هو جوهر المشكلة.”
“ماذا؟”
“أنتِ تثيرين شكوكي.”
“… ماذا؟”
“لا أعرف إن كان هذا حقًا تفكيري، أم أنكِ تؤثرين عليه عمدًا. ربما جعلتِني أصل إلى هذا الجواب عن قصد.”
هل يعقل أنه وجد الجواب لكنه لم يكتبه لأنه لا يثق بي؟
“ديترِيْش، الوقت ينفد.”
على الأقل اكتب شيئًا عشوائيًا!
“ربما… يكون عدم كتابة أي شيء هو الطريقة الصحيحة للخروج من هذه الغرفة.”
مستحيل.
كانت تلك فرضية متطرفة مليئة بالمجازفة.
عندما لعبتُ هذه اللعبة، لم يسبق أن تصرّف ديترِيْش هكذا.
ربما كان يتحرك وفق تعليماتي حينها، لكن الآن… عكست عيناه البنفسجيتان عدم الثقة الكامل. __________________________________________
• حسابي واتباد: Toro1312 !!⭐•
《لاتدع الرواية تشغلك عن العبادات》
ترجمة: ✧𝐀𝐌𝐘✧
التعليقات لهذا الفصل " 12"