الغرفة كانت ممتلئة بدببة بألوان الباستيل المتعددة، في حين بدا الرجل المغطّى بالدماء مشهدًا غريبًا وسط هذا الجو الطفولي المتناقض.
‘ أين أنا؟ ‘
مسح ديتريش بيده الدم الذي تناثرعلى وجنته، وهو دم ذلك الوحش الذي قتله لتوّه.
شعر بالغثيان. الدماء دائمًا ما تكون مقززة.
ورغم أن الدم هذه المرة ليس دم إنسان بل دم وحش، إلا أن ذلك لم يخفف من وطأة الشعور الذي كان يجتاحه، وكأن شيئًا ما ينهش كيانه بالكامل.
كلما حمل السيف، وجد نفسه في هذا الوضع من جديد.
“ركز.”
حاول ديتريش أن يستعيد رباطة جأشه وألا ينغمس في دوامة أفكاره.
“ما الذي يُستخدم لأجله هذا المكان؟”
لم يكن يعرف، لكنه وجد نفسه يتجه إلى هناك وكأن شيئًا ما قد استدرجه.
“هناك أشياء جميلة. انظر بنفسك.”
على عكس الغرف التي مر بها من قبل، كانت هذه الغرفة مشرقة وذات ديكور لطيف يليق بغرفة طفلة صغيرة، تمامًا كما وصفتها تلك المرأة.
لكن الجو الذي ينبعث من المكان كان مريبًا بشكل لا يُستهان به.
شعر وكأن شيئًا مرعبًا سيهاجمه بمجرد أن يدير ظهره، وكأن وحشًا قد يظهر فجأة ليقتلع عموده الفقري بأسنانه الحادة.
ولم يخب حدسه، إذ في اللحظة التالية هجم عليه وحش ضخم على هيئة دمية دب، وأسنانه الحادة تتلألأ وهي تقترب منه بسرعة.
“إذًا كان فخًا بعد كل شيء.”
هل خُدع مجددًا بتلك الكلمات اللطيفة؟.
ضحك بسخرية من نفسه، ثم ألقى نظرة على دمية الدب العملاقة التي شطرها إلى نصفين بسيفه. وبينما كان ينظر إلى الحشو المتناثر، لمح ورقة مدسوسة بين القطن.
“ما هذا؟”
كانت مذكرات مكتوبًا عليها: “يوميات S”.
❈❈❈
◈بداية اليوميات◈
الأشياء التي تمتلكها آنسات القصور الفخمة عادة ما تكون باهظة الثمن ونادرة.
لكن وسط كل تلك الأشياء النفيسة، هناك شيء قد يبدو عديم القيمة.
إنه دبٌّ صغير بالٍ، تتدلى إحدى ذراعيه، وكأنه على وشك أن يتمزق بالكامل.
ورغم حالته البائسة، كانت الأُنسة تولي الدب اهتمامًا كبيرًا لأنه كان هدية من السيدة الراحلة، والدتها.
لم تكن تفارقه أبدًا. كانت تحمله أثناء تناول الطعام، وأثناء دروسها، وحتى أثناء نومها.
اليوم، بينما كانت تُراجع دروسها، رأيتها تتحدث إلى ذلك الدب وكأنه شخص حي.
مسكينة.
يقول الناس إنها لم تستطع تجاوز وفاة والدتها، ولهذا تتصرف على هذا النحو.
لكن لا أعلم لماذا أراها بشكل مختلف.
كانت تبدو وكأنها تصارع الوحدة بكل ما أوتيت من قوة.
يا لها من فتاة بائسة.
◈مقتطف من يوميات S ◈
❈❈❈
لم يفهم ديتريش فحوى الكلمات تمامًا، لكنه شعر أن عليها دلالة ما، لذا قرر ألا يتجاهلها.
وبينما كان يتفحص الغرفة، لمح امرأة تقف بالقرب منه دون أن تصدر أي صوت.
تفاجأ، لكنه تمالك نفسه وسألها بنبرة هادئة:
“ما الذي تفعلينه هنا واقفة هكذا بلا حراك؟”
استدارت ببطء شديد وكأنها سمعت صوته بعد لحظات من قوله.
وفي تلك اللحظة، لم يستطع ديتريش أن يُبعد نظره عنها.
شعرها الذهبي الشاحب المتدلي، وعنقها الأبيض الذي تزيّنه نقطتان صغيرتان، وملابسها التي بدت وكأنها زي خادمة، كل شيء كان كما عهدها.
ما عدا شيء واحد.
…عيناها كانتا حمراوين.
لم تعُد زرقاوين كما كانتا دائمًا.
“متى دخلتِ إلى الغرفة؟”
سألها بنبرة حذرة وهو يراقبها عن كثب.
“تتحركين مثل الأشباح دون أن يشعر بك أحد.”
“…”
“لا أعلم لماذا أتيتِ إلى هنا، لكن عليكِ المغادرة. هناك طاقة مشؤومة لم تتلاشى بعد من هذه الغرفة.”
رغم شعوره أن تجاهل عينيها الحمراء كان خطأً فادحًا، إلا أنه كان يظن أن إخراجها من الغرفة أولويته الآن.
قد لا تؤذيها لعنة القصر أو وحوشه، لكن خوفه السخيف لم يسمح له بتركها هنا.
“هذا المكان خطر. اذهبي إلى الخارج.”
“…”
“ألا تسمعينني؟ لماذا تقفين هكذا؟…”
“وصلت إلى غرفة الدمى بالفعل؟ يا له من أمر مدهش.”
صمت ديتريش للحظة بسبب تغيّر أجواء حديثها المفاجئ.
“في الواقع، ظننت أنك ستموت قبل أن تصل إلى هنا.”
“…أنتِ…”
ضاق جبينه وهو يستوعب كلماتها التي تحمل نبرة أسف وكأنها تأسف لأنه لا يزال حيًا.
“يبدو أنني استهنت بك كثيرًا.”
صوتها، ونظراتها..
في تلك اللحظة، أدرك ديتريش بمرارة أن كل شكوكه كانت صحيحة.
لقد كانت تتلاعب به طوال الوقت وكأنه مجرد لعبة.
“تابع النجاة بنفس هذا الأسلوب.”
تحركت المرأة بسلاسة شديدة، واحتضنت دمية دب وردية اللون.
وبينما كانت تمرّر يدها برفق على رأس الدمية كما لو كانت تربت على حيوان أليف، بدأت الدمية تتحرك في حضنها.
< كريك، كركرك… ككك… >
دوّى صوت ضحك حاد يشبه احتكاك المعادن ببعضها.
توجهت نظرات ديتريش مباشرة نحو مصدر الصوت، إلى الدمية الوردية التي كانت تحتضنها شارلوت.
< كركرك… لنلعب معًا. >
في تلك اللحظة، بدأت الدمى التي تزيّن الغرفة تتحرك وكأنها خرجت من سباتها.
راحت تتمايل وكأنها تؤدي رقصة غريبة، ثم فجأة توقفت جميعها في وقت واحد.
شعر ديتريش بأن الوضع ليس على ما يرام، فتصلّبت ملامحه وأخرج سيفه بحذر.
كبرت تلك الدمى الصغيرة حتى أصبحت بحجم البشر، ثم اندفعت نحوه دفعة واحدة.
نظرت شارلوت إلى ديتريش بعينيها اللامعتين وابتسمت ابتسامة مستفزة.
“ترى… هل ستنجو هنا أيضًا؟”
نظر ديتريش أولًا إلى الدمى، ثم حول بصره إلى المرأة التي كانت تستمتع بما يحدث بوضوح.
“يا للسخرية.”
كانت المرأة ذات العيون الحمراء تتلذذ بالمشهد وكأنها تشاهد عرضًا ممتعًا، مما جعله يدرك أخيرًا السبب وراء إحساسه الدائم بعدم الارتياح.
لم يكن ذلك بسبب وحشيتها أو مظهرها الزائف فقط، بل لأنه كان يشعر بخيبة أمل طفيفة تجاه نفسه.
في تلك اللحظة، لمح وميضًا أزرق في عينيها الحمراء، لكنه اختفى بسرعة قبل أن يتمكن من التفكير فيه.
ثم اندفعت قبضة دمية عملاقة نحوه بسرعة مذهلة.
–بوووم!–
تفادى ديتريش الضربة في اللحظة الأخيرة، لتصطدم القبضة بالأرض وتحدث فجوة عميقة فيها.
رغم أن قبضة الدمية كانت تبدو وكأنها محشوة بالقطن، إلا أن تلقي ضربة واحدة منها كان كفيلًا بتهشيم عظامه بالكامل.
سخر من نفسه بينما كان يرفع سيفه، متعجبًا من تفكيره في عيني المرأة بدلاً من التركيز على المعركة التي تهدد حياته.
ثم انطلق وواجه الدمى التي اندفعت نحوه حتى قضى على آخرها.
“ما هو هذا القصر بحق السماء؟”
في البداية، ظن أن الهدف منه هو القضاء عليه، لكنه كلما تعمّق فيه ازداد الأمر غرابة.
فمن الذي يمتلك القوة ليلقي تعاويذ بهذا المستوى الرفيع؟.
“هذا القصر خطر.”
فكر ديتريش في أن هذا المكان قد يُستخدم يومًا ما ضد أشخاص آخرين غيره.
بعدما تخلص من آخر دمية، نظر إلى المرأة مجددًا.
“ما هو سر هذا القصر؟”
كرر السؤال للمرة الثالثة، لكن هذه المرة كان يخطط للحصول على الإجابة مهما كلفه الأمر.
شعر بعرق يتصبب من كفه الذي كان يقبض على السيف بإحكام.
“قلتِ لي ألا أتراجع، وها أنا لا أنوي التراجع.”
“ألا تنوي التراجع؟”
“سأفعل أي شيء، حتى لو اضطررت للقتال، من أجل الحصول على الإجابة.”
كان صادقًا تمامًا، ونبرة صوته كانت مليئة بالحدة والعزم.
لكن عينا المرأة الحمراوان لمعتا بسخرية واضحة.
ثم ظهر وميض أزرق في عينيها مرة أخرى، لكنه اختفى سريعًا، لتحل محلهما عينان حمراوان متوهجتان.
“إن استطعت… فجرب.”
كان تحديًا صارخًا.
“قد لا تكون قادرًا على قتلي، أتعلم؟”
“أحقًا تظنين أنني عاجز؟”
“لكن إذا كنت ترغب في قتلي، عليك ألا تغفل.”
‘ غفل؟ ‘
لاحظ فجأة أن الدمية الوردية التي كانت تحتضنها قد اختفت.
أين ذهبت…؟
<كركرك… لنلعب! >
فجأة، سقطت الدمية من السقف على نحو مفاجئ.
—بوووم!–
كانت أكبر حجمًا بكثير من أي دمية واجهها من قبل.
تراجع ديتريش على الفور، بينما ركضت الدمية نحوه بسرعة مدهشة رغم حجمها الضخم.
< لنلعب! لنلعب معًا! كركرك! >
توهجت أزرار عيني الدمية باللون الأحمر، ثم قفزت في الهواء محاولة الإطباق عليه.
لكن ديتريش كان مستعدًا، فرفع سيفه وشق بطن الدمية بحركة سريعة ودقيقة.
كان قد تخلى عن أي تردد هذه المرة.
تمزق القماش وتناثر الحشو الأبيض في كل اتجاه، ليختلط بالقطع الممزقة المتساقطة على الأرض.
“أخيرًا تخلصنا من هذه الدمى المزعجة.”
التفت ديتريش نحو المرأة، ليرى أن عينيها أصبحتا زرقاوين مجددًا.
كانت تتأرجح بين اللون الأحمر والأزرق بشكل محير.
رفع حاجبيه باندهاش، لكن المرأة لم تبدُ متفاجئة على الإطلاق، بل كانت تبتسم وتُشير بيدها إلى السقف.
نظر ديتريش إلى الأعلى بحذر، لكنه لم يجد سوى ورقة صغيرة تتهادى نازلة.
التقط الورقة وقرأ ما عليها.
[ابحث عني! |Come to my room!]
كانت الكلمات مكتوبة بخط طفولي مستهتر.
“ما هذا؟”
اقتربت المرأة بخطوات خفيفة، ووضعَت يدها على ذراعه التي تمسك بالورقة.
شعر ديتريش بانقباض في صدره، فأخذ يفتح كفه ويغلقه بشكل متكرر.
“ماذا تحاولين الآن؟”
“ألم تسمع ما قلته قبل قليل؟”
“ما الذي… آه، تقصدين أنك تأسفين لأنني لم أمُت بعد؟”
ابتسمت بخفة وقالت:
“قلت لك أن تحاول البقاء على قيد الحياة.”
“…؟”
“لذلك سأساعدك.” __________________________________________
يوميات S يظهر في كل مرحلة مُقطتف منها بحيث يكون حل إحدى الألغاز فيها ، يُذكر ايضاَ أنها تروي عن قصة آنسة قصر ليندبيرغ قبل أن تستحوذ عليه الوحوش والشياطين الآن.!
• حسابي واتباد: Toro1312 !!⭐•
《لاتدع الرواية تشغلك عن العبادات》
ترجمة: ✧𝐀𝐌𝐘✧
التعليقات لهذا الفصل " 11"