ولم يمضِ وقتٌ طويل حتى استعاد إيجيد عافيته كأن السُهد لم يطله أبدًا.
عاد كما اعتاد دومًا، يواصل مسؤولياته في أرجاء القصر الإمبراطوري بجلَد لا يعرف الكلل، يؤدي حتى أدق المهام بجدية؛ يراجع الوثائق، يوقّع الأختام، يُنهي كل صغيرة وكبيرة بهدوء.
لكن في اجتماع اليوم… لم تكن ملامحه تحمل شيئًا من السكينة.
“سوف يحضر عدد أكبر من النبلاء حفلة التنكّر القادمة… وفي القاعة الكبرى في قلب العاصمة…”
ارتجفت عيناه الحمراوان وأنزل بصره إلى الأرض، كأن الأرض ذاتها تثقل على كاهله.
كان قلبه ممزقًا.
‘أن تظهر آني على هذا المشهد البائس…’
أي قلب رجل لا يحلم بأن يرى معشوقته فيه صورة الفارس البهيّ، الرجل الكامل، القوي، البعيد عن كل عيب؟ ومع ذلك… ذلك اليوم… كان الأكثر دنُوًّا، كان الأسوأ من بين كل الأيام.
يا للسخف… يا لغبائه الفاضح.
وكلما استرجع تفاصيل ما حدث، ازداد خجله اتقادًا، تجعّد جبينه، وتمتم بلا وعي:
“… أحمق.”
ساد الصمت، كأن الهواء تجمّد في القاعة الممتدة حيث اصطف الوزراء في صمت مهيب، أجواء مشحونة بعد كلماته غير المقصودة.
أدرك إيجيد أنه أفلت زمام مشاعره، فأطبق شفتيه على عجل… ولكن بعد أن فاضت الحماقة بما يكفي.
كان كما لو أن ثقله الشخصي أثقل من قدرة جسده على التحمل، فهَوَى في مقعده كما يَهوي رجلٌ على أعتاب الانهيار.
تمتم أحد الحضور مستغيثًا، وجهه شاحب وعيناه متوسلتان:
“أنا بخير… فقط أنقذوا أطفالي الأبرياء…”
خيم شعور بالمرارة في صدر إيجيد… آني، لو علمت حقيقة ما هو عليه… هل كانت ستُعامله على نحو مختلف؟ أو هل سترى فيه شيئًا سوى الطاغية الذي ترتجف من اسمه البلاد؟
لم يتذوق طعم السعادة حتى… فقد ابتلعه السواد من جديد.
اعتدل واقفًا…
“تابعوا.”
لا أحد تجرأ على الاعتراض، انصاع الجميع، وتبعه فقط اثنان من مساعديه يركضون خلفه كظلال ثقيلة.
لكن من بين الجميع، لم تغب الملاحظة عن دوهير الذي لطالما فاقت ملاحظته كثيرين:
“جلالتك… الآنسة دْسِف تحب الفراولة.”
ابتسم إيجيد داخليًا بمرارة… كان يعرف ذلك، ولهذا اشترى مملكة كاملة تشتهر بالفراولة من أجل ابتسامتها فقط.
لكن خبرًا آخر بلَغ أذنه:
“وجهتنا التالية… تجربة قطف الفراولة.”
تجمد خطواته… تجربة قطف الفراولة؟
إن كانت آني تنسج حكاياتها عن إمبراطورية بوركاوس… فلا ريب أنها ستقصد أشهر بقعة…
مزارع دوشامبريا للفراولة… تلك التي لطالما تغنّى بها الجميع.
مرّ طيف ابتسامة باهتة على وجهه… ثم انقبض قلبه مرة أخرى.
ليست الوجهة ما يُقلقه… بل الفراولة ذاتها… تلك الثمرة الحمراء المخادعة!
همس لنفسه، صوتٌ بالكاد يُسمع:
“… لا بد أن أحميها.”
دوهير، الذي كان يصغي بصمت، ارتبك:
‘تحميها… مِن ماذا؟’
لا وحوش تُستدعى وسط حقول الفراولة… فما الذي يستدعي الحذر؟
وكأن صدى القلق تجاوب مع أفكاره… أكمل إيجيد بوجه عابس:
“… النحل.”
آه… حتى هذه الحشرات الصغيرة قادرة على إلحاق الأذى ببشرتها الرقيقة… بيديها التي لم تُخلق للألم…
وهو، الذي يعلم مدى كُرهها للحشرات… لم يحتمل مجرد التفكير بذلك المشهد.
دوهير صمت… يهمس داخله:
‘هل يا ترى يقصد النحل العادي أم نحل العسل؟’
* * *
حقول الفراولة يا لها من لوحة منسوجة من الحُمرة والندى أما إيجيد فقد وقف هناك كما يقف فارس على حافة معركة مصيرية.
كان كمن يتهيأ لقتال أشباح خفية، أنفاسه تتردد بثقل، وعيناه تمسح المكان بيقظة لا تعرف السكون.
كل حبة فراولة، كل ورقة خضراء… كان يرمقها كما لو كانت عدوًا يُخفي سلاحه بين طيّاته.
ارتجف المزارع، لم يكن حرّ الصيف ما أقلقه بل حضور الطاغية الذي نُسجت عنه حكايات الليل.
‘ماذا فعلت في حياتي السابقة لأستحق هذا العذاب؟… هل بعت مملكتي في زمنٍ مضى؟’
لم يكن مال الدنيا ليمنح قلبه راحةً حين اصطدمت نظراته مباشرة بنظرة الإمبراطور.
لا مال، ولا حظ، ولا مجد… كُلّ شيء قد يذوب تحت خطى الطاغية القاسية.
لكن إيجيد لم يُصدر أي أمر لم يلوّح بسيف، لم يُفسد شيئًا فقط راقب الحقول.
اقترب فيز كمن وجد فرصة نادرة ليستعرض نفسه أمام دوهير:
“جلالتك… هل ترغب أن أقطف لك حبة فراولة؟”
لكن صوت دوهير اخترق صمت المكان بفتور محذر:
“فيز… جلالته يكره الفراولة.”
اتسعت عينا فيز… كمن يسمع هراءً لا يُصدق:
“مَن في العالم يكره الفراولة؟”
لكن دوهير رمقه بنظرة باردة جعلته يتجمد.
إيجيد يا للأسى لولا سحر هذه الثمرة في مملكته لولا عشق شعبه لها لولا تلك الابتسامة التي تظهر على وجه آني عندما ترى الفراولة لما اقترب منها قط.
طعمها، رائحتها، ملمسها… كل شيء فيها كان يثير اشمئزازه منذ صغره.
لكنه كان يتناولها… يبتلع مرارتها… فقط ليحافظ على رزق المزارعين الذين ينتظرون عطايا القصر.
وقف هناك عقله يغلي كيف يُهدي لآني الفرح دون أن يُثقل كاهلها دون أن يغرقها في امتنانٍ خانق؟
كان يريد أن يُقدّم شيئًا صادقًا بسيطًا نظيفًا كنسيم الصباح يزرع لها ذكرى نقية ربما حتى يكشف لها قلبه الحقيقي.
ثم التقط بصره وثيقة عتيقة سحبها المزارع بارتباك من بين طياته أوراق عمره دمه وعرقه منحوت في أسطرها كل ما يملك يتشبث بها كمن يُمسك بقشة وسط بحرٍ هائج.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 47"