منذ أن كانت الفتاة لا تزال تتلمّس خطواتها الأولى في الحياة، كانت “آني” وجرْوتها تسيران جنبًا إلى جنب، وكأن روحًا واحدة انشطرت إلى جسدين.
وربما لهذا السبب، كانت الملاجئ التي تضم الجراء التائهة تأوي شيئًا من قلبها قبل أن تأوي تلك الكائنات الصغيرة.
لكن “بوركاوس”، رغم عظمة اتساعها، كانت تخنق في صمتٍ الاحتياج…
دُور الأيتام كانت مجهّزة، ومراكز الأمهات العازبات تحظى برعاية نسبية، لكن مرافق احتضان الكائنات الضعيفة — تلك التي لم تنطق بلغة البشر — كانت شحيحة، فقيرة، شبه منسيّة.
غير أن الزمن، كما يفعل دائمًا، غيّر وجه المدينة.
فمنذ سنوات قليلة، بدأت ملاجئ الجِراء بالظهور، كأن الأرض قرّرت أن تفتح ذراعيها أخيرًا.
وما كان يعرفه القليلون فقط… أن لآني يدًا ناعمة، لكنها كانت تبني من الظل. كانت تدعم الملجأ بصمت، لا يعلم بها أحد — لا “كارلا”، ولا العائلة.
فقد كانت تزوره، ذات زمن، بصحبة رجلٍ صار اسمه الآن عبئًا على الذاكرة.
نظرت حولها، فعانقتها الذكرى دون استئذان.
مرت سنة كاملة على آخر مرة زارت فيها هذا المكان، ليس لأنها لا ترغب، بل لأن قلبها لم يعد يحتمل أن يُبعثر من جديد.
ذاك المكان كان يحمل طيفه…
“جون” — خطيبها السابق — كان حاضنًا لكل لحظة هناك، حتى ابتسامة الجراء كانت تُشبهه.
ضحكت آني بسخرية حزينة.
ذاك الذي كان يخشى الجراء منذ صغره، إذ عضّه أحدها، صار يأتي معها إلى هنا، لا يفوّت زيارة. كان يغسل البطانيات، ويضحك معها، يتحدث بلا تكلّف.
كان يشاركها الضوء، ثم اختفى.
* * *
“أوه، من هذه التي أشرقت؟ لقد مرّ زمن طويل.”
اقترب منها رجل خمسينيّ، وجهه يحمل دفء العادة.
أومأت آني بصمت.
إنه مدير الملجأ، سبع سنوات من العمر أمضاها في خدمة تلك الأرواح الصغيرة.
ابتسم لها ولـ”كارلا”، ثم سألهما فجأة:
“هل حضر السيد سوفينان معكما؟”
تغيّرت ملامح “كارلا”.
فـ”جون موكس سوفينان” لم يكن اسمًا عاديًا…
بل ذاكرة ثقيلة.
همست “كارلا” بدهشة ممزوجة بالعتب:
“آنستي… هل كنتِ تأتين إلى هنا بصحبته؟”
صمتت آني.
نظرت إلى الأرض، إلى يديها، إلى أي مكان لا يُظهر ارتجاف صوتها.
شدّت “كارلا” طرف كمّها برقة:
“سكوتك لا يليق بكِ كابنة لأرستقراطية.”
وهنا… أنقذتها “لانغ”.
قفزت من العربة إلى المبنى، حرة بلا طوق، تمشي كأن المكان ملكٌ لها.
وجدت آني في “لانغ” مخرجًا… ذريعة لتهرب من سؤالٍ لا إجابة له.
“آنـسـتـي!”
“سأتفقد المكان فقط!”
رفعت يدها تلوّح، ومشت بخفة امرأة تحاول النجاة من ظلّها.
* * *
المبنى بُني بحبّ…
الأرضية ترابية لتمنح الجراء حرية الركض، كما لو أن هذا المكان لم يُخلق إلا لهم.
لكن شيئًا ما… لم يكن كما اعتادت.
‘هل عدد الجراء أقل؟’
أتاها أنين ضعيف… فتبعت الصوت.
وهناك، في قلب إحدى القاعات، رأت ما لا يمكن تصديقه:
جبل هائل من طعام الجراء، يعلو كأنه نُصب تذكاري للغريزة.
الجراء تتسلقه، تقضمه، تتمدد فوقه كأنها تعتلي عرشًا لا يخصّ الملوك بل الأبرياء.
‘ما الذي يحدث هنا بحقّ؟’
قبل أن تتفوه بشيء، سمعت صوتًا عذبًا، عميقًا كالنور في آخر النفق:
“لقد سارت الأمور على ما يُرام.”
اقتربت بخطى متوجّسة، فرأت رجلاً يجلس بجانب “لانغ”.
كان ضخمًا، عريض المنكبين، بظهرٍ يوحي بالثبات، لكن وجهه غُطّي بقبعة سوداء وقناع غامض.
كان يهمس إلى “لانغ” كلماتٍ ثقيلة:
“سيُعاقَبون… أولئك الذين تخلّوا عنك.”
“أن يُرمى بك بعد كل وفائك؟”
“سألعنهم… لثلاثة أجيالٍ من الحرمان، من الحب، من الزواج.”
‘هل يتحدث عن عائلتي؟!’
لم تستطع الصبر أكثر.
هي التي لم تتخلَّ قط عن جروتها…
وها هو يتحدث عنها بكلماته، يحكم على عائلتها بلعنات لا تليق.
وقفت بكل ما تبقى في قلبها من كبرياء، وقالت:
“عذرًا.”
لكنه استمر:
“قال لي والدي الراحل… الرجل يحمل جروحه، ولا يبوح… لكنه يظل حيًّا.”
‘كفى.’
رفعت ذقنها وقالت بثبات:
“أنا لم أتخلَّ عن جروتي.”
استدار، وكأن صوته ارتطم بحائط الذهول، فرآها…
العينان التي لا تنسى.
المرأة الوحيدة التي بدت دومًا كأنها خارجة من قصيدة.
وأضافت بصوت بارد كالسيف:
“ولانغ… أنثى.”
ثم أنهت كلامها كقاضيةٍ تنطق بالحكم:
“قدّم اعتذارك.”
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 42"