كان إجيد حائرًا…
كيف لجروٍ أن يرفض طعامًا اختاره بعناية فائقة؟
لقد اختار هذا النوع تحديدًا من أجل “لانغ”، جرو آني العزيز، بعدما بحث مطوّلًا وسأل الخبراء عن الأجود والأشهى.
لكنه الآن، واقف أمام كومة الطعام، يرى الجرو الذهبي ذا الفرو الكريمي الناعم لا يلتفت إليه، ولا إلى الطعام.
خدش في كرامته؟ ربما.
اقترب بهدوء، التقط قطعة من الطعام، ولوّح بها برفق.
“هيّا… خذه.”
كان يظن أن الجراء تعشق هذا النوع من اللعب، فأراد أن يُدخل السرور إلى قلبه، دون أن يؤذيه أو يربكه.
تــُك~
سقطت القطعة على الأرض.
لم تتحرك، لم تقترب…
حتى النظرة التي ألقتها عليه كانت واهنة، كأنها تقول: “كفى.”
لم تكن نظرة عناد، بل كانت نظرة من اعتاد الخذلان.
حدّق إيدجد في القطعة المتروكة، ثم أطرق برأسه قليلًا.
لم يكن غاضبًا، بل مشفقًا… قلقًا.
‘هل آلمه الفقد إلى هذا الحد؟’
اقترب أكثر، جلس قربه بحذر كمن يتسلّل إلى قلبٍ مكسور.
“هل أستطيع لمسَك؟”
قالها بصوت خافت، وكأنه يستأذن أرواحه لا جسده.
“هـو… (بكل سرور).”
صدر عن أنفه صوت خافت، أقرب لأن يكون إيماءة بالموافقة.
مدّ يده، ووضعها على فروه…
ناعم… كحريرٍ ترفُل فيه أمير، لا كلب مشرّد.
“إن كنت قد نشأت في منزل دافئ، فكم هي قاسية هذه الأرض عليك الآن؟”
فجأة…
حجارة صغيرة اصطدمت بزجاج النافذة.
تجهّم، لكنه تجاهل.
من يعبث بالخارج لا يعنيه الآن…
ما يعنيه هو هذا الجسد الصامت، وهذه العيون التي ما عادت تثق بأحد.
أراد أن يمنحه دفئًا…
دفئًا يشبه دفء آني حين مدّت له يدها ذات يوم، وسط ظلمة قلبه.
اقترب أكثر، وهمس:
“إنه طعامٌ لذيذ… ألا تجربه ولو مرة؟”
“همف؟”
“غونغ.”
“لا.”
أدارت رأسها، وكأنه يقول له بهدوء: “كفّ عن المحاولة.”
تنهد، ووضع قطعة الطعام بجانبها.
“لا بأس… لا البشر يُجبرون، ولا الجراء.”
حتى لو كان يُدعى طاغية… فليكن.
لكنه لن يُجبر قلبًا مُنهكًا على شيء لا يريده.
جلس إلى جواره، بصمتٍ، كما يجلس الحُزن إلى جوار المنكسرين.
كان عليه أن يتعلّم كيف يتحدث إلى روح مغلقة.
‘حين كانت آني تنصح النبيلات…’
> “اتركيه. ذاك الرجل لا يستحقك. كل دقيقة إضافية ستهدمك.”
ربما الشتائم كانت نوعًا من المواساة.
فكر مليًا، ثم قال:
“سيكون كل شيء على ما يرام. سيُعاقبون، أولئك الذين تخلّوا عنك.”
“أن يتخلّى أحدهم عنك… عن كائنٍ مثلك… سأدعو عليهم بدلًا عنك. ثلاث أجيال من الخراب، لا زواج، لا حب، لا راحة.”
لكن فجأة…
“عذرًا.”
جفل قلبه.
هل… هل سمع صوتها؟
صوت آني؟
‘أتراني أتخيل؟’
لم يكن غريبًا عليه أن يرى خيالاتها، لكن أن يسمع صوتها؟ هذا جديد.
ابتسم بمرارة، وواصل حديثه إلى الجرو وكأنّه يحدّثه.
“قال والدي ذات مرة: على الرجل أن يتحمّل أن يعيش ولو بصمت. لكن الخذلان… لا يُنسى بسهولة.”
لكن من خلفه…
جاء صوتٌ آخر. هذه المرة حقيقي.
“عذرًا… لم أتخلَّ عن جروي.”
استدار ببطء.
امرأة بشَعرٍ بنيّ قصير، وقميصٍ بسيط، تقف بثقة.
‘مستحيل…’
فتح فمه داخل القناع، وتجمّد.
في هذا العالم، لا تُشبهها أحد.
حتى بوجود وبر الجراء على ملابسها، تظلّ تشبه الجنيات.
ثم… نظرت إليه، وقالت:
“وجروي… أنثى.”
التعليقات