في هذه الأثناء، توقَّفَتْ عربة أرجوانية تابعة لعائلة “دْسِف” أمام القصر.
وعندما رأت “كارلا” العربة القديمة، قالت لـ”آني” مجددًا:
“يا إلهي! أنتِ تجنين المال أثناء السفر، وأنا أستمتع باللعب معكِ.”
وبفضل ذلك، تحسَّنَتْ حالة “آني” المزاجيَّة أيضًا. لم يكن الجوُّ جميلًا فحسب، بل كانت تشعر بإحساس طيب بطريقة ما.
وقبل أن تركب العربة بلحظات، رفعت “آني” رأسها وقالت للسائق: “مرحبًا”. فظهر أمامها شاب غريب، سائق غير مألوف لها.
كان الشاب ذو الوجه الغريب يرتدي قبعة “فيدورا” قديمة.
‘هاه؟ متى تغيّر السائق؟’
وبينما كانت “آني” تميل رأسها في استغراب، ضغط السائق على قبعته بخفة.
أرادت أن تنظر إليه مجددًا، لكن “كارلا” دفعتها من الخلف.
“سيّدتي، دعينا نذهب.”
“آه، نعم.”
‘هل هو سائق جديد؟’
وبعد قليل من التفكير، استندت “آني” على ظهر المقعد داخل العربة.
وأخرجت “كارلا” شيئًا من حقيبة النزهة التي أعدّتها مسبقًا.
“العم بات اعتنى بالطعام.”
كرواسون طازج وزجاجات زجاجية مملوءة بالحليب الطازج.
فتحت “آني” فمها بإعجاب بالرائحة اللذيذة التي كانت تفوح من الحقيبة الصغيرة باستمرار.
كان الطعام لذيذًا، لكن الكمية كانت كبيرة للغاية.
“كارلا، هل ستأكلين كل هذا بنفسك؟”
“سوف نأكل منه ذهابًا وإيابًا. وجبات العم بات دائمًا رائعة.”
“حسنًا، سأضطر إلى فك حزام فستاني عندما أعود.”
ضحكت الاثنتان بمرح، وأمسكتا أرغفة الخبز واحدة تلو الأخرى وبدآتا تقضمان. وببراءة الأطفال، أخذتا تلعقان الزبدة الحلوة التي كانت تلتصق بأصابعهما.
وبعدما شبعت بطونهما، بدأت “كارلا” تشعر بالنعاس. فنظرت “آني” إلى وجهها وأخرجت بطانية من حقيبتها.
غطَّت “آني” كارلا بعناية بالبطانية، ثم حولت نظرها إلى النافذة. وارتسمت على وجهها ابتسامة حزينة بينما كانت تشاهد المنظر الخارجي يمرّ عبر نافذة العربة.
على مدى الأعوام الستة الماضية، كان قلبها يرتجف في مثل هذا الصباح الجميل؛ إذ كانت السماء الصافية تذكّرها بالأيام التي كانت تقضيها مع ذلك الشخص، تمشي تحت السماء وتستنشق الهواء النقي.
أسندت “آني” جبهتها برفق إلى باب العربة وهي تتذكَّر ماضيها. لقد تغيّر ذلك الحبُّ الذي كانت تظنّه أبديًّا بكل سهولة، كما لو أن أحدهم قلب راحة يده.
سيكون هناك دومًا شخص ثابت كالحب الأول، لكنها الآن لم تَعُد تضع أي آمال أو توقُّعات.
“أستطيع أن أعيش جيّدًا بمفردي.”
وعلى عكس كلماتها المُقنِعة، انهمرت دموع دافئة على خديها. أخرجت “آني” مرآة يدها.
عندما تستيقظ “كارلا”، ستشعر بالانزعاج إن رأت دموعها. كان عليها أن تمسح وجهها قبل أن تفيق.
ولكن في تلك اللحظة، اهتزّت العربة وتوقّفت فجأة.
تحطّم!
انزلقت المرآة من يدها، وسقطت على الأرض، وتحطّمت، فتطايرت شظاياها هنا وهناك.
“ماذا حدث؟”
“آسفة، سألتقطها… آه!”
لقد انغرست قطعة طويلة من الزجاج في إصبع “آني”.
وعندما أخرجتها بسرعة، بدأ الدم يتدفّق بغزارة كما لو أن صنبورًا فُتح.
“سيّدتي، هل أنتِ بخير؟!”
“هممم، لا بأس.”
طمأنت “آني” كارلا بهدوء، ثم لفت إصبعها بضمادة منديليَّة بإحكام.
لكن المنديل الأبيض تحوّل إلى اللون الأحمر بسرعة، فصرخت “كارلا” بغضب على السائق.
“آه، بحق السماء! ماذا تفعل؟!”
“لقد ارتكبتُ خطيئةً تستحقّ الموت! اغفري لي! أرجوكِ اغفري لي!”
كان صوت السائق عاليًا ومفزعًا، مما جعل السيدتين ترتجفان.
‘هل يحتاج المرء إلى التوسل بهذا الشكل عندما يعتذر؟’
ربّتت “آني” على ظهر “كارلا” بيدها السليمة.
“كارلا، أنا بخير.”
“آه، ماذا سأفعل إن تأذّت يد سيّدتي الجميلة؟”
لقد تلّون أعلى المنديل بالأحمر كلّه، إذ أن الشظية الزجاجيّة كانت قد انغرست بشدة في إصبعها.
قالت “آني” بهدوء: “لا يؤلمني كثيرًا، والجرح في أعلى الإصبع، لذا لن يؤثّر على قدرتي في الكتابة. ثم إنّها يدي اليسرى.”
“سيّدتي…”
‘تفكّر في العمل حتى في مثل هذه اللحظة… مهما حاولت الابتعاد عن شؤون العائلة، تظل آني هي آني.’
نظرت “آني” إلى “كارلا” بنظرة ضجر وقالت بنبرة مقتضبة:
“لابد أنّنا وصلنا. دعينا نخرج.”
“لابد أنكِ تفاجأتِ… أليس من الأفضل أن ترتاحي قليلًا؟”
“ما هذا؟ الإفراط في الحماية ليس جيدًا.”
وعندما خرجت “آني” أولًا، بدا السائق الواقف عند الباب مصدومًا وهزّ رأسه مرارًا.
“أنا آسف جدًّا! آسف جدًّا، سيّدتي!”
التعليقات لهذا الفصل " 32"