كان التحدُّثُ إلى أحد أفراد العائلة، مثل لانا، من العادات القديمة لآني.
تمتمت بصوتٍ خافتٍ وقد بدا عليها السخرية:
“لا، كيف يمكنني قول شيءٍ كهذا في مثل هذا الوضع؟”
مَنش~ مَنش~ مَنش~
كانت لانغ تأكل طعامها بشهيّة. لقد تعلّمت درسًا مهمًّا عن البشر في وقتٍ مبكّرٍ من حياتها:
بغضِّ النظر عمّا يقوله البشر، فإنّه لا يهمُّ ما لم يتبعه فعل.
حتى لو كان المتحدّث هو صاحبها، فلا داعيَ للردّ إذا كان ما يقوله مجرد كلام فارغ.
كان الصوت الوحيد في الغرفة هو صوت لانغ وهي تُمضغ طعامها اللذيذ.
مَنش~ مَنش~ مَنش~
وبعد فترة، زحفت لانغ نحو آني بعد أن أنهت وجبتها، وكانت تهزُّ ذيلها بلُطف لأنَّ معدتها أصبحت ممتلئة.
ربّتت آني على رأس لانغ وقالت:
“سأفكر في الأمر… لن أستخدمك كعذر مرةً أخرى.”
بدت لانغ مستمتعة بلمسة آني. ثم همست آني بهدوء:
“لقد كان… كان مريبًا للغاية، بالمناسبة.”
عندما تحرّك إيجيد، تذكّرت آني تلك العيون الواسعة.
ظلّ ذاك الشغف الغريب الذي كان في داخله عالقًا في ذهنها.
“أعتقد أنّه كان مجرّد وهم.”
مشاعر تجاه الطاغية؟ كم هو أمرٌ مضحك.
ابتسمت آني، وانتزعت وردةً جافّةً من بين ذراعيها. كانت كنزًا نادرًا احتفظت به وسط هذا الوضع المتقلّب.
ولحسن الحظ، لم تتفتّت البتلات وظلّت الوردة على حالها.
أعجبت آني بالوردة التي كانت لا تزال تعبقُ بعطرٍ خافتٍ وجميل.
قالت وهي تبتسم:
“لكنني كنت سعيدة حقًّا برؤية ذلك الكمّ من الورود لأوّل مرة… كان من الرائع رؤيتها معك.”
نباح~
حاولت لانغ لمس الوردة بمخالبها.
رفعت آني يدها لتحجب الوردة، ثم قامت بتدليك ظهر لانغ بلُطف بيدها الأخرى:
“فتاةٌ جيّدة، يا لانغ.”
نباح~
جلست آني على الكرسي المجاور لمكتبها، واحتضنت لانغ بقوّة بين ذراعيها.
ثم وضعت الوردة المجفّفة التي أحضرتها من القصر الإمبراطوري داخل زجاجةٍ شفافةٍ ونظيفة، وضعتها على مكتبها.
نظرت آني إلى الوردة طويلًا، ثم أدارت رأسها جانبًا.
هـفـيـف~
سمعت صوت الرياح يدخل عبر النوافذ المفتوحة على مصراعيها.
وفجأة، تردّد صوتٌ خافتٌ في ذهنها:
> “ارفعي رأسك.”
كان صوت الرجل مرتجفًا ودافئًا.
ابتسمت آني عند سماع ذاك الصوت الذي يُشبه صوت الإمبراطور:
“كلامٌ لا فائدة منه.”
فكّرت: تحدّث الطاغية معها بلُطف؟ من الواضح أنّ عقلها المرهَق استحضر هذا الوهم بسبب توتّرها الزائد.
“كانت السيّدات الشابات متأكّدات من أنّه تلفّظ بكلمات نابية.”
هزّت آني رأسها، وبدأت بترتيب مكتبها.
وبعد أن نظّفت الأوراق ورتّبت الحبر وأقلام الرّيشة بطريقةٍ أنيقة ومُرضية، مدّت أصابعها نحو القلم.
قالت:
“هل نبدأ؟”
عند تلك اللحظة، نزلت لانغ ببطء إلى الأرض الخشبيّة، وجلست قرب قدمي آني.
ابتسمت آني لذلك الإحساس الدافئ بجانب قدميها، وفتحت غطاء محبرة الحبر.
ثم بدأت تكتب بالقلم ذي الرّيشة السوداء:
“شلالات بوركوس.”
قالت وهي تبتسم برضا:
“بالطبع، تُعَدُّ شلالات بوركوس من الوجهات السياحيّة الرئيسيّة في بلدنا.”
—
كان إيجيد، بعكس ما يتخيّله الناس، رجلًا يعيش حياةً منتظمة.
حين يكون الجميع نائمين، يستيقظ هو، ويذهب إلى ساحة تدريب الفرسان ليتدرّب على المبارزة بالسيف.
ثم يُراجع بعنايةٍ الأعمال اليومية في مكتبه قبل أن يتناول طعامه.
وليس من المبالغة القول إنّ يومه يسير وفق جدولٍ دقيقٍ ومنظّم.
كان المساعدان أحيانًا يتثاءبان، لكن إيجيد لم يكن يومًا كسولًا في أداء واجباته.
وحتى في هذا اليوم، لم يستلقِ على فراشه إلا بعد أن أتمّ مهامه السياسية بجدية.
أطفأ المصباح، واستلقى على سريره.
ومع ذلك، ظلّ التوتّر ينبض في قلبه.
“أخيرًا… غدًا…”
عندما يحين ذاك اليوم، ستذهب آني إلى شلالات بوركوس. وقد أكّد الخبر سائق العربة الذي أرسله دوهير سرًّا إلى عائلة دسيف.
لكن، لماذا فعل دوهير ذلك؟
في البداية، كان إيجيد يخشى أن يكون حُبّه غير المتبادل قد انكشف.
غير أن دوهير ظلّ متماسكًا في سلوكه أمام الجميع.
> “لديّ نفس رأي جلالتكم. لا يمكن ترك شخصٍ موهوب مثل السيدة دْسِف دون رعاية.”
“……” <
> “يجب أن نأتي بها إلى القصر الإمبراطوري. ألن تكون مصدرًا قويًّا يمكن الاعتماد عليه حتى لو عملت كمبعوثة دبلوماسية؟”
في النهاية، كان دوهير يعمل بإخلاص للعائلة الإمبراطورية أكثر من أيِّ شخصٍ آخر.
التعليقات لهذا الفصل " 30"