وهل يُعقل، بحقّ السماء، أن تُرسل “كارلا” سيّدتها إلى ذلك الطاغية المجنون؟
إنَّه أمرٌ بديهيٌّ، لا يقبل الشكَّ ولا الجدل.
نـقـر~
بمجرَّد أن أُغلِقت النافذة الثقيلة، استدارت “كارلا” بعينيها الذَّهبيّتين المتقدتين نحو العربة المتوقفة أمام البوابة الحديديّة للقصر.
هناك، كانت العربة البنفسجيّة، بشعار عائلة “دْسِف” المهيب، تنتظر في صمتٍ مهيب.
قالت “كارلا” بصوتٍ حنونٍ ينضح بالقلق:
“ستعودين مباشرةً بعد تقديم الإقرار الضريبيّ، أليس كذلك؟”
ابتسمت “آني”، وقد تسرَّب شيءٌ من التفاؤل إلى صدرها، ثمّ تمدَّدت بجسدها ببطء، محاولةً طرد التعب المتراكم في أوصالها، وأجابت:
“يُفترَض ذلك.”
بخطواتٍ رصينة، اجتازت الاثنتان الساحة الرخاميّة اللامعة للقصر الإمبراطوريّ، حيث الوجوه ساكنة، والجدران تشهد على قرونٍ من المجد والدماء.
فقد حان موعد تقديم الإقرار الضريبيّ السنويّ للعائلة، وكان موسم “رياح الورود” يُلقي عبيره الخافت على الأرجاء.
رغم أنّ هذا الواجب موسميٌّ ولا يأتي إلّا مرَّة في العام، إلّا أنّه يحمل في طيَّاته إرهاقًا لا يُستهان به.
ومع ذلك، كان لا بدّ من أدائه دون توانٍ.
كارلا، الخادمة الأمينة والدَّقيقة، والتي تخدم أذكى فردٍ من أفراد عائلة “دْسِف”، احتضنت استمارة الإقرار الضريبيّ، التي ملأتها “آني” سلفًا، وضعتها داخل مُجلَّدٍ بنِّيٍّ أنيق، وضمَّته إلى صدرها وكأنّها تحمل كنزًا لا يُقدَّر بثمن.
في تلك الأثناء، كانت “آني” قد استقرَّت داخل العربة، وعيناها شارده، تغوصان في لجَّة أفكارها، بينما كانت العجلات تدور، تقرع الطريق نحو العاصمة.
ومن بعيد، بدأ القصر الإمبراطوريّ يلوح لها، ضخمًا، مهيبًا، يمدّ ظلاله على السهل كوحشٍ قديمٍ نائم.
ذلك هو عرين الطاغية… “إيجيد”.
“الطاغية…”
تساءلت في أعماقها، هل مجرَّد نطق اسمه هذا الصباح هو ما استدعى هذه المشاعر الثقيلة؟
وفجأةً، هبّت عليها ذكرى قديمة، كانت قد دُفنت في أعماق نسيانها.
“ششش، لا تبكِ.”
“إن لم تتوقفِ عن البكاء، فسيأتي الطاغية ويأخذك.”
ذلك الصوت، الذي كان يخرج من فم جدَّتها في أوقات الألم، أصبح جزءًا من ملامح طفولتها، يتكرر في ذهنها حتى اعتادت على سماعه، فصار كأنّه أغنية من أغاني الحكايات الشعبية التي يُحكى عنها في الأمسيات الباردة.
لقد كانت أهوال الطاغية “إيجيد جان بوركوس” منتشرة في الإمبراطوريّة انتشار الوباء.
مجرَّد ذِكر اسمه، كان يكفي لإطفاء البسمات من الوجوه.
حتى قبل أن يُولَد، سرت نبوءة كاللعنة في أرجاء الأرض.
ففي ذات زمن، تلقى “روبيش أبجي”، الملك المعروف بلقب “الأسد”، رسالةً مظلمة جاء فيها:
“الإمبراطور القادم سيكون طاغيةً كذلك.
سيسفك الدماء حتى تكتب صفحات التاريخ بحبرٍ أحمر.
كلُّ من يقف في طريقه، سيُقطَع إلى نصفين، ويُقدَّم طعامًا للغربان.”
لم يكن ملكًا ساذجًا، ولا قومه من الضعفاء؛ ومع ذلك، صدَّقوا النبوءة.
فالرجل قد قضى عمره سندًا للعائلة الإمبراطوريّة، وأحنى جبهته أمام قَدَرٍ لا مفرّ منه.
ومنذ ذلك الحين، صار الناس يتهامسون بقصصٍ مروّعة عن الطاغية المرتقب… حتى قبل أن يولد.
ومـرّت الأعــوام…
وجــاءت الــسـاعـة.
وبعد مضيّ عشرين عامًا، اختفت كلُّ دولةٍ تجرأت على الوقوف في وجه الإمبراطوريّة.
كأنّها ابتلعتها الأرض دون أثر.
ولم يتبقَّ بين الشعوب من يجرؤ على الهمس بمعارضة “إيجيد”.
لأكون دقيقةً، كان هناك رجلٌ واحدٌ قد رفع سيفه ضدّه، لكنّه، قبل أيامٍ معدودة، تبخَّر وجوده من هذا العالم.
سيف “إيجيد”، سيفٌ باردٌ لا يعرف الرحمة، كان قد حصدهم جميعًا.
وفي طفولتها، كانت “آني” طفلةً واهنةً، كثيرة البكاء، تخشى ذلك الطاغية الصغير الذي كان يصغرها سنًّا، والذي استُخدم اسمه كأداةٍ لقمع نزواتها الطفوليّة.
> “آني، إن لم تأكلي، سيأخذكِ الطاغية لتصبحي زوجته!”
> “وااااه!”
‘كنتُ بريئةً بصدق آنذاك…’
ابتسمت “آني” بمرارة، ساخرةً من ذكريات خوفها الساذج.
لقد كانت تطيع كلّ أمرٍ صادرٍ عن والديها، خشية أن تتحول إلى “عروس الطاغية”.
لكن… لِمَ كانت تخاف إلى ذلك الحدّ؟
ذلك الطاغية، الذي كان لا يزال طفلاً دونها، من المفترض أن يكون أكثر هشاشةً منها، ومع ذلك، كان اسمه يجمّد الدم في عروقها الصغيرة.
غير أنّ الزمن، ببطءٍ وحكمة، قد خفَّف من حدة ذلك الخوف.
اليوم، حتى لو عبرت أبواب القصر الإمبراطوريّ، فليس ثمة داعٍ للرهبة.
“إيجيد”، بالكاد كان يُرى حتى بين جدران قصره المترامي.
خارج منصبه الرسميّ، لم يكن يعرف أحدٌ أين يختفي.
بعضهم كان يقول إنه هبط إلى العالم السفليّ ليقاتل الشياطين، وآخرون زعموا أنَّه دمَّر أممًا بأكملها.
لم تكن أكثر من شائعاتٍ تروى تحت أضواء المشاعل الخافتة.
ورغم كلّ شيء، كان يُقال إنّ عدد الذين قتلهم بحدِّ سيفه يفوق عدد سكان العاصمة بأسرها.
‘ومع ذلك… ما شأني أنا بكل هذا؟’
هكذا كانت “آني” تطرد القلق من عقلها، فقد كانت، في نهاية المطاف، مجرّد نبيلةٍ عاديّة، تعيش في ظلّ الإمبراطوريّة دون أن تثير انتباه سيّدها الأعلى.
ومع ذلك… لم يكن الماضي قد انقطع تمامًا بينهما.
لقد التقيا، ذات مرة، في مناسبةٍ اجتماعيّة عابرة.
‘لقد مرَّت سبع سنوات كاملة.’
كانت الذكرى مغبَّشة، ضبابيّة، كأنّها مشهدٌ يتلاشى مع الزمن، ومع هذا، لم تستطع “آني” أن تمحو صورة ذلك اللقاء من ذاكرتها.
ففي تلك اللحظة الأولى، حين وقعت عيناها على الإمبراطور “إيجيد”، فتحت شفتيها دون وعي، وتمتمت:
“هل هذا شخصٌ حقيقيّ؟”
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 3"