“بعد أن غادرت آنِي، غضبَ جلالتُه بشدّةٍ لدرجة أنَّ المُساعدَيْن أمسكاه من الجانبين!”
“صحيح! حتى إنني لم أسمعْ الأمرَ جيدًا، لكنني أظنّ أنهما طلبا منه أن يتحلّى بالصبر.”
“ألا ترينَ أنَّ هذين المساعدَيْن وسيمان فعلًا؟”
اكتفت آنِي بابتسامةٍ باهتة، وارتشفتْ من شايها.
وعلى الرغم من أن شايَ الجريب فروت المنعش قد خفّف من احتراقِ حلقها، إلّا أنَّ معدتها كانت لا تزال مضطربةً ومليئةً بالغثيان.
بعد البازار مباشرةً، كان وقتُ الشاي الذي استضافتْه آنِي أكثر ضوضاءً من المعتاد.
لم تستطع السيّداتُ الحفاظ على أفواهِهنّ مغلقة أثناء مضغ البسكويت على الطاولة البيضاء.
وكان محورُ الحديث، بطبيعة الحال، “المساعدَين الوسيمَين”.
فقد أصبحا حديثَ الشابّات النبيلات، اللّواتي امتلأتْ أحلامُهنّ بتوقّعاتٍ عن الزواج.
لم تتمكّن السيّدات من إخفاء تعبيراتِ النشوةِ والانبهارِ على وجوهِهنّ وهنّ يُواسِين آنِي:
“لولا وجودُ أولئك المساعدَيْن الوسيمَيْن، لكنتِ الآن مصابةً بطعنةٍ بالفعل!”
ضحكتْ آنِي ضحكةً مُحرجةً بعد هذا التعليق.
كان من حُسن الحظّ أنَّ الجميع كانوا أفضلَ حالًا مما كانت تتوقّع…
وقد ردَّ الطاغية عليها قائلًا:
> “على أيّة حال، أنا أتحرّكُ بأمانٍ هذه المرّة مجددًا…”
تنهدت آنِي في سرّها، وهي تعبثُ بفنجان الشاي الفاتر بين يديها.
لكنّ الارتياحَ الكاملَ كان ما يزالُ مبكّرًا.
فرغم أنّ هذه الحادثة قد مرّتْ بسلام، إلّا أنها تعاملت مع الطاغية مرّاتٍ متتالية.
“كم بدا تعبيرُ جلالتِه قاسيًا! إنه عادةً رجلٌ ذُو ملامح بسيطة، لذلك أدهشني حقًّا هذه المرة!”
“نعم…”
لاحظت السيّداتُ المتحمّساتُ صمتَ آنِي، بل لاحظه الجميع، إذ كانت تغلّفُها سحابةٌ قاتمةٌ غير معتادة.
فقالت إحداهنّ، محاولةً التخفيف عنها:
“لا تقلقي، آنِي. يبدو أن جلالتَه قد سامحَك بالفعل.”
“صحيح، لو كان غاضبًا حقًّا، لأرسلَ خطابًا رسميًّا إلى عائلة ديسيف حتى الآن.”
“لقد طلبَ منهم فقط أن يُغلقوا أفواهَهم، ثمّ غادرَ…”
“جيتينا!”
“آه، آسفة…”
ارتبكت جيتينا، وانكمش جسدُها وسط صراخِ الفتيات.
ومن العجيب أنهنّ ما زلنَ يتذكّرن الكلمة الأخيرة التي نطقها إيجيد: “فم”، على أنها نوعٌ من الشتيمة!
فالكلمةُ القصيرة التي صدرت عن رجلٍ يعيشُ في بيئةٍ باردةٍ وصارمةٍ، تمّ تفسيرُها بشكلٍ مُفرط.
لم يُلاحظ أحدٌ شيئًا غريبًا، بل أومأوا جميعًا برؤوسِهم قائلين:
“حتى أنا خائفة من الطاغية!”
وحين وافقت السيّدات النبيلات الشابّات على أنّ الطاغية يَشتمُ، تصلّبت ملامح وجه آنِي.
“أنا آسفة، آنِي… لم أقصدْ أن أُقلقكِ…”
“لا بأس.”
ابتسمت آنِي لجيتينا ابتسامةً خفيفةً، لكنّها لم تشعر بالراحة.
فما فعله الطاغية لم يكن مقبولًا.
فمهما كانت قسوة الموقف، لا يجوز للإمبراطور أن يستعملَ تعبيرًا متطرّفًا في مناسبةٍ رسميّة.
لم يكن الأمرُ صائبًا البتّة، رغم سلطته كملك.
“جيتينا، هل اشتريتِ الفستان الذي تحدّثنا عنه سابقًا؟ أعتقد أنّه سيبدو رائعًا عليكِ في الحفل التنكري.”
استعادت آنِي هدوءَها، وأخذت تعتني بالسيدات الشابّات كما تفعلُ دائمًا.
لكن كارلا، التي كانت تقفُ خلفها، شعرت بوضوحٍ بالغضب الذي يغلي في صدرِ سيّدتِها.
‘أممم، سيّدتي… أنتِ غاضبةٌ جدًّا.’
ولم يكن ذلك مستغربًا.
فسيّدةُ كارلا كانت تحتقر أولئك الذين يَسحقونَ الضُعفاء.
كانت آنِي إنسانةً نزيهةً تعرف الصوابَ من الخطأ.
ومهما كانت مُحبطة، فإنها لن تُبديَ أيّ تعاطفٍ مع طاغيةٍ يقتلُ الناس، أو يتفوّهُ بألفاظٍ بذيئة.
“على أيّة حال، لا ينبغي لكِ أن تلتقيَ يومًا رجلًا مثل الطاغية.”
كان هذا قرارُ كارلا الحاسم. فإن تجرّأَ رجلٌ كهذا وتقدّمَ لخطبة آنِي، فسترفضهُ بكلّ تأكيد.
—
بعد انتهاء وقت الشاي، دخلتْ آنِي إلى مكتبها بمفردها.
كانت تشعرُ بالإرهاقِ بطريقةٍ ما. قبضتْ على مقبض الباب المستدير وأطلقتْ تنهيدةً طويلة.
تنهدتْ~
كان “لانغ”، المستردُّ الذهبيّ، مستلقيًا على بطنِه، على بُعد خطواتٍ منها، وفتحَ عينيه ببطء.
كان هذا الجروُ هو “لانغ”، أصغرُ أفرادِ عائلة ديسيف، وقد عاشَ برفقتها لأربعةَ عشرَ عامًا.
نشأت لانغ المُدلّلة في كنفِ عائلةٍ تُغدقُ عليها بالحبّ.
ومنذ أن كانت جرْوًا صغيرًا، كانت تَزمجر داخل القصر وتُحطّم الفخارَ الثمين أثناء اللعب، ولم يغضبْ منها أحد.
ولكنْ، مع تقدُّمها في السنّ، لم تَعُد نشطةً كما في السابق.
وباتت نادرًا ما تتحرّكُ، حتى عندما ترى وجهَ سيّدتها عابسًا.
ولوّحتْ لانغ بذيلِها تجاه آنِي، مُعبّرةً عن رغبتِها في حضنٍ دافئ.
اقتربتْ آنِي منها، واعتذرتْ لها وهي تحتضنُ جذعها:
“لانغ، أنا آسفة… لقد أعطيتُ عذرَ وجبتِك للطاغية أمس.”
‘عذرًا؟ عن ماذا تتحدّثين؟’
كانت لانغ تُحدّق في آنِي بعينين مُشفِقَتَين، ثمّ حرّكت جسدها بتثاقل، وانهارتْ على الأرض.
ثمّ ما لبثتْ أن نهضت واقتربت ببطء من وعاءِ الطعام.
كان الطعام مُخزّنًا في وعاءٍ خشبيّ مصقولٍ ومرتّب.
وضعت لانغ رأسَها داخلَ الوعاء، وبدأت بتناول طعامها بهدوء.
مَنش، مَنش~
التعليقات لهذا الفصل " 29"