كان الإمبراطورُ برفقةِ مُساعدَيْن، لكنّ تصرّفَها كان يُثقلُ كاهِلَه.
ذلك الخطأُ قد يُؤدِّي بسهولةٍ إلى دمارِ عائلتِها، لذا قامت آني بتقويمِ ظهرِها وخفَضَت رأسَها.
قالت بخفوتٍ: “أنا آسفة.”
لكنْ، فجأةً، انتزع إيجيد الصندوقَ من يدِ دُوهير.
لقد كانت حركةً سريعةً ومخيفةً بالفعل.
حدثَ ذلك في لحظة. لم تُلاحظْ آني الأمر، إذْ كان رأسُها منحنيًا.
لم تتمكّن إلا من رؤيةِ حذاءِ إيجيد الأسودِ المصقول.
بدت الأحذيةُ الجلديةُ الناعمةُ والرقيقةُ وكأنها تهتزُّ قليلًا لسببٍ ما.
‘… زلزال؟’
لا، لم يكن الأمر كذلك. الأرضيةُ كانت ثابتةً، لكنّ الحذاءَ وساقَيْه المستقيمتَيْن كانا يرتجفان قليلًا.
كان ذلك ارتعاشًا خفيفًا لم تلحظه سوى آني، لما تمتاز به من دقّةِ الملاحظة.
‘هل هو متوتِّر؟’
وبينما كانت تسألُ نفسَها، فَتَحَ إيجيد فمَه وقال:
“ارفعي رأسَك.”
لم تكن آني، التي كانت متوتّرةً للغاية، تعلم أنه يوجّهُ الحديثَ إليها. رفعت رأسَها بحذرٍ.
لم تكن تسمعُ حتى عزفَ الموسيقى في القاعة الهادئة بشكلٍ صادم. كان قد مرّ وقتٌ طويل منذ أن غادر الموسيقيّون، الذين دعاهم الإمبراطورُ شخصيًّا، بحجّة ألمٍ في المعدة.
في تلك اللحظة، التقت عينا إيجيد بعيني آني.
كانت شفتاه بلونِ النبيذِ القاني، ووجهه متوهّجًا.
‘في حلمي… كان التنفّسُ العَذْبُ الخارجُ من تلك الشفاه ما يزالُ حيًّا… لا، لمَ أتخيّلُ الأمرَ بهذه الطريقة؟!’
قالت متلعثمةً:
“حسنًا… أنا آسفة، لكن أعتقد أنّ عليّ الذهابَ أولًا.”
تدفّق عذرٌ واهٍ من بين شفتيها:
“نسيتُ أن أُطعمَ جرْوي…”
—
رُوحُ إيجيد التي هربت لم تَعُدْ إلا بعد أن اختفت آني.
قال بصوتٍ خافت:
“فم…”
تجمَّد الجميعُ لدى سماع ذلك الصوتِ المنخفضِ الذي صدحَ في القاعة.
تلت ذلك كلماتٌ كاد أن ينطقها، ثم حذَفها تلقائيًّا.
مثل: “إن تكلّمتَ، سأمزّقُ فمَك” أو “لن تستطيع السخريةَ بفمِك بعد الآن.”
أقسم النبلاءُ القلائلُ الذين ظلّوا في الساحة أنهم سيبقون صامتين حتى يدخلوا القبر.
حينها فقط نظرَ إلى الصندوق الذي في يده.
كان الشالُ المطرَّزُ بإخلاصٍ، والمنديلُ، جميلَين.
تألّم قلبُه وهو يتذكّرُ آني، التي لا بدّ أنها كانت تسهرُ طوال الليل لصُنعِهما.
كانت يداها الصغيرتان تُرهقانها، وعيناها تُرهقانِها، وتلك الكتفين الرقيقين المنحنيين مثل فراشة، وذلك الظهرُ الضيّق…
كان بوسعِها أن تُحضِرَ قطعةً أو اثنتين من الهدايا التذكارية من منزلِها وتبيعها، أو تشتري بمبلغٍ يسير، لكنها كانت تحرص دائمًا على أن تُبدع شيئًا ذا معنى.
لقد جعل قلبُ آني الكريمُ، إيجيدَ يقع في الحُبّ من جديد.
الآن، وهو يحملُ الصندوقَ بين ذراعيه، شعرَ أنّ وجنتَيه احمرّتا قليلًا.
لكن، بينما كان يمرّ بالممرّ، أصبحَ وجهُه أكثرَ جديّة.
‘ما الذي يجب أن أفعلَه الآن؟’
لقد فشل مرتين. وكان عليه أن يجدَ سبيلًا.
وكما حدث قبل سبعِ أعوام، لا يُمكنه أن يُفوّتَ الفرصة دون اعتراف.
ولكن، لا يمكنه أن يطلبَ قلبَ آني من طرفٍ واحد.
كانت متحفّظة، ومن الخطأ أن يُجبرَها دون أن يُراعي مشاعرَها.
هو لم يُرِدْ أبدًا أن يُؤذيَها بأيِّ شكلٍ.
ظلّ إيجيد مستيقظًا طوال الليل، حتى اسودّتِ الهالاتُ تحتَ عينيه، وهمس وهو يدفن وجهَه في الوسادة:
“ما العمل؟! لن تأتيَ حتى إلى القصر الإمبراطوري بعد الآن… انتظر، لا يوجدُ قانونٌ يُجبرني على لقائها في القصر فقط!”
ثم سمع صوتَ فرقعةٍ في عنقِه فرفع رأسَه.
“أُفّ…!”
لم يكن الطاغية قادرًا على الهروب من آلامِ العضلات.
الآن، وهو يُمسكُ رقبتَه بيده، رفع جسدَه على عجل.
وبعد أن ارتدى ملابسَه، فتح الباب.
وكان مساعداهُ بانتظارِه كالمعتاد.
قال لهما بإلحاح:
“استعدّا! هناك مكانٌ أُريد رؤيتَه.”
“نعم؟ إلى أين ستذهب، يا جلالتَك؟”
قال بعينَيْن تلتمعان كمن عادَ من حافة الموت:
“ليس مكانًا واحدًا فقط!”
كان الجوّ مُحرجًا قليلًا بالنسبة لـ “فيز”.
فبعد ما حدث بالأمس، ظنّ أن إيجيد سيُدمّرُ عائلة ديسيف أو سيقعُ فريسةً للاكتئاب.
لكنّ ابتسامةَ إيجيدِ الآن كانت ساطعةً تكشفُ عن أسنانِه البيضاءِ النقيّة.
قال بحماسة:
“المحطّةُ الأولى: شلّالات بوركوس!”
امرأةٌ ذاتُ شعرٍ بُني تطفو في شلالٍ هائل.
تخيّل فيزُ آني كأنها شبحٌ مائي، فغطّى فمَه بكلتا يديه.
‘هيييك!’
التعليقات لهذا الفصل " 28"