كم هو مُنعِش!
لوَّحت “آني” بيديها مُودِّعة، بينما كان النُّبلاء من بعيد يعضّون على شفاههم.
أما “كارلا”، فقد بالكاد تمكّنت من كتم ضحكتها، وهمست قائلة:
“عملٌ رائع، سيّدتي.”
ردّت آني بابتسامة:
“لا ينبغي لأي امرأة أن تتجنّب القتال.”
ثم جلست من جديد على الكرسيّ الخشبيّ.
كان بإمكانها أن تطلب من أحد الخدم أن يُتمّ عملية البيع بدلًا منها، لكنّها اختارت أن تقوم بذلك بنفسها، لأنّ هذا الحدث كان له معنى خاصّ عندها.
لكن، لسببٍ ما، شعرت بنسيمٍ باردٍ مفاجئ.
قالت بتعجّب:
“الجوّ كان حارًّا، ثمّ أصبح باردًا… ما الذي حدث فجأة؟”
توقّفت “كارلا” عن التنفّس، وسرعان ما نزعت الأصفاد التي كانت تضعها “آني” حول معصميها.
قالت بتردّد:
“آه… سيّدتي…”
“هاه؟”
“حسنًا، هناك…”
“ما الأمر؟”
استدارت “آني” برأسها وهي تشعر بالريبة، لترى رجلًا يتقدّم نحوهما بخطواتٍ واسعة، على ساقين طويلتين ونحيفتين.
كان شعره الأسود الحريريّ ينسدل على جبهته، ويمتدّ برقةٍ فوق ملامحه الفنيّة.
إنّه الإمبراطور: إيجيد جين بوركوس.
المشكلة أنّه كان يسير مباشرةً نحوها.
قالت في نفسها بدهشة:
‘لا، لا يُمكن أن يكون…’
من غير المعقول أن يكون هذا الرجل الهادئ البارد، الذي لا يُجيب حتى على سؤالٍ من امرأة جميلة، جاء يبحث عنها!
فكّرت “آني” وهي مرتبكة:
‘لا، لا، هذا مستحيل.’
“هاه، هاه…”
“…”
لم يكن من الممكن أن يلتفت رجلٌ مثله إلى وجودها. كانت قدماه الطويلتان تتقدّمان بثبات، وخلفه عباءة سوداء منتفخة تحجب الرؤية عنها وهي جالسة بهدوء على كرسيها.
نظرت إلى تلك الساقين الطويلتين نظرة تعجّب، ثم رفعت بصرها بوجهٍ متيبّس وشفاهٍ جافّة، فإذا برجلٍ وسيمٍ يقف أمامها، يبدو مهيبًا وكأنّه على وشك أن يُخرج سيفه.
وحين خلع نظّارته، اختفت مع ومضةٍ ذهبيّة، كما لو كانت خدعة سحرية.
كان حضوره يجذب الانتباه بقوّة، حتى إنّ المرء شعر أنّه يرى إمبراطورًا بين الأباطرة، تحت ضوءٍ ساطعٍ يُظهر عظمته.
‘لكن لماذا جاء الإمبراطور بنفسه إلى هنا؟ هناك الكثير من الأجنحة الأخرى التي تعرض أشياء جيدة!’
ثم تساءلت في داخلها:
‘لا… لا يمكن أن يكون جاء للانتقام، أليس كذلك؟’
هزّت “آني” رأسها من الداخل، وراحت تفكّر في احتمالات مختلفة.
في الواقع، كانت الحقيقة بسيطة رغم تعقيدها الظاهري. فربما قرّر المشاركة في هذا السوق الخيري بحسن نيّة، واشترى شيئًا ليُعطي قدوة للآخرين، وكانت آني فقط محظوظة بما يكفي ليختار جناحها.
أمسكت “آني” بيد “كارلا” لتهدّئ نفسها، ثم سألت “إيجيد” بابتسامة خفيفة:
“ماذا… تُريد؟”
‘لا أظنّه يُريد حياتي. يمكنه أن يأخذ كل شيء إلا هي…’
ابتلعت “آني” ريقها بتوتر، وأجبرت نفسها على ابتسامة بالكاد تُرسم على وجهها.
‘أرجوك، أرجوك… غادِر.’
كان “إيجيد” واقفًا كالصنم، متجمّدًا في مكانه.
بدلًا من أن يُجيب، نظر إلى الأشياء المعروضة أمامه، وانحنى جانب فمه بابتسامة صغيرة.
‘ماذا؟ لماذا هذا التعبير؟’
كان يبدو كأنّه يسخر، وهذا ما جعل “آني” تشعر بالسوء أكثر.
‘غادِر… أرجوك…’
قال بصوتٍ غامض:
“هُمم… كلّ شيء.”
كان نطقه غير عاديّ، ولا يُعرف إن كان ذلك مجرّد وهمٍ عند “آني”، لكن المساعدين خلف “إيجيد” بدَوا متوتّرين ويتصبّبون عرقًا.
أطبق “إيجيد” شفتيه بشدّة، ثم حوّل نظره إلى الجانب من دون قصد.
‘هل يُريد شراء شيء؟ هل هذه طريقة جديدة لتعطيل العمل؟ أم أنّه يحاول مضايقتي؟’
شحب وجه “آني” قليلًا. ‘ماذا تفعل؟ إنّك تُخيف زبائني!’
لقد أضاعت وقتًا طويلًا بسبب ذلك الأحمق “جيركان”، وها هو الآن هذا الرجل…
وفي تلك اللحظة، ظهر من الخلف مساعد أشقر لطيف يُدعى “دوهير”.
قال ضاحكًا:
“هاهاها، جلالته يريد شراء كل شيء! دعيني أرى… يبدو أنّ المنديل والشال الفرويّ اللذين صنعتهما الآنسة ديسيف رائعان جدًّا، ويقول إنّه أعجب بهما. هاهاها.”
“… هل جلالته هو مَن قال هذا بنفسه؟”
عندما فاجأته “آني” بسؤالها، تجمّد تعبير وجه “دوهير”، ثم سرعان ما استرخى من جديد. بدا أنّه مساعدٌ حقيقيّ للإمبراطور.
ضحك “دوهير” وقال وهو يصفق لنفسه:
“هاهاها، أنتِ حقًّا بارعة في إلقاء النُّكت. جلالته سمع بالفعل ما قالته الآنسة ديسيف من هناك، قبل قليل.”
رغم ضحكته المفتعلة، إلّا أنّ الجوّ البارد لم يختفِ.
وما زاد الموقف غرابة، هو ردُّ الإمبراطور نفسه.
قال بحدة:
“لا أعلم!”
وبينما استمرّ صمت “إيجيد”، سارعت “آني” إلى وضع الأشياء في صندوق قماشيّ أنيق.
ثم قدّمت الصندوق إلى “إيجيد”، وقالت:
“ها هو، تفضّل. ويُرجى التبرّع بالمبلغ بنفسك.”
كان من الغريب أنّها أعطته البضاعة، لكنّه لم يتحرّك.
قالت آني وقد اتّسعت عيناها:
‘أه… لديه مساعد، أليس كذلك؟’
ثم، وقد بدا عليها الارتباك، أخذت الصندوق من يد “إيجيد” وسلّمته مباشرة إلى “دوهير”.
التعليقات لهذا الفصل " 27"