عندما تصلبت تعابير وجه إيجيد، سارع دوهير بالكلام:
“إذا كانت السيدة دْسِف… فسيكون من المفيد أن تتعلّم كيفية التعامل معها خطوة بخطوة، فهي موهبة نادرة في قصرنا الإمبراطوري.”
كان العرق البارد يتصبب من ظهر دوهير. بدا كالرجل المجنون، متظاهراً بعدم معرفته بحقيقة الطاغية، ومع ذلك لم يستطع التوقف.
كان ذلك بمثابة درع أمان يحميه في المستقبل.
بل وحتى مثل فيز، كان عليه أن يتظاهر بالجهل، ويساعده من وراء الستار. هكذا فقط سيتمكن من النجاة من غضب روبي الذي لا مفرّ منه.
وشعر بشيء من الراحة حين أدرك أن سيده لم يلحظ بعد مشاعر مساعديه تجاهه.
استدار إيجيد وغادر المكان، دون تأكيد أو نفي. حتى خطواته بدت متوترة بعض الشيء.
وفي الوقت المناسب، وقف أمام كومة الورود التي كانت آني وكارلا تقفان عندها. أراد أن يرى ما كانت تراه.
ابتسمت آني في ذلك الموضع بسعادة. بالنسبة له، كانت آني جميلة دائماً، حتى بين آلاف الورود لم يرَ سوى طيفها.
كم من الوقت مر وهو يقف هناك شارد الذهن؟
اقترب دوهير وفيز بحذر، بعد أن انتظرا بصمت على مقربة منه.
“سيدي، الآن هو الوقت المناسب للحضور.”
شعر بالتوتر يجتاح معدته، لكنه أخذ نفساً عميقاً وأغمض عينيه ببطء.
> “لا أحد يولد مثالياً منذ البداية، فلا تقلق كثيراً.”
كان ذلك صوت آني، واضحاً في ذاكرته.
هدأت رجفته شيئاً فشيئاً. كانت آني تشبه النسيم البحري الذي يلاطف الأمواج، ويهدئ عقله القلق.
لقد كان ذلك الصوت الدافئ، الذي سمعه ذات ليلة في الكنيسة، لا يزال ينبض في قلبه.
لامس ذلك اللطف روحه بصدق.
فتح إيجيد عينيه أخيراً.
“لنذهب.”
رفرفت عباءات الرجال الثلاثة في الهواء الوردي، مثل أجنحة طيور تخترق الأفق.
—
كان الحجاب المطرّز ذو الطراز الفضي، المعلق من السقف العالي، يتلألأ مثل الجواهر.
لم تستطع آني وكارلا أن تُبعدا أنظارهما عنه. كان البازار مقاماً في القصر الإمبراطوري، فاستمتعتا بالمشهد بكل تفاصيله.
كان البازار يغمره عبير الورود، وقد أثّر ذلك في مزاج آني فأصبحت أكثر حيوية من المعتاد، كأنّها قد استحمّت بتلك الزهور بالفعل.
خطواتها كانت خفيفة، وفرحتها غامرة وهي تتجول بين الأكشاك.
من فواكه وخضروات طازجة، إلى كتب سحرٍ قديمة، مروراً بسيوفٍ طويلة من زمن العائلات النبيلة… كان من الصعب تقدير قيمة كل شيء.
طلبت آني بلطف من أحد الخدم أن يتحلّى بالصبر، ثم بدأت بتصفح كتابٍ سحريّ بسرعة.
“آنـي!”
اقتربت منها بعض السيدات النبيلات اللواتي حضرن البازار، وابتسمن بودّ.
سبق أن مررن بالسوق، وكانت أيديهن ممتلئة بالمرايا والأمشاط.
قالت آني وهي تلقي التحية عليهن واحدة تلو الأخرى:
“لقد أتيتُ باكراً هذه المرة. ماذا اشتريتُنّ؟”
“نحن لا نبيع هذه المرة، لذا نخطط لشراء الكثير من الأشياء. وماذا عنكِ، ماذا جلبتِ، يا سيدة دْسِف؟”
“ليس بالأمر الكبير، مجرد أوشحة ومناشف صنعتها بنفسي.”
“يا إلهي، أريد أن أشتري واحداً منها أيضاً!”
صفّقت السيدات النبيلات بأيديهن وضحكن.
قالت آني:
“الخادم لم يحمل الأمتعة بعد، فهل يمكنكن الانتظار قليلاً؟”
“بالطبع!”
وأومأن جميعاً برؤوسهن بسعادة.
في هذه الأثناء، كانت جيتينا تتلفّت حولها، تبحث عن شيء.
“جيتينا، من الذي تبحثين عنه؟”
“هو.”
“من هو؟”
حين ردّدت الفتيات الأغنية الشهيرة، ابتسمت جيتينا بلطافة، وهمست:
“هو… جلالته.”
“آه…”
حين ذُكر موضوع كانت آني قد نسيته تقريباً، تصلّبت تعابير وجهها برهة.
لكن السيدات النبيلات اللواتي لم يعرفن ما يدور بداخلها، أطلقن صرخات حماسية:
“لقد مر وقت طويل منذ أن أنعشنا أعيننا بجماله! يا للأسف.”
“نعم، يكفي أن تنظري في عيني جلالته حتى تشعري باليقين… طبعاً إن كنتِ تملكين الشجاعة.”
“الوسامة دائماً ما تكسب الرهان.”
“بالطبع، حتى إن لم آكل شيئاً، سأشعر بالشبع بمجرد النظر إليه، هوهو.”
كادت آني أن تعلّق قائلة إنّ الرجال الوسيمين غالباً ما يفتقرون إلى الفضيلة… لكنها آثرت الابتسام ابتسامة باهتة.
لم تشأ أن تفسد حماستهن بعبارات لا طائل منها.
التعليقات لهذا الفصل " 23"