في النهاية، وبعد أن تأكد إيجيد أنّه لا يوجد أحدٌ حوله، لم يكن أمامه خيار سوى أن يتّكئ على سيفه ليقف.
وبينما كان يتذمّر، أخذ العرق يتصبّب من جبينه بغزارة.
ولسوء الحظ، في تلك اللحظة، كانت هناك خادمة تمرّ لتقديم الشاي، فشاهدت المشهد.
– “كـیـا…. كـیــااا!”
ما إن أبصرت الخادمة إيجيد، الذي كان بالكاد واقفًا مستندًا إلى سيفه، حتى صرخت وهربت على الفور.
حتى لو كان تنينًا عظيمًا هو الذي واجهته، لما كانت ردة فعلها بهذه الحِدّة. ولهذا، شعر إيجيد بشيءٍ من الاكتئاب.
لكن، لا بأس. بما أنها ستقدّم استقالتها على الأرجح، فلن يراها مجددًا.
اعتدل إيجيد قليلًا، وأصلح نظارته التي مالت، ثم أسند ظهره إلى جذع الشجرة.
كانت آني هناك، تقف بجوار الورود… لكنها، بنظره، كانت أجمل من كلّ الزهور.
ابتسم إيجيد لا إراديًّا، غير آبهٍ بخشونة الخشب التي خدشت وجنتيه.
‘يا إلهي… لا أستطيع أن أصدق أنها ضفرت شعرها…’
في قرارة نفسه، تمنّى لو استطاع أن يكافئ الخادمة التي صفّفت شعر آني بتلك الدقة، ويهديها ذهبًا وفضة وكنوزًا تكفي ثلاثة أجيال.
ولم يكن ذلك فقط؛ بل إن الفستان الذي ارتدته، والذي أظهر خط كتفها المستقيم، بدا وكأنه صُمّم خصيصًا لها.
عند هذه اللحظة، أدرك إيجيد يقينًا:
آني هي المرأة الوحيدة في هذا العالم التي يمكنها ارتداء هذا الثوب بكل هذا الجمال.
ومع ذلك، شعر ببعض الذنب، فقد كانت بشرتها النقية ومنحنياتها الساحرة تجعله يتلعثم داخليًّا، لا يدري إلى أين يصرف نظره.
سرعان ما بدأ اللون الأحمر يصبغ وجهه، مما خلق ضغطًا غريبًا على أنفه.
‘لا… هذه ليست المشكلة.’
داخل عقل إيجيد، كانت تنمو رغبة قوية:
أن يحتفظ بتلك الصورة الجميلة لنفسه فقط.
أخذ يتلفّت حوله بقلق، ثم أبصر مجموعة من النبلاء، الذين جاءوا لحضور البازار، يرمقون آني بنظراتهم.
دون وعي، شدّ قبضته على جذع الشجرة.
‘افتح عينيك…’
في تلك اللحظة، سمع صوت دوهير المرتجف يأتيه من خلفه:
– “يا صاحب الجلالة، هذه شجرة الحراسة التي حافظت على بوركوس طوال ألف عام… ولن تحتمل أكثر من ذلك اليوم…”
حين فتح إيجيد عينيه، رأى أن الشجرة قد تشققت من شدّة قبضته، فتركها وإبتعد عنها بهدوء.
كانت هذه الشجرة كنزًا مقدّسًا تناقله الأجداد، يعاملونها وكأنها حياتهم ذاتها.
شعر إيجيد بوخز من التأنيب واعتذر لها داخليًّا، على جشعه الذي كاد يؤذيها.
—
في تلك الأثناء، كان دوهير يراقب المشهد من خلف الأدغال، وتنهد طويلًا.
لم يعد لديه أدنى شك.
بالفعل… يبدو أن صاحب الجلالة يحمل مشاعر حقيقية تجاه الفتاة الصغيرة، آني.
‘هل هذا أمرٌ جيد… أم سيء؟’
في تلك اللحظة، كان فيز أيضًا مختبئًا بين الأشجار، يراقب، بعينيه الزرقاوين الواسعتين، ما يحدث دون أن يفهم شيئًا.
– “ماذا؟ لماذا يفعل جلالته هذا؟”
– “آه… هذا القصر الإمبراطوري الخانق…”
ابتسم دوهير، وقد شعر فجأة بمسؤولية عظيمة تسقط فوق كاهله.
الآن، أصبح يدرك السبب الحقيقي وراء عدم زواج إيجيد طوال تلك السنين.
لقد كان قلبه مملوكًا بالفعل. حبٌّ لم يُبادله أحد.
كيف يمكن لمن حوله أن ينظروا مباشرة إلى عينيه بعد الآن؟
كانت مشاعر دوهير معقدة وهو يُحدّق في إيجيد، الذي بدا عاشقًا بائسًا كأصغر صغار الأسرة الملكية.
لقد حظيت بوركوس بفترةٍ من الازدهار العظيم بفضل حُكمه العادل والصارم، رغم أن لقب “الطاغية” ظلّ يلاحقه كوصمةٍ ظالمة.
والآن، بعد أن وجد نصفه الآخر، ربما… ربما تخفت لعنة “الطاغية” بقوة الحب.
لكن، مع ذلك، كانت هناك مخاوف أخرى تهدده.
– “آه… لو علم السيد روبي بهذا الأمر، فستقع كارثة…”
حين تمّ تعيين دوهير كمساعد لإيجيد، جاءه اللورد روبيش أبجي في زيارة خاصة قبل بداية مهامه.
> “أنت. من فضلك، اعتنِ بجلالته جيدًا.”
أحضر معه أكوامًا من اللحوم والفواكه للخدم، وكأنه يُعوض غياب والدي إيجيد الراحلين.
وعندما لاحظ دوهير العاطفة في تصرفاته، قال روبي مازحًا:
> “كل الأمور الأخرى سيقوم بها جلالته بنفسه. أنت فقط استمتع براتبك.”
ضحك روبي، ذو الشعر الأبيض والبشرة النقية، وكانت عيناه الزرقاوان تفيض باللطف الأبوي.
لكنه لم ينسَ أن يُحذر قائلا:
> “عليك أن تكون حذرًا من النساء.”
> “…حذر؟”
> “نعم. جلالته كان له منذ الطفولة رفيقة مختارة… زوجة أشار إليها الملك بنفسه.”
ولوهلة، بدا وكأنّ روبي تمتم بشيءٍ غامض قبل أن يتلفظ بكلمة “الملك” بنبرةٍ مختلفة.
التعليقات لهذا الفصل " 21"