– “أوه! إنّني أكرهُ اللّحومَ المُجفّفة!”
– “سيّدتي؟”
– “هف… هف… هف… هف…”
رفعت آني جسدها المرتجف من السرير، بينما هرعت كارلا، التي كانت تسقي النباتات، إليها مسرعة، وهزّتها بلطف:
– “هل أنتِ بخير؟”
– “كارلا… لا بأس، فقط… أحتاج إلى بعض الماء…”
أسرعت كارلا تُحضر كوبًا من الماء ووضعته على الطاولة.
بلع~ بلع~ بلع~ بلع~
شربت آني الماء بنهم، وكأنها كانت تائهةً في صحراء، ثم وجدت واحةً أنقذتها.
مسحت فمها بأكمامها وتمتمت بغيظ:
– “ما هذا الحُلم السخيف؟!”
أطلقت كلماتها المرتجفة، ثم زفرت ولمست جبهتها بكفّها.
– “أنا آسفة… لقد كان مجرّد كابوس صغير.”
لكن، في الحقيقة، كان أقرب إلى دراما غريبةٍ أكثر منه كابوسًا.
أحضرت كارلا منشفة، وبدأت تمسح العرق البارد المتصبب من جبين آني، ثم نقرت بلسانها، متحسّرةً:
– “لا بدّ أنكِ فُزعتِ كثيرًا…”
تمتمت آني، التي شحب وجهها وأمسكت بغطاء السرير بشدّة:
– “هل كانت… رؤيا؟”
– “ما الذي رأيتِه في الحلم؟”
– “حسنًا، كان الطاغية هناك… أنا…”
توقّفت فجأة. فقد بدأت تفاصيل الكابوس تزداد وضوحًا، فهزّت رأسها وقالت لنفسها إنه من الأفضل أن تنساه. نهضت ببطء، وهي ما زالت مضطربة.
تجاوزت آني وجبة الإفطار، رغم أن كارلا لم ترَ في ذلك ضررًا، غير أنّ فكرة مقابلة الطاغية جعلت قلبها منقبضًا بشكلٍ غير مبرر.
—
لكن الغريب أن هذا الشعور تلاشى ما إن وصلت إلى القصر الإمبراطوري.
جلست آني في العربة، فاغرة الفم قليلًا، تُحدّق في المشهد أمامها.
“رائع…”
كانت أزهار الورود التي تُزيّن القصر الإمبراطوري الفسيح تلمع تحت ضوء الشمس، كأنها طيف من الجمال النقي.
تسلّقت الورود جدران المبنى والتفّت حوله، حتى بدت كأنها تبتلع القصر بحنان.
لقد أرسلت كارلا تخبرهم أنّ آني تحب الورود أكثر من أيّ زهورٍ أخرى.
– “تفضّلي.”
طقطقة~ طقطقة~
لم يوقفها صوت كعب حذائها العالي وهو يرتطم بطريق الحصى الأبيض والأسود.
وعندما وصلت أمام حديقة الورود، انفتحت عيناها بدهشةٍ صافية.
لم تكن هذه مجرد زينة بسيطة من الورود، بل كانت بحرًا منها، غطّت المبنى بأكمله.
– “يا إلهي…”
تنفّست آني بعمق، كأنها تُدخِل هذا الجمال إلى أعماقها.
كانت رائحة الورود المجففة تعبق في المكان، وتخطف الأنفاس.
– “إنّه جميلٌ حقًّا. كيف يمكن أن تكون الورود المجفّفة بهذا الجمال؟”
– “لقد تمّ تقليم كل واحدة منها بعناية، ثم تجفيفها بحذرٍ شديد.”
كانت الورود، رغم جفافها، ما زالت محتفظة بكامل هيئتها، لم تسقط منها بتلة واحدة، بل خلقت جمالًا من نوعٍ آخر.
تخيّلت آني كم من الجهد بُذلَ في هذا.
وقفت أمامها وأغمضت عينيها بلطف، وكأنها تستقبل هدية من السماء.
لم تكن تعلم ما الذي يجب أن تفعله أمام هذا المشهد، لكن قلبها امتلأ بالإعجاب.
تـيـك~ تـيـك~
في تلك اللحظة، سقطت وردتان على الأرض.
– “هل يجوز لي أن أحتفظ بهاتين اللتين سقطتا؟”
انحنت آني والتقطتهما بلطف، ثم أعطت إحداهما لكارلا.
ابتسمت كارلا، حتى ظهرت أسنانها البيضاء:
– “شكرًا سيّدتي.”
– “وأنا أيضًا أشكركِ.”
لم تكن هناك أشواك، ومن الواضح أنّ أحدهم قد قصّها بعنايةٍ فائقة.
نظرت آني إلى الوردة التي كانت تلفّها حول يدها، وابتسمت.
– “إنها المرة الأولى التي أجد فيها الورود المجفّفة أجمل من الزهور العاديّة.”
– “أجل، هذا صحيح تمامًا.”
داعبت رائحة الورود طرف أنفها، وأغمضت عينيها مستسلمة لسحرها، حتى نسيت كابوسها الغريب.
– “أنا سعيدة لأنني جئت.”
—
– “آني… شعر آني… مضفور… ضفائر…”
كان إيجيد يُراقب آني من خلف شجرة، واضعًا يده على صدره، كأنّه يُحاول تهدئة دقّات قلبه.
هبّت نسمة ريح، فأسقطت نظّارته ذات الإطار الذهبي من على وجهه النحيل، وسقطت على العشب.
مدّ يده مسرعًا لالتقاطها، وهمس بألم.
فقد كانت إصاباته لا تُحصى، بعد كلّ ما فعله من أجل الورود.
لقد تجاوز حدّه، وجعل جسده يُشبه من تعرّض للضرب المبرح.
لم يكن هناك مفرّ من الإنهاك، حتى ولو كان هو الإمبراطور.
لقد تطلّب تزيين القصر كل ذلك الجهد الهائل من البستانيين ومهندسي المناظر، لكنه أصرّ على أن يتقدّم بنفسه.
وفي الحقيقة، حين حاول أن ينهض فجراً ليشرف على اللمسات الأخيرة، لم يستطع حتى الوقوف بشكلٍ سليم، بسبب الألم الشديد في ظهره.
التعليقات لهذا الفصل " 20"