ارتدى إيجيد نظارته ذات الإطار الذهبي التي اشتراها من متجرٍ للنظارات.
كان وجهه صغيرًا وأبيض كالثّلج، لدرجة أن النظارات بدت ضخمةً عليه.
– “ماذا عن الورود؟”
– “نعم، قمنا بما أمرتنا به يا جلالتك.”
– “وبعد ذلك…”
كان صوته ناعمًا وهادئًا، لكنه يثير القشعريرة في الجسد.
ارتجف دوهير، فهو لم يعتد قط على هذا الصوت، مهما سمعه.
وحين رفع بصره، رأى إيجيد يضع يده على ذقنه، يفكّر بعمق، كما لو كان يقرّر ما إذا كان سيُرسل السجناء إلى المقصلة أم يُقدّم لهم السُّم.
كان فيز، الواقف بجانبه، يتخيل الشيء ذاته، فانخفض رأسه بوجهٍ جاد.
– “ما الذي ينبغي أن أفعله؟”
كان هذا السؤال كافيًا ليُفسَّر تلقائيًا – بالنسبة لفيز ودوهير – بأنه: “اقتلوهم إذا لم يكن هناك رأي جيّد.”
سعل دوهير بهدوء محاولًا أن يحافظ على تماسكه وقال:
– “بما أنك قدّمتَ عذرًا، فيمكنك التحدث بأسلوب طبيعي. أعتقد أن العثور على نقطة مشتركة مع جلالتك سيكون البداية المثلى…”
نقطة مشتركة بينه وبين الطاغية؟ هل يوجد شيء كهذا أصلًا؟
ضحك دوهير ضحكة متردّدة، لا تخلو من القلق.
ثم بدأ فيز يتحدّث، كمن يسرد سيرة ذاتية:
– “السيدة ديسيف تحب فطيرة الليمون كثيرًا. وتُعرف بهواياتها مثل السفر وتنسيق الزهور والحياكة…”
وبينما كان يحدّث، كان إيجيد يُنصت بصمتٍ تام، دون أن يظهر عليه أي تعبير.
كان الصمت بحدّ ذاته مرعبًا.
ارتجف المساعدان من هذا الهدوء القاتل، وتقدّما بسؤالٍ مرتجف:
– “جلالتك… ما رأيك؟”
– “جاف.”
‘هل يقصد أن يُجفّفهم حتى الموت؟!’
ابتلع كلٌّ من دوهير وفيز ريقه بصعوبة، وبدأت صورتهما وهما مربوطان إلى شجرة تحت الشمس الحارقة تتراقص في أذهانهما.
لكن، قبل أن يستسلما لليأس، خفّض إيجيد عينيه قليلًا.
فهو، منذ ولادته، لم يكن معتادًا على الحديث مع الناس، سوى روبي. لذا، كثيرًا ما يُساء فهمه.
تنهد بهدوء، وأضاف توضيحًا:
– “جفّفوا الورود.”
– “آه… آه، نعم! بالطبع. سنطلب من البستانيين والسحرة الإمبراطوريين تولّي الأمر.”
وبعد أن أنهى كلماته، وقف إيجيد بنفسه.
أمر بحزم بجلب جميع السحرة والبستانيين التابعين للعائلة الإمبراطورية، وطالب بأن تُتخذ كل الإجراءات اللازمة دون تهاون.
ثم أخذ نفسًا عميقًا، ودخل الحديقة السريّة للقصر الإمبراطوري.
انحنى إلى الأمام يتفحّص بعناية القاعدة الخشبية التي ستُجفّف عليها الورود.
– “ابدأوا.”
وبإشارة واحدة من يده، بدأ الساحر الإمبراطوري بتحريك أصابعه، وظهرت فجأة كميات هائلة من الورود، تتكاثر على القاعدة الخشبية بشكل مرعب.
ومع أن تعابير وجه إيجيد كانت قاتمة كأنّه ذاهب إلى ساحة حرب، إلا أن يديه كانتا تتحركان برقة وأناقة.
قصّ الزهور بعناية، واحدة تلو الأخرى، واستغرقت العملية ساعات طويلة.
ورغم أن جسده أنهكه التعب، وظهره آلمه من الانحناء، إلا أنّ وجهه كان يحمل ابتسامة خفيفة.
– “لو أعجب هذا آني…”
كانت ابتسامته أشبه بابتسامة قاتلٍ يستمتع باللحظة الأخيرة قبل الطعن.
وراح البستانيون يتحركون بخفّة، يراقبون هذا المشهد المريب من بعيد.
—
في صباح اليوم التالي، استيقظت آني على كابوسٍ حقيقي.
“يبدو شهيًا.”
كان الطاغية يجلس في غرفة الاستقبال، وقد شبك ساقيه، يحدّق بها بنظرة جوعٍ صامت.
بلعت ريقها بصعوبة…
لم تعرف من ابتلع أوّلًا، هي أم هو.
كانت نظراته علنيّة، وبابتسامته الغريبة، اقترب منها بهدوء وهي جالسة على الأريكة.
شعرت بالخوف يقيّد أطرافها، حاولت أن تتحرك، أن تهرب، لكن جسدها لم يطاوعها.
أشرق ضوء القمر على المكان، ليضفي على المشهد هدوءًا غير مريح.
أما آني، فجلست تنظر إليه بنظرة خاوية.
كان جلده الأبيض الشاحب أشبه بالرخام، وكأنه كائن لا ينتمي لهذا العالم.
اقترب منها، وانحنى بخفّة، ورفع ذقنها بأصابعه الرفيعة، كأنّه نحات يتأمّل تمثاله.
اقترب وجهه من وجهها حتى شعرت بأنفاسه تختلط بأنفاسها.
ثم، بصوتٍ منخفض وبطيء، سألها:
– “كيف يمكنني أن آكلك؟”
– “أنا… لدي كبدٌ دهني…”
– “لا بأس.”
ابتسم بابتسامة غريبة، وأضاف:
– “سأجفّفه وأتناوله.”
التعليقات لهذا الفصل " 19"