ارتجف دوهير، الذي تلقّى نظرات الإمبراطور كما هي، كحيوان عشبي وقع بين أنياب مفترسٍ جائعٍ منذ زمن طويل.
تبلّلت راحتاه وظهره بالعرق، وشعر فجأة بأن جدّته، التي توفيت قبل عامين، تقف أمامه.
تمتم بيأسٍ وكأنه يهمس لها:
– “جدتي… هل انتظرتِ طويلًا؟ حفيدك في طريقه إليك الآن…”
– “أكمل.”
نطق إيجيد للمرة الأولى ذلك اليوم، دون أن يدرك حتى ما الذي كان ينتظرهم في الأيام القادمة.
لا، لم يكن الأمر بهذه البساطة… كانت الحياة نفسها على المحك.
وبينما وضع دوهير أفكاره جانبًا، حشد كل قوّته ليُبقي رأسه مرفوعًا أمام هذا الطاغية.
– “الأمر… كان هناك نزاع بين أفراد من هاركنون. التحقيق جارٍ مع المشتبه بهم… ليست هناك شبهة تشهير خطير، لكنني سأراجع هاركنون بخصوص الأضرار…”
وخلال حديثه، بدأ وجه جدّته يزداد وضوحًا في ذهنه.
ربما كانت تشفق عليه وتمنحه القوة من العالم الآخر.
ومع ذلك، ورغم أن حديثه لم ينتهِ بعد، إلا أن نظرات إيجيد لم تتحوّل عنه.
وفهم دوهير بحدسه المغلّف بالقلق أن عليه أن يذهب أبعد من ذلك، فطرح أكبر فرضياته:
– “… هل علينا أن نعلن الحرب؟”
– “دوّنها.”
كلمات قليلة… ومع ذلك، كانت ثقيلة ومعقّدة. فحتى وإن كان دوهير قد التحق بالأكاديمية باكرًا وتخرّج منها بسرعة، إلا أن تفسير نوايا الطاغية بتلك البساطة لم يكن أمرًا سهلًا.
وبينما كان غارقًا في حيرته، قال إيجيد مجددًا بصوته البارد:
– “فرسان النخبة الإمبراطورية.”
كان ذلك منطقيًا، فالمسألة دبلوماسية، وتحريك الفرسان يعني أن الوضع متأزّم. حتى لو كان العدو هو من بدأ، فإن استخدام القوّة أصبح حتميًا.
وحين حاول دوهير الرد، قاطعه إيجيد بكلمات أكثر إثارة:
– “فريق التحقيق في السحر.”
كانت نبرته توحي بنفاد صبره، لكن أحدًا لم يلحظ ذلك بسبب التوتر الذي غمر القاعة.
عضّ إيجيد شفتيه، ولاحظ الوزراء ذلك وهم في حيرة.
ما الداعي فجأة لاستدعاء فرسان النخبة وفريق التحقيق السحري؟
وكان الوحيد الذي فهم الأمر هو دوهير، الذي أومأ برأسه على الفور:
– “نعم، سنبدأ بالإجراء المناسب بعد تحقيق شامل.”
ثم، وكأنه فهم للتوّ الصورة كاملة، تمتم بدهشة:
– “آه… إذن، فعلتَ هذا من أجل السيدة دْسِف…”
وحين التفت برأسه، رأى فيز يتثاءب ببراءة.
– “بالطبع، هو لا يعرف… مهلاً، هل أنا أول من انتبه لهذا؟”
شعر دوهير بضغط فرضيّته الثقيل على كتفيه.
وفجأة، لفت انتباهه شيءٌ جديد: كتاب سميك وُضع على طرف المكتب.
كان واضحًا أنه لم يكن موجودًا بالأمس، وربما أُضيف بعد الاجتماع الأرستقراطي.
تساءل بدهشة:
– “ما هذا الكتاب؟”
تجوّلت عيناه في الغلاف، وتغيّر تعبير وجهه بغرابة.
لم يستطع نسيان ذلك الغلاف الملوّن. كان كتابًا اشتراه شقيقه الأصغر بعد أن ترجّاه بدموع التوسّل.
كـان الـعـنـوان…
“كـیـف تـضـع العطر الـذي يـأسـر قـلـب الـمـرأة!”
نعم، هذا هو! والمحتوى؟
رش العطر على المشط، وعلى باطن المعصم، وخلف الرقبة…
تذكّر دوهير أنه لم يقرأ سوى هذا السطر، قبل أن يغلق الكتاب بغيظ.
“… وفي النهاية، فقط رشّه بجنون.”
كان المؤلّف قد باع كتابًا مليئًا بجمل يعرفها الجميع، وبسعر مرتفع… كأنها سرقة أدبية.
“أي نوعٍ من الكتب هذا؟” تساءل وهو يضغط على أسنانه.
لم يشعر بمثل هذا الإحباط منذ رواية الطبخ التي كانت فيها فريا البطلة، والتي وصفها حينها بـ”القمامة النادرة”.
هزّ رأسه وقال لنفسه:
– “إنها مجرد أوهام… لا يمكن أن يكون جلالته، الذكيّ والمهيب، يقرأ كتابًا كهذا!”
كان الجميع يقول إنه قاسٍ، لكنّه كان ملكًا عظيمًا.
هو القانون بعينه، وقد حكم البلاد بحنكة حتى باتت الدول المجاورة تغبطهم.
ولم يكن من الممكن أن يعود هذا الملك ليتعلّم أساليب بدائية في الاعتراف بالحب، لا يستخدمها حتى الأطفال في هذا الزمان.
– “ربما اشتراه كمرجع فقط.”
هزّ دوهير رأسه بإصرار.
وفي تلك اللحظة، دخل إيجيد فجأة.
تراجع فيز خطوة إلى الوراء، وكأنه يرقص رقصة التاب مذعورًا، بينما وقف دوهير إلى جانبه بحذر.
سار إيجيد مباشرة إلى مكتبه، وأخفى الكتاب المريب بسرعة في أحد أدراج المكتب.
– ‘أنت تُخفيه!’
قالها دوهير في نفسه، وهو يراقب المشهد بعين لا تفوّت شيئًا.
نقـر~
التعليقات لهذا الفصل " 18"