“يا إلهي، ما هذه الرائحة؟”
انتشر عبير الورد في أرجاء القصر الإمبراطوري، وكأن أحدهم قد رشّه بأفخر العطور الزهرية.
راح الناس يتساءلون عمّا يحدث، لكنّ أحدًا لم يُبْدِ امتعاضًا، بل بدا الجميع في سعادة غامرة.
ابتسم موظفو القصر جميعًا، من الخدم والخادمات، إلى الوزراء المنهمكين ليل نهار، وحتى النبلاء الزائرين.
لكن، وسط هذا الجو العام من الفرح، كان هناك شخصان فقط لم يستطيعا الابتسام: دوهير وفيز.
وقفا مذهولين أمام الورود التي أُرسلت صباحًا من “إيكيت” عبر الدائرة السحرية إلى قلب القصر الإمبراطوري… بل كانت كومة من الورود تشبه الجبل!
– “رائع…”
– “… كيف يمكنني نقل كل هذا؟”
بدأ دوهير يفكّر عمليًّا، فطوى ذراعيه بتأمل.
“هل أستدعي الساحر الإمبراطوري؟ أم أطلب من الخدم؟”
وضع يده على جبهته في حيرة، وكأن الألم أصابه.
كان الجميع يتحدث بصوتٍ عالٍ حول من الأجدر بالتعامل مع هذا الموقف، ومن سيكون الأكفأ في نقل هذا الكمّ من الورود.
وفي أثناء ذلك، اقترب فيز من الورود، يتفحّصها بإعجاب طفولي.
كانت الوردة المبلّلة بندى الصباح تتلألأ على بتلاتها، كأنها مزيج من الضوء والرقة.
أشار إليها متحمّسًا:
– “دوهير! انظر إلى هذه الوردة! جودتها عالية جدًا!”
– “طبعًا، فهي مزروعة في إيكيت، المعروفة باسم بلاد الورود. لكن… ما الذي ينوي جلالته فعله بكل هذه الورود؟”
– “صحيح، لا يزال هناك أيّام متبقية حتى البازار.”
– “همم…”
– “هاه…”
وبدلًا من مناقشة الموضوع، قرّرا التوجّه مباشرة إلى مكتب إيجيد.
كان المكتب هادئًا ومريحًا بغياب صاحبه، وكأنه يعكس صفاء الطقس، لكن بمجرد عودته، تنخفض درجة الحرارة كما لو أن الشتاء قد دخل الغرفة.
وفي رأس دوهير، كان صوت رئيسه السابق، الذي كان يقلق بشأن إيجيد، يتردد:
> “لقد اشترى جلالته إيكيت منذ سبع اعوام. لم أفهم نيّته حينها، لماذا يشتري تلك الأرض الصغيرة بدلًا من أن يحتلّها ببساطة؟”
كانت إيكيت مشهورة بالورود، لكنها كانت دولة ضعيفة تتلقّى الضربات من كل جهة.
أومأ الرجل العجوز يومها وهو يشعل غليونه الوهمي:
> “أتعجز عن التصديق؟ أنا أيضًا!]”
ثم تابع بقصة أكثر غرابة:
> “كان جلالته يسافر بنفسه لتلك البلاد النائية، يفحص التربة والماء، ولم يكن يفوّت تلك الزيارة، مهما انشغل. كان يفعل ذلك دومًا.”
في ذلك الوقت، كان الرجل العجوز يأمل أن يتزوج إيجيد قريبًا، لكنه شعر بخيبة أمل لعدم ظهور أيّ مؤشرات على ذلك.
خمن الجميع أن الإمبراطورة السابقة كانت تحبّ الورود، ولذلك زرعها لأجلها.
لكن إيجيد، وقد بلغ الثالثة والعشرين، تجاوز سنّ الزواج دون أن يُبدي أيّ اهتمام بالجنس الآخر.
كان يعامل النساء وكأنهنّ حجارة على قارعة الطريق.
هواء… لا أكثر ولا أقل.
كان ذلك يُعدّ أزمة وطنية، لكن الوزراء، الذين يخشونه، لم يجرؤ أحد منهم على فتح فمه.
الشخص الوحيد الذي كان يتحرك في الخفاء هو كبير الأمن، روبي، الذي بدا وكأنه يُعدّ لزواج إمبراطوري من أميرة أجنبية.
وفجأة، تمتم دوهير:
– “لا يمكن أن تكون… السيدة دْسِف…”
وبدأت خيوط الفكرة تتجمّع في ذهنه.
ألم يحدث شيء في الاجتماع الأخير؟
> “هذا ليس مدرجًا على جدول الأعمال، لكن ثمة أمر أودّ إبلاغكم به. أثناء افتتاح متحف الفنون، وقع حادث غير متوقع. سُرقت لوحة… والمشتبه بهم هما الدوق كيركان، وسيدة تُدعى كونت دْسِف…”
تجمّد دوهير في مكانه وهو يتذكر ذلك الاجتماع.
فقد شعر بأنفاسه تنقطع، لأن نظرة الإمبراطور قد وقعت عليه.
كانت نظراته باردة كليلة الشتاء… نظرة لم يسبق أن وجّهها لأحد خلال الاجتماعات.
حتى الوزراء تملّكهم الارتباك، وراح الجميع يحدّق في السجادة الحمراء، هروبًا من التواصل البصري.
لم يكن هناك أحد أحمق بما يكفي لينظر في عيني الطاغية.
وبالفعل، قيل إن مجرد النظر إليه كفيل بأن يودي بحياة إنسان.
التعليقات لهذا الفصل " 17"