عندما غربت الشمس، وقفت السيّدات النبيلات واحدةً تلو الأخرى بوجوهٍ حزينة.
وبعد أن تبادلن التحايا التقليدية، صعدت آني إلى عربتها.
نظرت إليهن من خلال نافذتها، فرأت الغروب ينسكب فوق الأشجار بلونٍ دافئٍ أخّاذ، حتى إنها رغبت في التقاطه بصورة.
لكن ابتسامة رجل، كانت أجمل من ذلك المشهد، خطرت ببالها… فانكسر قلبها.
عامٌ واحد…
مرّ أكثر من عام على انفصالها عن جون، الذي أحبّته بصدق، ومع ذلك، شعرت أن العلاقة لم تنتهِ بعد.
كانت تظن أنها ستنسى كل شيء في غضون عام، لكنّه لا يزال الشخص الوحيد القادر على أن يجعلها تضحك وتبكي كأنثى.
لم تستطع آني أن ترفع عينيها عن غروب الشمس.
نعم، كان جون مشرقًا ودافئًا… تمامًا كغروب هذا المساء.
لذا، كلّما رأت الغروب، شعرت بوخزٍ عميق في قلبها، كأنّ إبرةً تخترقه بصمت.
لم تكن حالتها واضحة كحال فيريان وجيتينا، لكنها بدت وكأنها تنزف في الداخل.
رفعت آني قبضتي يديها الشاحبتين فوق ركبتيها، وتأملت.
عندما ننظر إلى علاقات الآخرين من الخارج، تبدو الإجابة سهلة وواضحة. لكن عندما يتعلّق الأمر بأنفسنا، يصبح الأمر معقدًا وغامضًا.
سألتها كارلا، التي كانت تجلس أمامها، بنبرة حذرة:
– “هل تفكرين به مجددًا؟”
آثرت آني الصدق، فابتسمت بدلاً من الكذب.
– “لقد أحببته ستّ اعوام. ولم يمضِ على الانفصال حتى نصف المدة التي قضيناها معًا. من الطبيعي أن أتذكره.”
فكرت في أن تُجبر نفسها على النسيان، لكنها لم تكن ترغب في محو الذكريات بالقوة، فبعضها كان جميلًا.
أرادت أن تنساها بهدوء، كما تتساقط الأوراق من الأشجار، تجفّ وتختفي بمرور الوقت.
قالت كارلا بصوتٍ خافت:
– “سيّدتي… أنتِ لا تريدين أن تكملي حياتكِ بمفردكِ، أليس كذلك؟”
أجابت آني بثقة هادئة:
– “إذا لم يظهر رجلٌ جيد بحق، ألن يكون من الأفضل أن أعيش وحدي؟”
بدأت كارلا تعبث بأصابعها بقلق، ثم قالت بنبرة مرحة:
– “من يدري؟ قد يأتي الحب ويفاجئكِ فجأة!”
– “أمرٌ صعب… ما هو نوع الشخص المثالي أصلًا؟”
لم يكن جميع الرجال الذين التقتهم آني سيئين.
كان بعضهم وسيمًا، وبعضهم موهوبًا، وآخرون لطفاء مثل جون.
لكنها كانت تهز رأسها دائمًا. فالكثيرون منهم لم يبادلوها نفس المشاعر.
بل إن بعضهم وصفها بالانتقائية والمبالغة في التفكير.
وبينما كانت تستعرض ذلك في ذهنها، قالت آني ببطء:
– “رجل… مثل حساء الكريمة.”
– “حساء الكريمة؟” سألت كارلا متعجبة.
فأجابت آني بابتسامة:
– “سهل التناول في أي مكان، غير مرهق، ومريح. ومن الصعب أن تجد حساء كريمي يعجبني حقًا.”
كان تناول حساء شهي حقًا يُشعرها بالراحة.
والمشكلة، أن إيجاد حساء كهذا ليس بالأمر السهل.
قالت آني مبتسمة:
– “أين يمكن أن نجد مثل هذا الرجل؟ رجل دافئ، لطيف، لا يُتعب القلب.”
– “آه… سيدتي، أتمنى أن تقابل هذه الشابة رجلًا بسيطًا يحبّها بصدق وتسعد معه.”
– “ألستُ سعيدة الآن وأنا وحدي؟”
– “لا، ليس ذلك ما أعنيه…”
– “تعالي يا كارلا، فكّري معي. أنا سعيدة لأن الكثير من الأمور الجيدة تحدث، حتى بعد الانفصال. يمكننا أن ننجح في العمل، ونأكل فطيرة الليمون المفضلة بقدر ما نشاء، ونرتدي فساتين جميلة، حتى إن كانت عائلتنا تمرّ بضائقة.”
– “أعلم. الطقس جميل، ونحن في صحةٍ جيدة، ويمكننا أن نلتقي ونتحدث… يا لها من نعمة.”
وضعت كارلا يديها على خصرها، وقالت بحماس:
– “هذا هو الأمر تمامًا. والرجال الذين لا يُدركون قيمة سيدتنا… هم ببساطة عُميان!”
– “ماذا؟ هاهاها!”
ضحكت آني بمرحٍ خفيف.
ثم سألت، وهي تمسح دمعةً من طرف عينها بابتسامة:
– “هل نطلب حساء الكريمة عند عودتنا إلى القصر؟”
– “وعائين لي!”
– “وأضف سلّتين من الخبز. لا يكفيني وعاء واحد.”
تبادلت آني وكارلا الضحك، بينما كانت العربة تسير بهدوء في طريق العودة إلى القصر.
ولم يكن في وسعهما أن تتنبّآ بالتقلبات والمنعطفات التي ستُخبئها لهما الأيّام القادمة.
التعليقات لهذا الفصل " 16"