تنهد “دوهر” طويلًا، ثمّ ابتسم وتحدّث قائلاً:
“ما رأيُك في إقامة حفلة تُعجب السيّدة؟”
حين سمعه “إيجيد”، ازداد وجهُه عبوسًا. حفلة؟ إنّ “آني” تستمتع بالأشياء البسيطة التي تُدخل عليها السرور، لا بالبذخ والترف.
لقد كانت تحضر الحفلات الإلزاميّة فقط، أليس كذلك؟ ولم تكن هناك مناسبة قريبة مثل عيد ميلاده، الذي يُعدّ أكبر حدث في الإمبراطوريّة، لذا لم تكن لديه حجّة مقنعة.
وكلّما ازداد وجه “إيجيد” تصلُّبًا، خفَض “دوهير” عينيه نحو الأرض.
‘إنّه مضطرب جدًّا… لا بُدّ أنّ هناك أمرًا ما.’
لم يُظهِر ما يدور في خلده، لكنّه أسرع في إضافة حديثه بحماس:
“لا ينبغي أن تكون حفلة فاخرة. ما الأشياء التي تُحبّها السيّدة عادةً؟”
“… آه.”
هتف “إيجيد” بعد صمتٍ طويلٍ غارقٍ في التفكير، فقد خطرت له فجأة فكرة حول مجالٍ كانت “آني” تُبدي فيه اهتمامًا كبيرًا.
وكانت أشعّةُ الشمس الدافئة تتسلّل عبر النافذة في تلك اللحظة.
فأضاء وجه “إيجيد” كأنّه كأسٌ زجاجيّ على الطاولة.
——
“بازارٌ خيريّ؟”
اتّسعت أعينُ النبيلاتِ الشابّاتِ الجالساتِ حول الطاولة الخشبيّة.
وكانت “آني”، الجالسة في الوسط، تُومئ برأسها بخفة.
“نعم، إنّه بازارٌ خيريّ تستضيفه العائلة الإمبراطوريّة.”
كانت أشعّة الشمس المنبعثة في أجواء الاسترخاء تلك، وقت شُرب الشاي، مع الشرفة الممتلئة بالأزهار الطازجة، تُضفي على الهواء رائحةً عذبة.
رَشَفَت “آني” رشفةً من قهوتها المُرّة.
“سيكون هذا الحدث ضخمًا للغاية. يقولون إنّ جميع الأرباح ستُخصّص لدور الأيتام ومرافق الأمهات العازبات.”
وبعد أن تكلّمت بسرعة، التفتت برأسها وقالت:
“كارلا.”
“نعم، سيّدتي؟”
كانت “كارلا”، التي تنتظر خلفها، قد أحضرت مجموعة من الأشياء ووزّعتها على السيّدات.
كان شعار “بوركاوس” الفضيّ، على شكل درع، منقوشًا على بطاقة الدعوة المطويّة بعناية على ورقة بيضاء نقيّة.
فتحت النبيلاتُ المتحمّسات الورقة سريعًا.
“يا إلهي، إنّه حقيقي.”
“يبدو أنّهم أرسلوا بطاقة دعوة ترويجيّة إلى السيّدة “دْسِف”.”
“أليست السيّدة “دْسِف” هي الممثّلة الرسميّة لباسار العائلة الملكيّة؟”
نظرت النبيلات إلى “آني” بعينٍ مترقّبة.
“هل ستذهب السيّدة “دْسِف” أيضًا؟”
همّت “آني” بالإجابة، لكنّها توقّفت قليلًا. فلو كان هذا في وقتٍ آخر، لأجابت من دون تردّد، لكن منذ حادثة أخبار السحر، بدأت تتردّد في العودة إلى القصر الإمبراطوري.
ولحسن الحظ، لم تصل أيّ أخبار عن طغيان الإمبراطور في الآونة الأخيرة، بل كان الأمر هادئًا لدرجةٍ أثارت حيرة “آني”.
وبمرور الوقت، اعتقدت أنّ الأمر لا يتعدّى كونه تحقيقًا ضريبيًّا.
ففي الحقيقة، كانت هناك احتماليّة أنّها كانت محلّ شكّ بسبب نجاح أعمالها المُلفت، الأمر الذي أثار ريبة النبلاء من حولها.
‘طالما أنّ شيئًا لم يحدث حتى الآن، فلا بأس.’
أجابت “آني” بهدوء بعد أن أتمّت أفكارها:
“بالتأكيد.”
فاسترخت ملامح النبيلات الشابّات، كما لو أنّهنّ قطع بسكويتٍ ذائب على الطاولة.
فحتى لو كان البازار تحت رعاية العائلة الإمبراطوريّة المخيفة، فإنّ وجود “آني” يمنحهنّ شعورًا بالأمان، ويمكنهنّ الذهاب معها إلى أيّ مكان.
لقد كانت “آني” دومًا فتاة شُجاعة، تمهّد الطريق للآخرين، وكانت مصدر إعجابهنّ وموضع غيرتهنّ.
وكانت كأختٍ كبرى لهنّ عند مواجهتهنّ لأيّ صعوبة، فتبادر إلى المساعدة الصادقة والنصيحة.
مالت النبيلات نحو “آني” وبدأن يطرحن عليها الأسئلة، وكان هذا جزءًا من روتينها المعتاد.
فبعد أن تُنهي أعمالها، يسألنها عن كتاب السفر الذي تؤلّفه حول “بوركاوس”، وهل يسير على ما يُرام، وما إذا كانت عائلتها قد واجهت التنديد بسبب إعلانها عدم رغبتها في الزواج، وغير ذلك.
وكانت “آني” تُجيب دون زيادة أو نقصان:
“لستُ متأكّدة بعد، فما زال في طور التحضير. لكنّي ممتنّة جدًّا لأنّ عائلتي تدعمني دائمًا.”
“هذا أمر مُطمئن.”
“حقًّا، حقًّا.”
تنفّست السيّدات الصغيرات الصعداء. فقد كنّ يعلمن جيّدًا مدى صعوبة الطريق الذي سلكته “آني”، التي لم تتجاوز السابعة والعشرين من عمرها، وكيف يُعامِلها النبلاء من حولها.
وكان من حسن الحظ أنّها لن تتزوّج شخصًا سيّئًا. فلو كانت “آني” هي نفسها، لتمنّين لها حياةً مليئة بالسعادة، لأنّها امرأة تعرف كيف تستمتع بحياتها، حتّى لو كانت وحدها.
وكانت هؤلاء الفتيات الشابّات هُنّ رفيقات “آني” الحقيقيّات، إذ قضين معها أكثر من سبع سنوات. وفي البداية، كان عدد الزائرات كبيرًا لدرجة أن هذه الطاولة لم تكن كافية، لكنّ الوقت غربل الجميع، ولم يبقَ سوى المقرّبات فقط.
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 14"