في اليوم التالي، أُصيب إيجيد بحمى شديدة، حتى إن وجهه المحمر أثار ذعر الخدم من حوله، ومع ذلك لم يشعر بأي ندم، وإنْ كان قد شعر بالأسف تجاههم.
لو لم تنهِ آني قصتها في ذلك اليوم، لكان قد بقي هناك لأيام، وكان مستعدًا لأن يستمع إليها بلا نهاية.
ربما بدا كالحجر، لكنه كان حجرًا يبتسم بابتسامة مشرقة.
كان اكتشاف هوية آني أسهل مما ظنّ.
فالعائلة الوحيدة التي امتلكت سمة العيون الأرجوانية النادرة، كانت عائلة دْسِف.
كانت عائلة مشهورة بين النبلاء، تُعرف بابنتها ذات الشخصية الحادة.
وكان ذلك طبيعيًا تمامًا.
فأيّ شخص يتحدث مع آني يقع في حب ابتسامتها وموقفها الجريء.
لقد شعر بالغيرة حتى من أقرب الأرستقراطيين إليها.
بل وكان الأمر محرجًا إلى حد أنه غار حتى من الخادمة التي كانت تخدمها حينها.
الآن، كان يرغب في قول شيء لآني… لكن عليه أن يتحلى بالصبر.
لأن الفتاة التي أحبها، لابد وأنها تخاف منه.
“لو قلت فجأة أنني أريد أن نكون أصدقاء، فسوف تعتبر ذلك غريبًا. وإذا اقتربت منها، ستشعر بالخوف…”
لم يستطع إيقاف سيل تلك المخاوف، وكأنه ينكأ جرحًا مفتوحًا ويرش عليه ملحًا خشنًا.
كان يرغب أن يبدو في نظرها بأفضل صورة، لكنه لم يكن قادرًا على تحقيق ذلك.
حتى لو لم يلتقِ بها كل يوم، كان مستعدًا لرؤيتها لدقيقة واحدة فقط، لكنّه كان عليه أن يتحمّل.
كان يتساءل: ماذا تفعل آني حين تُرهق؟
كان والده الراحل، الإمبراطور العظيم، يلمّح دائمًا إلى أن بداية الحب هي الاهتمام بما يشغل قلب مَن تحب.
والآن، بات إيجيد يوافق على هذا.
كان يكره أي شيء قد يسبب لها الضغط أو الضيق.
لذا، خطّط للاعتراف بمشاعره، وقد تمرّن على ذلك من خلال قراءة المسرحيات والكتب الرومانسية.
حتى في الأيام الحارّة من الصيف، كان يرتدي قناعًا أو عباءة ليحضر العروض المسرحية خفية، رغم صعوبة الأمر، مخافة أن يشعر الممثلون بالخوف، لكنه كان يجد متعة في تلك التجربة.
وعندما أصبح مستعدًا، ووجد آني أخيرًا، توقف عن التنفس.
كانت بصحبة رجل لطيف يُدعى جون، بدا أجمل من أي شخص آخر.
وكأن حبرًا أسودًا قد انسكب أمام عينيه، فغمرهما السواد.
> “جون، جرّب هذا.”
> “شكرًا لكِ، يا آني.”
تـوك~
سـقـوط~
سقطت رسالة الحب التي كان يحملها.
بينما كانا يتبادلان المثلّجات والقبل، شعر بإحساس من اليأس، أقسى من شعوره حين حُوصر في معسكر العدو.
لقد كان أحمق.
كيف له أن يتوقع من رجل آخر أن يترك امرأة بهذا الجمال؟
في ذلك اليوم، ولأول مرة في حياته، احتسى نبيذًا قويًا.
آني كانت تبتسم بشكل لم يره طوال سنواته الست المؤلمة.
لقد ألقى باللوم على نفسه، وأقنع قلبه بأن هذا من حسن حظها.
كانت تلك المرة الأولى التي تبدو فيها آني هادئة إلى هذا الحد.
كان يواسي نفسه بفكرة أن سعادتها أهم… لكنه لم يستطع قبول هذه الحقيقة.
حتى سمع الخبر الذي جعل قلبه يقفز بشدة:
> “السيدة دْسِف… انفصلت عن شخص ما!”
حـقًـا؟
سمع الخبر من خادمات القصر، وسأل بعضهن ليتيقّن.
لو لم يكن الناس خائفين منه، لبقوا وأخبروه المزيد.
“آني… انفصلت…”
كان شعورًا مختلطًا، من السعادة والقلق، حتى إنه فقد أعصابه.
لم يمرّ يوم دون أن يقضم أظافره من شدة التوتر.
وبعد كثير من التفكير، توصّل إلى فكرة: أن يراها ويعترف لها بمشاعره خلال حفل عيد ميلاده.
أقام الحفل على الفور، ودعا فيه عائلة دْسِف.
لكنّه توقّف حين سمع شكواها لخادمتها:
> “حسنًا… عليّ أن أفتح عينيّ جيدًا، فوالديّ قلقان. ومع ذلك، مرّت ست سنوات منذ أن التقيت به… وربما أحتاج إلى عام آخر لأصفّي ذهني.”
عــام…
شَـهِـق.
عـام… 365 يـومًـا، 8760 سـاعـة، 525600 دقـیـقـة، 31,536,000 ثـانـیـة.
لم تكن مدة قصيرة بأي حال.
وخاصة بالنسبة إلى إيجيد، الذي انتظر ست سنوات…
ألم يكن الأوان قد فات للاعتراف بحبه؟
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 11"