كـثمار ناضجة بشكلٍ مفرط تسقط فجأة على الأرض، تسللت كلماتها المليئة بالاستياء بلا وعي، كانَ ذلك تجاوزًا للحدود.
مهما كانت متألمة وفقدت السيطرة على نفسها.
“أعتذر…”
“سأتبع رغبات سموك.”
هل كانَ بينهما يومًا وقت سارت فيه الأمور حسب ما أرادت فريسيا…؟
ثم خيم صمت ثقيل على المكان.
و في النهاية، نهض إيزار و اتجه إلى باب الغرفة.
و عندما أوشك الباب على الإغلاق، توقف للحظة، لكنه غادر دون أن ينبس بكلمة.
تمامًا كما في ذلك اليوم بعد أن فقدا طفلهما، تحت شجرة الأشواك.
فقط بعد رحيله، سحبت فريسيا البطانية فوق رأسها.
الشيء الوحيد الجيد الذي خرجت به من هذه المحنة، هو أنها تعلمت كيف تبكي.
—
إيزار لا يخلف وعده أبدًا.
“سنتوقف عن دعم الأراضي الرئيسية لعائلة أنتاريس.”
رغم أن العلاقة معَ عائلة أنتاريس، التي تعمل كـوكيل للإمبراطور، لم تكن ودية تمامًا، كانوا يقدمون الدعم في مكافحة الوحوش لتجنب النزاعات غير الضرورية.
لكن هذه المرة، تعدوا الحدود.
“اعتبارًا من الربيع القادم، و لمدة ثلاث سنوات، لن يكون هناك دعم في مكافحة الوحوش.”
المشكله كانت في أم فريسيا، من شهدوا تلك المرأة الصماء المجنونة و هي تثير الفوضى عدة مرات، ربطوا بسهولة تشنجات فريسيا بالجنون.
و المرض العقلي هو أعظم حجة لإلغاء الزواج.
“الجميع في الدوقية يعرف أن أم الراعِية مجنونة. هذه فرصة جيدة لإرجاعها إلى أنتاريس—”
لكن المتحدث كتم كلامه فورًا عندما لمح نظرة إيزار الباردة.
“كفى هراءً. من يتحدث عن هذا الحادث سيعاقب بشدة.”
“أ… أعتذر، سامحني.”
“غادروا، جميعكم.”
بعد أن طرد مساعديه بارتباك، حدق إيزار في الجدار المقابل في غرفته الخاصة.
ظهرت أمامه عيون فريسيا الخضراء الشاحبة الخالية من النور.
كانت تبتعد عنه.
رُبما ستسحب حبها و تترك خلفها فراغًا.
كانَ يقاوم ذلك الشعور الرهيب.
“اللعنة.”
خرجت من بين أسنانه لعنة حادة.
هذا ليس صوابًا.
لا ينبغي أن يكون هو الذي يستهلكه تفكيره بتلك المرأة.
لكن رؤيته كانت قد غطتها أسوأ السيناريوهات.
فريسيا تبتعد عنه.
ثم ترد بسهولة كما لو كانت تنتظر رحيله.
رغم كونها ابنة غير شرعية، إلا أنها جزء من عائلة أنتاريس، لذا لم يكن من المستحيل أن تتزوج مرة أخرى.
كانَ من الواضح أن الدوق أنتاريس سيسعد إذا علم أن إيزار لم يمس فريسيا فعليًا.
رُبما لم تكن عرض زواج مثالي.
لكن…
لو حدث أي احتمال…
“لو كانت ابتسامات فريسيا موجهة إلى رجل آخر في المرة القادمة.”
لو ابتسمت له و أظهرت تلك العيون التي كانت تتلألأ من أجله ذات يوم.
رُبما تكن تحمل حبًا أعظم له من ذي قبل…
و حاملًا بطفل رجل آخر.
تجمّدت عيونه الذهبية بنية قتل.
في خياله، ذبح الرجل المجهول بلا رحمة.
رأى بوضوح اللحظة التي سُحبت فيها فريسيا، زوجة ذلك الرجل، قسرًا بعيدًا.
و كانَ سيحبسها في مكان لا يقدر أحد غيره على الدخول إليه، إلى الأبد.
“ها…”
تنهد إيزار و هو يمرر يده فوق عينيه.
هل سينتهي به المطاف على درب والده؟ هل سيغرق في هاوية الهلاك، و بشكلٍ أكثر إذلالًا؟
لكن أخيرًا، من بين أصابعه التي تغطي وجهه، لمع بريق غامق في عينيه الذهبيتين. وسط ذلك الضباب من الحيرة، كانَ هناك شيء واحد يثق به تمامًا.
أنه سيستعيد تلك النظرة التي كانت في عينيها حينَ كانت تنظر إليه.
—
بعد مرضها و تأكيد موعد نهايتها، اكتشفت أن حياتها قد انخفضت إلى 234 يومًا فقط.
حينَ حضرت الوليمة، كان لديها 248 يومًا، أي إن الأمر استغرق قرابة أسبوعين لتستعيد قوتها الكافية للتحرك.
بعد الحادثة، لاحظت فريسيا تغيّرات صغيرة لكنها ذات دلالة حولها.
هناك المزيد من الخادمات و الفرسان المكلفين بالأعتناء بِها.
لم يكونوا يساعدون بارتياح، بل كانوا مشدودين جدًا.
إن ولاء الأتباع ينمو معَ دعم السيد لهم، و هو تذكير بأن تفانيهم لا علاقة له بجهود أو سلوك فريسيا.
لكن بدل أن تشعر بالفرح، كانت ثيا شاحبة، و أيديها ترتعش و هي تمشط شعر فريسيا استعدادًا لنشاطات اليوم.
“ظننت… ظننت أنكِ ستموتين يا سيدتي…”
“هل كان الأمر بهذا السوء…؟”
“هل تسألين؟ أصبت بنوبات و صعوبة في التنفس.”
“يا إلهي.”
“يا إلهي، تقولين؟ كأنها مشكلة شخص آخر! السيد كانَ قلقًا عليك جدًا.”
“ظلَّ إلى جانبك طوال فترة غيابك عن الوعي!”
قالت ثيا ذلك و كأنها تريد أن تواسي فريسيا، لكنها فقط نظرت إلى المرآة بلا تعبير.
“هل أنا سعيدة؟”
من الطبيعي أن تشعر بالفرح أمام هذا التغيير.
لو كانَ إيزار قلقًا إلى هذا الحد، رُبما كانَ يمكن لعلاقتهما أن تتغير كثيرًا بنهاية حياتها…
لكن المرأة في المرآة ما زالت شاحبة و منكسرة.
و كأنها منهكة إلى حد ما.
نظرت فريسيا إلى عقد الأزرار الذي تعبث به بيدها.
“لا يزال لدي حوالي ثمانية أشهر.”
إنه وقت طويل، و كانت دائمًا تقمع موجات الحزن و القلق بصبر و تفاؤل.
و لكن للمرة الأولى، بدأت تشعر بثقل الشهور الأربعة التي ضاعت منها.
“لنذهب، ثيا.”
و معَ ذلك، لا تزال هناك مهام تنتظرها.
اليوم، جاء الزائرون إلى القصر ليروا فريسيا لأول مرة.
“عادةً، كنت سأجد عذرًا للرفض، لكن… كيف لي أن أرفض هؤلاء الناس الذين ساعدوني؟”
كيف يمكنها أن تدير ظهرها لعائلة وقفت إلى جانبها؟
ما أن ظهرت فريسيا، حتّى بدت السيدة الماركيزة دينيب و ألبيريو، اللذان كانا ينتظرانها، مذهولين، لقد سمعا أنها بدأت تستعيد عافيتها، لكنها لا تزال تبدو هزيلة بوضوح مقارنةً بما كانت عليه في الوليمة.
كانت الماركيزة أول من تكلمت.
“يا إلهي، سيدتي، إن لم تكوني قد تعافيتِ تمامًا، كانَ يجب أن نزورك في وقت آخر، لقد كنا وقحين.”
“أنا فقط أشعر بالحرج لأنني سببت لكم القلق، لكن لا بأس على الإطلاق، أنا ممتنة حقًا لقدومكم.”
“و معَ ذلك… يا أيها ألهيّ، كيف يمكن أن تكوني بهذه الحالة…”
بعد تنهيدة قصيرة، نظرت الماركيزة جانبًا إلى ابنها الثاني، الذي كانَ يضغط شفتيه بإحكام.
قيل إن حادثة “غير محمودة” كادت تقع في إقطاعية أنتاريس، لكن بفضل مساعدة ابنها الثاني، تمكّنوا من تفادي فضيحة…
بالتأكيد استفادت عائلة دينيب من تصرفاته، لكن الماركيزة كانت تتساءل عن سبب تصرف ابنها بغرابة هكذا.
‘هل يمكن أن يحمل هذا الطفل مشاعر غريبة، حقًا؟’
و نظرت الماركيزة إلى المرافقين المتوترين خلف الدوقة بعينين جافتين.
عندما زاروا قلعة دينيب سابقًا، أحضروا خادمات فقط دون أي مرافقين من عائلتهم.
‘همم… في ذلك الوقت، افترضنا فقط أنهم كانوا يسافرون بخفة.’
على الأرجح، لأن فريسيا كانت ابنة غير شرعية، لم يتقدم أحد لخدمتها.
“يبدو أن الدوق قلق جدًا على صحتك.”
توقفت فريسيا للحظة قبل أن ترد على هذا الإطراء الحذر.
“أنا ممتنة.”
كانت قد تعرضت للأذى و الإهانة، هل من المفترض أن تكون سعيدة كـامرأة إذا زاد عدد الناس المكلفين بخدمتها بسبب ذلك؟
لاحظت الماركيزة التعب الواضح على فريسيا، فقالت برفق:
“إذا كُنتِ تشعرين بأنك قادرة على الحركة، ما رأيك أن نزور المعبد معًا؟”
“أوه…”
“يمكننا أن نقدم صلاة شكر على شفائك. و الهواء النقي في أفضل أوقاته قد يساعد على تعافيك بشكل أسرع.”
التعليقات لهذا الفصل " 62"
شكرا على الفصل الحلو اتمنى تنزلي الباقي قريبا🌷🩷