راح إيزار يتأمل بصمت العربة الغارقة في عتمة ليلة أواخر الصيف.
كانَ عليهم أن يُخيّموا لعدّة أيام في طريقهم نحوَ العاصمة، و كانت الراعية داخل تلك العربة في تلك اللحظة.
و من خلال النافذة، كانت تتحدث معَ فين دريك، الفارس المكلّف بحمايتها.
‘هل أصبحا مقرّبين بهذه السرعة؟’
لم يكن السير دريك خيارًا سيئًا بأي حال من الأحوال.
رجل مستقيم، صادق، و مُفعم بالرحمة. كانَ مناسبًا ليكون حارسًا لامرأة.
إيزر كانَ على دراية تامة بنزاهة هذا الرجل، و يعلم أنه لم يكن من النوع الذي يُضمر نوايا خبيثة تجاه امرأة سيّده، لكن…
‘من يدري؟’
فـحتّى نجل دينيب، ذلك العابث الذي غازل كثيرًا من نساء البلاط، قد اقترب من الراعية ذات مرة.
و لا شك، لو أن مظهر الراعية لم يُرضِ أهواء ذلك اللعوب، لما عاملها إلا بلياقة عابرة.
عضَّ إيزار شفته، يحاول ان يكتم غيضه، و رمى بنظرة جانبية إلى زوجته “الغير شرعية” كما كانَ يصفها في قرارة نفسه.
‘إن كانَ الأمر كذلك … نعم، قد تجذب بعض الرجال.’
لكن أكثر ما أثار انزعاجه هوَ رؤيتها تضحك، رغم أنه لم يسمع ما قاله السير دريك.
عيناها الخضراونين، المتألقتان مثل عشبة صيفيّة، انحنتا على شكل هلالين و هُما تبتسمان بحنان.
من أعماق قلبه و حتّى سقف حلقه، صعدَ طعم مُرّ. كانَ قد استمتع بضحكتها له ذات يوم، حتّى عندما كانَ يزدريها بلقب “لقيطة”، كانت ابتسامتها تمنحه شعورًا لاذعًا بالإثارة.
لكن ذلك الشعور تبخّر كـسراب، و كأنه قد سُرق منه شيء ما.
و بدلًا من ذلك، تدفّقت إليه مشاعر مختلفة، أقسى، أثقل، رغبة لزجة مُتخثّرة تخنق أنفاسه.
“ذلك الوجه…”
أراد أن يُغرق ذلك الوجه المبتسم بالبكاء، أراد ان يرى وجهها المبتسم يبكي بعجز.
أن تبكي بأسى لدرجة أنها لا تقوى حتّى على مواصلة الحديث، لدرجة تجعلها تلهث طلبًا للهواء.
أراد أن تتوسّله بدموعها، تلهث بشفاه مرتجفة، فقط لكي يُقبّلها أو يلمسها.
كما حدث في الحلم تمامًا…
أدار إيزر جسده بعيدًا عن اتجاه العربة.
الحرارة المتجمّعة في خصره… ما زالت قابلة للاحتمال حتّى الآن.
✦ ✦ ✦
هل يُعقل أن زوجها يراقبها؟
تأمّلت فريسيا وجه إيزار بهدوء من داخل العربة.
لقد قضى معظم وقته على ظهر جواده و هوَ يُشرف على المعسكر، و كانَ من الصعب تمييز وجهته بسبب ضوء الشمس المنعكس خلفه.
لكن الآن … بعدما علمت صدفة عن ماضي فين العائلي، كانَ عليها أن تُركّز على هذه المحادثة.
“إذًا، كانَ لك أخت يا سير دريك.”
“نعم، سيدتي.”
“لقد كُنتُ جاهلة تمامًا بشأن أوضاع فرسان الأسرة.”
بطريقة ما، انحرف الحديث إلى خلفية الفارس الشخصية، و لما كانت هذه أول مرة تسمع فيها هذه القصة، شعرت فريسيا بارتباك داخلي. لم تهتم بهذه التفاصيل في حياتها السابقة طيلة ثلاث سنوات.
لكن فين هزَّ رأسه بسرعة نافيًا.
“أبدًا، سيدتي. قبل أن يتزوّج سيدي بسيدتي، كانت تلك الفتاة قد دخلت في علاقة معَ فارس من منطقة أخرى.”
“آه، إذًا كانت في سن الزواج حينها.”
“نعم، في الواقع … إنها في مثل عمركِ، سيدتي.”
“آه.”
تردّد فين قليلًا ثُمَّ أضاف بعض المعلومات الأخرى، و فهمت فريسيا حينها ذلك الفارس بشكلٍ أفضل قليلًا.
‘رُبما عندما نظرَ إليّ… تذكّرَ شقيقته التي تعيش بعيدًا.’
و لكن، وعلى غير قصد، أخطأ فين في تفسير تعبير فريسيا، فصححَ قوله سريعًا. فـكونه خادمًا لها و لمنزل الدوق، فإن مقارنة سيدة المنزل بأحد أفراد عائلته قد تُفسر بطريقة خاطئة و تتجاوز حدود الأدب.
” لقد أخطأت في التعبير، كانَ من غير اللائق أن أقول ذلك، يا سيدتي.”
“لا يا سير دريك، لم يكن كلامك قاسيًا على الإطلاق.”
بل على العكس، كانت فكرة أن يراها شخصًا فيتذكر عائلته تحمل في طياتها شعورًا يعتصر القلب.
‘عائلة… عائلة.’
رغم زواجها و حملها السابق، كانَ هذا المفهوم لا يزال غريبًا عليها، ماذا لو كانت والدتها قد أنجبت أخًا أو أختًا؟
لو كانَ هُناكَ شخص واحد آخر في هذا العالم يمكنها أن تعتمد عليه؟
‘لو كانَ الأمر كذلك … رُبما كانت حياتي هذه ستكون مختلفة.’
رغبتها في رؤية دموع إيزار لم تكن سوى انعكاس لحياتها المليئة بالشكوك، حيث كانَ هوَ الخيار الوحيد الذي تمتلكه.
و بعيدًا عن الحُب، كانَ ذلك هدفًا واقعيًا رسمته بعقلانية. و لو تجاوزته خطوة واحدة، لـكانَ مُجرّد وهم.
فقد كانت السنة الواحدة الممنوحة لها تحمل معها متغيرات كثيرة تجعل من البداية العيش بين الغرباء أمرًا مرهقًا.
و أولئك الذين بدأوا يشعرون حتّى بأدنى قدر من المودة تجاهها، هم أشخاص لم تكن لتلتقي بهم لولا إيزار.
لذا، كانَ إيزار هوَ الخيار الأفضل و الوحيد في ذهن فريسيا.
‘و لكن، لو كانَ هُناكَ أقارب دم آخرون يحبونني…؟’
رُبما، لو فتحت عينيها من جديد، كانت ستختار الفرار معَ ذلك القريب منذ البداية.
‘و لو لسنة واحدة فقط، كُنتُ سأرغب في أن أعيش حياة بسيطة كـإنسانة عادية برفقة عائلتي.’
و ماذا لو، حتّى النهاية، لم يثق بها إيزار و لم يشتاق إليها في هذه الحياة الثانية؟
‘حينها، قد أختار أن أغفو إلى الأبد بجانب ذلك القريب.’
لكن الندم على ما لم يكن، لم يجلب إلا عبثًا. و كانَ ذلك كافيًا لطفلها الذي لم يولد بعد، المدفون تحت تلك الشجيرة الشائكة.
و بعد وداعها لـفين، استعدت فريسيا للنوم داخل العربة.
لكن، في اللحظة التي كادت تغفو فيها، اهتزت العربة كما لو أن زلزالًا قد ضرب المكان.
“هاه؟ ما هذا؟”
تسمرت متسائلة إذا ما كانت هذه أول مرّة تشعر فيها بالزلزال، فجأة قفز جسدها المتكور من النوم.
غير أن صوت احتكاك المعدن و هتاف الرجال من الخارج أرسل قشعريرة تسري في عمودها الفقري.
“هل هؤلاء قطاع طرق؟”
و في تلك اللحظة، طرقت ثيا، التي بدت و كأنها استيقظت للتو أيضًا، باب العربة و وجهها مشوه بالخوف.
“سيدتي! سيدتي، عليك أن تستيقظي! يجب أن تخرجي من العربة!”
“ثيا، ماذا يحدث؟”
“وحوش!”
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 42"