لطالما اعتبرَ إيزار نفسه رجلاً بسيطًا في رغباته. فـبعد أن رأى الانحدار المُزرِي و الانحطاط و البؤس الذي غرق فيه والداه، كانَ ليكون أحمقًا أو لا يختلف عن الحيوان لو لم يتعلّم من مأساتهم.
بالطبع، لم يكن غريبًا عنه ما يتداوله الفرسان من حكايات فاحشة فيما بينهم، أو طريقتهم في إشباع غرائزهم داخل الثكنات حينَ لا خيار آخر أمامهم. كانَ ذلك مُجرّد جزءٍ من الحياة اليومية حينَ يجتمع أصحاب الطاقة الجسدية المفرطة.
في نظره، العلاقات لم تكن سوى وسيلة لإنجاب ورثة شرعيين يحملون السلالة. كانَ يعتقد أنه سيتّحد جسديًا يومًا ما معَ زوجة مناسبة من حيث الأصل و النسب، فقط من أجل هذا الغرض.
نعم، كانَ هذا ما ظنَّ أنه سيحدث…
“تَبًّا…”
منذ ذلك اليوم، بدأت تلك الراعية الجريئة حدّ الوقحة تتسلل إلى أحلامه دون دعوة. لو أنها اكتفت بالنظر إليه بعينيها الواسعتين ثُمَّ اختفت، لرُبما استطاع تحمّل الأمر.
لكن، بغضّ النظر عن مدى كراهيته للاعتراف بذلك، لم يستطع إنكار أن عينيها تحت ضوء الشمس كانت جميلة.
لكنها لم تظهر في أحلامه بعينيها فقط.
كانت تظهر عارية، تتلوّى بلا هدف تحت جسده، وتبكي بأنينٍ متقطّع و تغرق في ألمٍ عذبٍ لا تفسير له.
شفاهها الصغيرة كانت تعضّها في محاولة يائسة لكتم أنينها الخافت، حتّى احمرّت
ذلك الصوت الخافت الذي شقّ طريقه إلى أذنه ببطءٍ حلوٍ و مؤلم، خلّف في داخله أثرًا لا يُمحى. حتّى أنّ نغمة صوتها وحدها بدت له و كأنها جريمة في حق صمته، صوتها وحده كانَ كافيًا ليستفزّ داخله لدرجة أنه لم يتمالك نفسه من شتم الحلم.
‘و قبل كل شيء … تلك الشفاه.’
في بعض الأحلام، كانَ يسمح لنفسه حتّى بأن تلتهم تلك الشفاه أطراف أصابعه. و رغم أنه كانَ مُجرّد حلم، إلا أن الإحساس الغريب بأنفاسها تلهث، جعله يقشعر من رأسه حتّى أخمص قدميه.
و حينَ سحبَ إصبعه من بين شفتيها، همست الراعية بصوتٍ أكثر دفئًا و مكرًا، فيه من الحلاوة ما يُفقد التوازن.
<الدوق إيزار …>
هكذا يبدو اسمه حينَ تنطقه هيَ … بدا و كأن جانبًا من رأسه يذوب ببطء، كما لو أنه شرب نبيذًا حلوًا و ثقيلًا أُفرِطَ في تخميره.
يا لسخافة الأمر … فقد فكّر في ذلك أثناء الحلم، و بشكلٍ أكثر سخفًا، انجذب إلى ذلك الصوت و انحنى أكثر.
ليقبّلها و يغرق معها في قبلةٍ تتلاقى فيها الأنفاس و تتشابك الأرواح
كان فمها صغيرًا، ضيّقًا، و كل محاولة بسيطة منه لاستكشاف المزيد، كانت تدفعها لإصدار تأوّهاتٍ متألمةٍ من بين شفتيها المرتجفتين، أصوات متقطعة تُشعل نارًا يصعب إخمادها.
كانَ حلمًا … مُجرّد حلم.
يعرف ذلك جيدًا، و يدرك كم هوَ عبثي. لم يسمع يومًا تلك المرأة تُصدر مثل هذه التأوّهات و الأصوات العذبة.
و معَ ذلك، في ذلك الحلم الضبابي المشوّش، كانَ مجنونًا مثلما كانَ الحلم مجنونًا.
‘قليلًا بعد…’
حينَ كانت ترتجف في نومها من الكوابيس و تبكي، و كانَ يضمّها إليه، لم يدرك كم أصبح مهووسًا بملمس جسدها الناعم من خلف الثياب الخفيفة، و كيف كانت أصابعه تنساب لا إراديًا فوق انحناءات جسدها الرقيق.
لماذا أعارها عباءته في تلك المرة عندما أخرجها من البحيرة؟ تلك الأكتاف الهزيلة و ذلك القميص الرطب الذي التصق بجسدها، لم يكن مشهد يمكن محوه بسهولة.
دفء جسد الراعية تحت لمسته، و صوتها حينَ تنادي اسمه كما لو كانَ طوق نجاتها الأخير … كل ذلك كانَ يُسكره، يُغرقه في تيهٍ لا يعرف الخلاص منه.
هل سبق له أن شعر بمثل هذا الضعف؟ بهذا التوق الحارق؟
‘قليلًا بعد…’
و في النهاية، حتّى في الحلم، لم يستطع التراجع. فحثّها و همس بخشونة :
<افتحي فمك أكثر…>
الخصر العاري الذي التصق به كانَ حقيقيًّا، و الصوت الناجم عن التقاء الجسدين العاريين كانَ شيئًا لا يجرؤ على تخيّله في الواقع.
<خُذيني…إن كُنتِ ترغبين بي…>
ثُمَّ، و بينما كانت المرأة تتلوّى من الحُمّى، فتحت عينيها، كانَ يأمل أن يرى تلك العينين المتلألئتين بنعومة، كما لو أنّهما تردّدان اعترافها بالحُبّ له.
أمام ذلك البريق، أراد أن يتجرّد من كُلِّ عقل، أن يضيع، أن يتشابك معها بجنون داخل الحلم، بلا أي تردّد أو كبح.
لكن قبل أن تنهار الحدود الغامضة بين الواقع و الحلم، همست الراعية و هيَ تلامس وجنته بكفّها، كانَ خدّاها متورّدين من الشهوة، لكن التعبير المنسدل من بين أصابعها بدا خاليًا، أجوفًا، كأنّه يفتقر للروح.
<هذا لا يمكن أن يحدث.>
راودته رغبة عارمة أن يُمسك بوجنتيها و يسألها بلهفة.
“لماذا؟ ألستِ أنتِ من قُلتِ بنفسك إنكِ تُحبّينني؟”
لكن ما تبِع ذلك كانَ تصريحها الجريء الذي قالته في الواقع من قبل.
<رغم أنّني أحبّك، يا دوق، إلا أنّني لا أرغب أن أُحتضَن من قِبلك دون أن تُحبّني في المقابل.>
<لأنّني لا أرغب أن أموت كـامرأة مثيرة للشفقة، تُنبذ و تُدفع إلى الجنون.>
ثُمَّ نظرت إليه بثبات، كما لو أنّها قد أدركت كُلَّ شيء.
كانت عيناها، اللتان تشبهان عشب الصيف، تغليان بمزيج من العتب، و المرارة، و الاستسلام، و الحزن.
<أنا مُجرّد أبنة غير شرعية في النهاية.>
الوصمة التي لا ترغب بِها أنت، التي تحتقرها و تعتبرها نجسة، وجودٌ يُمحى حتّى لا يُدنّس النسب الشريف.
و بعد أن انتهت كلماتها، استيقظَ إيزار كما لو أنّه غُمِسَ فجأةً في بحيرة جليدية، تغمره قشعريرة كراهية لذاته.
فـبعكس استجابته الجسدية، كانَ عقله … نعم، لم يكن هُناكَ وصف آخر لما حدث سوى أنه ضرب من الحماقة.
‘فـلماذا إذًا؟’
لماذا شعر بهذا الاشتياق و الذنب؟ وكأنّه هوَ من كانَ يحمل المشاعر تجاه الراعية، لا العكس؟
هل كانَ السبب أنّه، و للمرّة الأولى، أدركَ رغباته الجسدية من خلالها؟
هل كانَ الأمر مُجرّد ذلك فحسب؟
لكن لماذا … لماذا، حينَ تحدثت الراعية بتلك النبرة المستسلمة في الحلم، حاولَ أن يتمسّك بها بأعذار واهية لا يقبلها العقل؟
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 41"