بعد مراسم زواج “الابنة الدوقة غير الشرعية” من دوق “آركتوروس”، ضجّت العاصمة بأحاديث القيل و القال لفترةٍ من الزمن. و وجدت “آتريا” نفسها وسط نيران تلك الأحاديث.
<هاها، لم أكن أعلم أن السيدة آتريا لها أختٌ كهذه.>
<لا بُدَّ أنَّ وقع الأمر كانَ شديدًا عليها، لم أتوقّع أن تستسلم بهذه السهولة.>
دائمًا ما يوجد مَن يتصيّد الناجحين، في أي مكان.
لكن “آتريا” استخدمت الوضع لصالحها، و عزّزت صورتها باعتبارها “الابنة الدوقة الشرعية و المسكينة” التي سُلبت مكانتها من قِبل “لقيطة جشعة و مغرية”.
و قد أثمرت الخطة، فـعادَ الناس يحيطونها بالتعاطف و الثناء كما كانت تشتهي.
و إن كانَ هُناك ما أزعجها فعلًا…
فـهو ذلك الاهتمام الغريب الذي بدأ رجال البلاط يُظهرونه تجاه “تلك اللقيطة”، و كأنها تحمل أسرارًا من فنون الليل لا يعرفها النبلاء و لا أرقى بائعات الهوى.
لكن مثل هؤلاء الرجال، بنظر “آتريا”، ليسوا سوى حُثالة لا تستحق انتباهها.
«همف. كانَ يجدر بها أن تكون ممتنّة، أليسَ كذلك؟»
لو بقيت تلك الفتاة في منزل العامة، لاعتُبر دخولها إلى بيت أحد النبلاء كـجارية شرفًا يُحسَد عليه.
لذا، فعليها أن تشكر “آتريا” على الفرصة غير المسبوقة التي فُتحت لها.
و في طريق العودة من إحدى الحفلات الاجتماعية، ظلّت “آتريا” تتأمّل حتّى دخلت صالة الاستقبال لتحيي والدتها:
“أمي، لقد عدتُ!”
“مرحبًا بعودتك، يا آتريا.”
“آه، لم أُدرك أنكِ تقرئين الرسائل. كُنتُ صاخبة جدًا.”
“لا بأس. إنها من السيدة الكبيرة لعائلة آركتوروس.”
أسرعت “آتريا” نحوَ والدتها لتقرأ الرسالة التي كانت بيدها.
لكن دوقة “أنتاريس” كانت قد قرأتها بالفعل، و تذكّرت محتواها بابتسامة ساخرة:
“كلماتها مُلتفّة، لكن هذا ما كانت تقصده فعليًا.”
<ابنة غير شرعية؟ أترسلون لي فتاة لقيطة؟!>
<هذه الفتاة ليست ساذجة كما تبدو، لقد سخرت مني!>
<قولوا لي، هل ربّيتم تلك الحقيرة في “أنتاريس” بنيّة كهذه؟>
فـلو أن الفتاة المُرسلة من “أنتاريس” كانت قد تلقت تعليمًا مناسبًا للزواج، لكان من واجب “إلكترا” أن تتعامل معها كـزوجة شرعية.
لكن دوقة “أنتاريس” سخرت في سرّها.
“هُراء. يا لها من امرأة حمقاء.”
كيفَ تُضيّع وقتها الثمين على فتاة وُلدت من نزوة مراهقة ارتكبها زوجها؟
و خاصةً في ظل وجود “آتريا”، التي تحمل دمًا أنقى و أنبل.
” تلك الفتاة تظاهرت بالأدب، لكنها كانت تحمل سُمًّا في طيّاتها … لكن لماذا تشتكي إلينا تلك المرأة؟ لأنها لم تستطع السيطرة عليها بنفسها؟ يا للسخافة.”
غير أن “آتريا” ما إن قرأت الرسالة حتّى شحب وجهها.
لم يكن تركيزها على ما شددت عليه والدتها، بل على تفصيلة أخرى.
“ما هذا؟ الدوق و … تلك اللقيطة خرجا معًا؟”
فقد ورد في رسالة “إلكترا” أنها أُصيبت “بجروح طفيفة”، مما دفع “إيزار” إلى اصطحابها معه خارج القصر لتلقي العلاج.
“أمي! هل قرأتِ هذا الجزء؟”
“نعم، قرأتُه.”
“و لِمَ اصطحبها الدوق معه؟ و لسِتّة أيام؟!”
“آه، آتريا.”
قهقهت الأم بقليل من الاستهزاء.
فـبخبرتها الطويلة، لم تكن هذه الأخبار مفاجئة على الإطلاق.
“فتاة وُلدت من أم كهذه، لا بُدَّ أنها ورثت مهارة إغواء الرجال.”
كانت والدة تلك اللقيطة مشهورة بجمالها، و بمحاولاتها المستميتة لتحسين وضعها عبر الرجال.
جمالٌ كادَ يجعل فقرها يبدو كـقصة رومانسية حزينة.
“لقد كانَ هُناكَ رجال في البلاط يلهثون خلف تلك المرأة بالفعل.”
لكن في النهاية، استفاقوا من غفلتهم، و اختاروا نساءً من أُسرٍ نبيلة و ثروات طائلة.
و كانَ على دوق “أنتاريس” أن يُنهي الأمر بالطريقة ذاتها. و لو فعل، لما اضطرت الدوقة لدفن عائلة تلك العاهرة في التراب.
لكن، مدفوعًا بشهوته، ها هوَ الوضع يصل إلى هذا الحد…
“آتريا، لا تَحْملي أوهامًا رومانسية عن الرجال. فهم مخلوقات متقلّبة بطبعها. و غضّ الطرف أحيانًا… هوَ أيضًا من شيم السيدة الحقيقية.”
“لكن!”…
تجهمت “آتريا” و عبّرت عن ضيقها بصوتٍ متهدّج.
رغم أنها لم تشكك بصدق الدوق تجاه وعده لها، فإن مُجرّد التفكير باحتمالٍ آخر كانَ كافيًا ليُشعرها بالغثيان.
“أمي، ماذا لو أن تلك النجسة حملت من الدوق؟”
لمُجرّد تخيّل الأمر، انقلب معدتها رأسًا على عقب.
صورة تلك اللقيطة و هيَ تحمل طفلًا من دم الدوق و تظهر عليها علامات الحمل… لم تُعد تتحمّل الفكرة.
في مخيلتها، لم تكن “فريسيا” سوى حيوان دنيء مُشتعل بالشهوة.
لكن والدتها هدّأتها بسهولة تامة.
“آتريا، الحمل ليسَ أمرًا سهلاً كما تظنين.”
“أمي…”
“لكن لا شك أن تلك الفاجرة مستهترة أكثر مما ينبغي.”
و ما إن سمعت هذا، حتّى أشرق وجه “آتريا” من جديد.
“دعيني أستعدّ قليلاً بعد.”
و معَ اقتراب موسم البلاط الاجتماعي، و معَ صعود تلك اللقيطة إلى منصبٍ أعلى، كانَ من الحكمة أن تُذَكَّر بمكانتها… و يُمنَع حدوث أي مفاجآت غير مرغوب فيها.
فنادَت الدوقة على إحدى الخادمات.
“أحضري العشّاب من شارع “نوكترن”، ذلك المتخصّص بشؤون النساء.”
“حاضر، سيدتي.”
ثُمَّ التفتت إلى ابنتها و قالت بابتسامة ماكرة:
“و الآن، تعلّمي من خطأ أمكِ يا آتريا.”
فقد فهمت الخادمة مقصود سيدتها دون حاجة إلى توضيح، و غادرت على الفور. أما الدوقة، فـابتسمت بخبثٍ أكبر و هيَ تُربّت على يد ابنتها.
“حتّى لو شاركت تلك اللقيطة الدوق فراشه… يكفينا أن نضمن ألا تثمر تلك الليالي شيئًا.”
أطبقت “آتريا” شفتيها بصمت.
كانَ الأمر مرعبًا بعض الشيء … لكن تعاليم والدتها جاءت لينة، مُطمئنة، بشكلٍ لا يُقاوَم.
“لكن، أمي…”
و آتريا، التي اعتادت التعلُّم السريع، راحت تطرح أسئلة من مستوى أعلى، كما لو كانت تلميذة نجيبة تسعى للتفوّق.
“ماذا لو كانت قد حملت فعلًا؟”
“هاهاها!”
انفجرت والدتها ضاحكة بمرح.
أن ترى ابنتها تتوق بشدة إلى الكمال في اعتلاء منصب دوقة “أركتوروس”، كانَ أمرًا يستحق الاحتفاء.
و بصفتها أمًّا حقيقية، لم يكن هُناكَ خيارٌ سوى أن تُحقّق رغبات ابنتها حتّى آخرها.
أضافت بابتسامة راضية:
“لا تقلقي يا ابنتي … فـإسقاط الجنين في الرحم، أمرٌ سهل للغاية.”
لأي سببٍ كان.
—
بعد عودته إلى إقطاعته، انغمسَ إيزار في الأعمال الإدارية لدوقيته لفترة.
و رغم أن “تشارلز كاورولي” كانَ قد تولّى المهام في غيابه، فإن الموافقات النهائية كانت لا تزال تقع ضمن اختصاص الدوق.
راقب تشارلز سيده و هوَ يراجع الوثائق لأيام متتالية، و تمتم في داخله بضيق:
‘كل هذا العناء… بسبب امرأة واحدة.’
أن يتدخّل دوقٌ شخصيًا في شؤون وحوش تظهر في إقطاعٍ آخر؟
حتّى لو كانَ المقابل هوَ استخدام “نبع الشفاء”، فإن الفائدة لم تكن تبرر الخسائر.
‘و فوق هذا، يعامل السيدة الجليلة بذلك الجفاء فور عودته.’
فـما إن عادَ إيزار، حتّى فصل بين أماكن إقامة السيدة الكترا و تلك الراعية.
سعى جاهدًا ألا تتقاطع طرقهما قدر الإمكان.
لكن ذلك يعني أن أجزاءً من الإقطاعية التي كانت السيدة الكترا تتردد عليها، أصبحت محرّمة عليها الآن.
‘في نهاية المطاف، السيدة الجليلة تبقى كبيرة عائلة مرموقة.’
من كانَ يظن أن كل هذه الفوضى ستقع… بسبب عروس زائفة؟
لكن حينَ طرح إيزار سؤاله التالي، انتبه تشارلز فورًا.
“تشارلز، هل هُناكَ أيُّ جديد عن ذاك اللقيط؟”
“أعتذر يا سيدي… “
الـ”لقيط” المقصود كانَ الأخ غير الشقيق لـ إيزار، الذي لا يزال اسمه مجهولًا حتّى الآن.
ذلك الابن الذي وُلد من علاقة بين والدة إيزار و قائد المتمردين.
و حينَ لمح تشارلز التغيّر الكالح في ملامح سيده، تحدّث بتحفّظ:
“رُبما… قد مات بالفعل؟”
“هذا مستحيل.”
ردَّ إيزار بنبرة قاطعة.
عندما كانَ في الثامنة عشرة، عثر على مخبأٍ سري للمتمردين المتبقين.
و كانت جدران ذاك المخبأ مزدانة بكلماتٍ حمراء ساخرة.
إلى أخي غير الشقيق، المولود من دمٍ لقيط.
تحية من أخيك الأصغر، المولود من اتحادٍ مُبارك.
ما إن قرأ تلك الكلمات، حتّى علم إيزار أن نيران الحقد المشتعلة في قلبه… لن تنطفئ حتّى يُسقِط كاتبها قتيلاً.
و حتّى ذلك الحين، لن يكون هُناك مجال لتراخٍ أو فضولٍ عابر نحوَ أي أحد.
و في نهاية الحديث، أشار إلى تشارلز بالمغادرة.
“أحسنت العمل في غيابي، تشارلز. أحضِر دفاتر الميزانية لاحقًا.”
“أمرك، سيدي.”
غادر تشارلز باحترام.
أما إيزار، فـتنهد بعمق و ضغط بأصابعه على جانبي عينيه.
في الحقيقة… كانَ يعاني من الأرق منذ عودته إلى الدوقية.
و لسخرية القدر، كانَ السبب هوَ تلك الراعية.
ليسَ لأنها كانت “موجودة” سابقًا، بل لأنها “لم تَعُد” موجودة في حجرته الآن.
رغم أنه لن يعترف بذلك أبدًا.
‘خمسة عشر يومًا فقط … و ها أنا أُصاب بهذا؟’
أثناء إقامتهما المشتركة في دينيب، اعتادَ الاستيقاظ كل فجر.
فقد كانَ عليه أن يسحب تلك المرأة المتكورة على حافة السرير… إلى جانبه.
و لم يكن يتمكن من النوم مجددًا إلا بعد أن يتأكد من أنها استغرقت في نومٍ عميق.
لكن هذا التصرف التافه… تحوّل إلى عادة مُخيفة.
‘هذا يدفعني للجنون…’
كانَ يستيقظ ليلًا، و يفتح عينيه نحوَ ذلك الفراغ.
و بالطبع، لم تكن الراعية هُناك.
رغم تكرار تحذير نفسه قبل النوم، إلا أنَّ جسده يستمر في الاستيقاظ… كأن شيئًا ناقصًا.
‘يبدو أنني لا أستطيع النوم… إلا إن كانت تلك المرأة بجانبي.’
لكن، حينَ لا يكون هُناكَ أحد يملأ الوسادة الأخرى…
فـماذا عساه أن يفعل؟
و نتيجةً لذلك، كانَ إيزار إما متوترًا توترًا مبالغًا فيه، أو يشعر كما لو أنَّ ضبابًا كثيفًا يغلّف عقله منذ عودته.
كانَ يعرف تمامًا ما هوَ الحل.
لكنه كانَ جنونًا أن يستدعيها إلى حجرته، أليسَ كذلك؟
‘و ماذا سأقول لها أصلًا؟’
لا أستطيع النوم، لذا دعيني أراقبك و أنتِ نائمة في سريري، رُبما يساعدني وجودك على النوم…
حتّى لو وُضِع تحت التهديد، لم يكن ليقدر على التفوه بكلماتٍ كهذه.
‘تحمّل… و استعن على ذلك بقدرتك على التحمل.’
لا يمكن أن يستمر هذا الحال إلى الأبد.
لا بُدَّ أن له نهاية… حتمًا.
—
في الجهة الأخرى، كانت فريسيا، التي تنام وحيدة الآن، تنام بصورةٍ أفضل من إيزار.
فقد كانت منشغلة جدًا بالتخطيط للمستقبل.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 35"