زوجة دوق أركتوروس … تُشبه كانوبوس؟
ارتسمت على وجه التابع المرتزق ملامح حيرة حقيقية أمام ذلك الرد.
كانَ تفسيرًا يحوي احتمالات عدّة؛ لعلها مثله، ثمرة خطيئة … أو رُبما كانت تملك مواهب خاصة وهبها إياها الإله آدمانت.
و عندما لمح كانوبوس ذلك الارتباك في تعابير وجهه، أطلق ضحكة قصيرة.
“آه، لا حاجة لكل ذلك التفكير. ما قصدته … أنها شخص دُمِّرت حياته بسبب أركتوروس.”
“يا لورد كانوبوس …”
انكمش وجه المرتزق بأسى.
عندما أقدم دوق أركتوروس السابق على إعدام المتمردين، لم يكن كانوبوس قد تجاوز السابعة من عمره.
و لو أنَّ ذلك الدوق، الذي فقد عقله من شدة الغضب بسبب خيانة زوجته، قد عثر عليه آنذاك، لذبحه دون تردد.
حينها، فرَّ المرتزق بالطفل، مستعدًا لأن يضحي بحياته من أجله.
ليسَ فقط الطفل، بل أيضًا من تبقّى من الفصيل شبه المنهار.
و الآن … أصبح كانوبوس في العشرين من عمره.
“هذه المرة، سننجح حتمًا، يا لورد كانوبوس.”
“هاها … نعم، يجب أن نفعل.”
ابتسم كانوبوس، ناظرًا إلى لهب آدمانت المقدّس.
“لكن هذه المرة، لن نواجهه بقوة السلاح مباشرة.”
رغم كراهيته لأخيه غير الشقيق، إلا أنه لم ينكر براعته.
في الوضع الحالي، أنا من سيسحق أولًا، بلا شك.
لذا، قرر كانوبوس أن يهزّ الإمبراطورية من الظلال.
فقد قتل بالفعل الكاهن الذي كانَ من المفترض أن يُرسل من هذا المعبد إلى العاصمة… و سيتولّى مكانه قريبًا.
سيتسلل إلى قلب المعبد، متربّصًا، منتظرًا الفرصة للإطاحة بالإمبراطورية … و بأخيه اللعين، إيزار.
“لا بُدَّ أن آدمانت منحني القدرة على السيطرة على الوحوش من أجل هذه الغاية تحديدًا.”
خلف كانوبوس، الذي ارتدى رداء الكهنة، انشق جدار عمودي بصمتٍ ثقيل. و من خلاله، خرجَ ذئب ذو ست أعين، يقترب برأسه من يد كانوبوس، متلمّسًا دفئها.
“هذا العام … سأقطع نسل العائلة الإمبراطورية لبيت بيتلجيز.”
“هل سموّكم يخطط لاستهداف الإمبراطور و حفيده معًا؟”
“العجوز سيموت وحده عاجلًا أم آجلًا … فـلنُركّز على الأمير الشاب.”
ضحك كانوبوس بسخرية باردة.
الأمير سيموت، ممزقًا على يد وحشٍ يظهر في خضم مهرجان الصيد.
و حتماً … سيكون إيزار أركتوروس حاضرًا هُناك.
يا لسخافة المشهد، حينَ يعجز رئيس عائلة أركتوروس عن حماية حفيد الإمبراطور!
“و ماذا بشأن، أممم … زوجة اخيكم؟”
ابتسمَ كانوبوس ابتسامة باهتة، مستذكرًا لقائه بها.
تلك المرأة التي كانت تصلي لأجل عائلتها.
العروس النجسة، التي تألقت عيناها بشغفٍ تجاه اللاهوت.
نعم … نحن متشابهان في أصولنا.
رُبما كانَ الجو الفوضوي في زفافها أحد الأسباب التي جعلت أخاه لا يستسيغها.
فـمُجرّد ذكر كلمة “لقيطة” لا بُدَّ و أن أعادَ كانوبوس إلى ذهنه.
رغم ذلك … لا أدري بعد إن كانَ إيزار يكنّ لها شيئًا.
ابتسم كانوبوس مجددًا، ابتسامة خافتة.
التفكير منطقي … لا يوجد سببٌ ليأخذ رجُلٌ زوجة لا يُعزّها إلى منطقة مجاورة.
كانَ يأمل في قرارة نفسه أن يكون أخوه قد أحبَّ تلك العروس.
قالوا إن الحُب درعٌ يحمي القلب، لكنه لم يؤمن بذلك.
بل رآه نارًا مجنونة توقد التمرد.
هوَ السمّ نفسه الذي يدفع أمًّا لتتبع عشيقها إلى الموت، تاركةً ولدها الأكبر خلفها.
أقوى السموم، الذي يجعل حتّى الأشدّاء يتوسّلون.
“أتوسل إليك، يا آدمانت الجليل…”
كانَ كانوبوس يأمل أن يكون الشعور الذي يكنّه أخوه تجاه تلك المرأة هوَ الشعور الأخير في قلبه.
و إن صحَّ ذلك…
“اغفري لي، يا زوجة أخي.”
همسَ كانوبوس، مبتسمًا بأسى.
إن أصبحتِ أنتِ سُمّ إيزار أركتوروس…
فـسوف أكون أنا من يُزهق روحك.
—
و بعد ذلك بوقتٍ قصير، حلَّ اليوم الذي سترحل فيه قافلة أركتوروس من أراضي دينيب.
كانَ إيزار في المقدمة، يودّع ماركيز دينيب.
“أنا مدينٌ لكَ بالكثير، يا ماركيز دينيب.”
“لا تقُل هذا. بل نحن من يدين لكَ، يا دوق، لتدخلك بنفسك و إنقاذنا.”
لم يكن في ذلك التبادل من المجاملات أي مبالغة.
فـبعد القضاء على وحش الذئب الغريب الأخير، انخفضت تقارير الهجمات الوحشية بشكلٍ ملحوظ.
و بينما كانت فريسيا تودّع الماركيزة على انفراد،
“دوقة!”
اقتربَ ألبيريو من فريسيا و ابتسامة مشرقة تعلو وجهه.
لكن ما إن وقعت عيناه على وجهها، حتّى تباطأت خطواته.
ذلكَ البريق الذي كانَ يشعّ من عينيها عند لقائهما الأول في الربيع … قد خبا تمامًا.
فـانكمشَ قلبه بصمتٍ مؤلم عند رؤيتها.
“سيد دينيب…”
ظلَّ صوتها هادئًا، لكن الحيوية التي كانت تنساب من كلماتها اختفت.
“أشكرك على لطفك طيلة فترة إقامتي.”
“آه، أمم…”
حكَّ عنقه بتوترٍ ظاهر.
لماذا بدت و كأنها شمعةٌ واهنة … على وشك الانطفاء؟
هل أنتِ مريضة؟ الينبوع لا يشفي الأمراض الداخلية …”
“لا، لكن شُكرًا على اهتمامك. أنا بخير.”
“أممم.”
لم يكن ألبيريو معتادًا على أن تقاطعه امرأة بتلك الصرامة.
هيَ تقول إنها بخير، لكن وجهها يروي غير ذلك.
أي إنها منزعجة بسببه، لكنها تُجامل و تدّعي العكس.
و إن كانَ الخطأ بسببه فعلًا…
“آه … هل كانت الفاكهة التي أرسلتها إلى غرفتك هيَ المشكلة؟”
“……”
“أم أنّني تجاوزت الحد…؟”
ضغطت فريسيا شفتيها و نظرت إلى الأرض.
و حينَ رأى ألبيريو تعبير وجهها، أدركَ شيئًا فجأة.
لكنه شعر أيضًا ببعض الإحراج.
‘من بين كل الهدايا التي قدمتُها للسيدات، كانت تلك أقلها أهمية.’
زهرة جميلة مربوطة بشريط، قصيدة حب سخيفة، دعوة إلى حفلة…
مقارنة بتلك الرموز المتألقة و المبهجة، كم كانت التوتات الحمراء عادية و غير مُكلِفة؟
‘خصوصًا أنها ليست فاكهة نادرة أصلًا.’
و معَ ذلك، حتّى بعد أن طلب من الخدم قطف الكثير منها، ظلَّ يشعر بعدم الارتياح.
‘غريب … شعرتُ أنني قد تخطيتُ حدًّا ما.’
هل كانَ ذلك لأنه طعام مفعم بذكريات دافئة، تقاسمته معَ زوجها؟
«إنه شيء أتذكره أنا وحدي الآن … هوَ لم يعُد يتذكر.»
استعادت ذاكرته كلماتها تلك، فـتألم قلب ألبيريو قليلًا.
لو كانت امرأة أكبر سنًا تتأمل حُبًا قديمًا، لكان الأمر مختلفًا.
لكن أن تبدو شابة بهذا الحزن … كانَ ذلك مؤلمًا بشكلٍ خاطئ.
‘و زوجها لا يتذكر حتى …’
إذًا، ما الخطأ في أن يُهديها شيئًا تحبه؟ و ما العيب في أن يأمل أن تستمتع به؟
نظر ألبيريو إلى إيزار، الذي كانَ يودّع الماركيز.
‘إن كانَ لا يتذكر، فـهل عنّفها حقًا بسبب حفنة من الفواكه.’
في تلك اللحظة، نجحت فريسيا في ضبط تعابير وجهها.
‘هاه … لا تُظهري انزعاجك.’
أخرجت قلادة الزر من عنقها، و ألقت عليها نظرة سريعة.
لم يتبقّ لها سوى 284 يومًا.
سواء أكانت قد أدّت دورها جيدًا أو لا … كانت تتمنى لو أنَّ أحدًا يُقيّم ما بذلته.
لكن فجأة، امتدت يد رجل أمامها، عارضةً المصافحة.
رمشت فريسيا بدهشة، ثُمَّ ابتسمَ ألبيريو أخيرًا بارتياح.
“دعينا نجعل من هذا وداعًا، كي لا أزعجكِ أكثر.”
“آه…”
“ما رأيكِ؟”
عادة، لا تُصافح السيدة النبيلة رجلًا نبيلاً إلا إذا كانا متكافئين و لا يحملان أي مشاعر متبادلة.
احمرَّ وجه فريسيا قليلًا دون وعي منها.
‘لا بُدَّ أنها كانت منزعجة فعلًا حتّى ظهرت ملامحها بهذا الوضوح.’
و الآن، لتجنّب مزيد من الحرج، هوَ من قدّم البادرة أولًا.
و أخيرًا، ابتسمت فريسيا و قبلت المصافحة.
“شُكرًا لك، سيّد دينيب.”
“……”
“أتمنى لك الصحة حتّى نلتقي من جديد.”
“أوه، آه، نعم.”
و بينما كانَ ألبيريو يحيط يدها الممدودة بيديه مُبتسمًا، فقد تركيزه للحظة.
“هاه؟”
اتسعت عيناه عندما شعر بوخز خفيف في أصابعه.
لكن في اللحظة التالية، دوّى صوت طقطقة حادّ.
صفعة-!
“ما هذا.”
“دوق؟”
كانَ إيزار قد أنهى توديع الماركيز، فـتقدّم بخطى سريعة بين الاثنين.
ثُمَّ دفعَ يد ألبيريو بعيدًا عن يد فريسيا بحدّة.
كانَ وجهه هادئًا، لكن خطّ فكه كانَ مشدودًا بقوة.
و رمقَ ألبيريو بنظرة، و كأنّه يرى في مُجرّد عدم كسر معصمه رحمةً عظيمة.
و بدلًا من ذلك، و بنبرة باردة، وجّهَ كلامه إلى فريسيا بنظرة جانبية.
“إن كُنتِ قد انتهيتِ، فـلنرحل.”
“آه … نعم.”
لم ينتظر إيزار فريسيا، بل سارَ أمامها دونَ أن يلتفت.
و تُرِكت فريسيا خلفه نظرةً محرجة أخيرة لألبيريو، قبل أن تتبعه مسرعة.
أما ألبيريو، فقد ظلَّ يُحدّق في ظهرهما المبتعد، كأنما سُحِر، ثُمَّ نظرَ إلى يده بانذهال.
‘ما الذي حدثَ للتو؟’
تصرف دوق اركتوروس عندما أبعد يده…
أوه، لقد كانَ ذلك مزعجًا للغاية.
و إن أتى اليوم الذي يُعلَن فيه النزال، فقد أقسمَ على أن يسحق تلك اليد دون رحمة.
لكن قبل ذلك، كانَ هُناكَ شعورٌ غريب لحظة مصافحته للدوقة.
كانَ أشبه بـ…
‘سِحر؟’
في برج السحرة، أحيانًا يشعر المرء و كأن النجوم تنفجر داخل عروقه، و هوَ الإحساس الذي يُخلِّفه بقايا السحر حينَ تبقى في الجسد.
‘لكن … ألم يُقال إنَّ سلالة أنتاريس قد فقدت قواها الخارقة؟’
و لهذا السبب كانوا أكثر انخراطًا في السياسة داخل البلاط الإمبراطوري.
و معَ ذلك، من تلك المرأة التي يُحتقَر أصلها كابنة غير شرعية، يمكن الشعور بقوة كهذه؟
‘همم … سأحتاج إلى فرصة لألتقي بالدوقة مجددًا.’
و يُفترض أن تكون تلك الفرصة في أقرب وقتٍ ممكن.
و لأجل البحث السحري فقط، لا غير.
رُبما.
التعليقات لهذا الفصل " 33"